العدد 288 - الجمعة 20 يونيو 2003م الموافق 19 ربيع الثاني 1424هـ

الصحافة بين ثرثرة المقابلات وجرجرة الصحافيين

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

الحرية التي نعيشها اليوم لم تأتِ من فراغ وهي ليست هبة نزلت علينا من السماء ذات ليلة بلا مقدمات أو أسباب. هذه الحرية كانت افرازا طبيعيا لتاريخ طويل مطرز بألوان وألوان. فليس من حق أي وزير أن يمن علينا بهذه الحرية ليحولها إلى خليط من الظلال الدكناء وليعكر صفوها بطرزانية التصريحات وكأننا نشاهد «أكشنا» خاصا من أكشنات محمد علي كلاي.

مفردات هذه الحرية كانت غربة وحزنا ووجع سنين وكل هذه المفردات لا يمكن أن يلغى قدسيتها وشرعيتها نفرة اعلامي هنا أو صرخة ثقافي مدجن هناك وليس دور الصحافة أن تكون حاجبا لهذا الوزير أو ذاك ليخرج علينا كل صباح بدور البطل. إن مثل هذه الأطروحات تسبب التلوث السياسي وتدعو إلى «تخدير القلب» على حد تعبير برغسون، وما عاد الجمهور يصدق كل هذه البهلوانيات المسطحة.

وقانون الصحافة الجديد قانون يفرض على الجميع ألا يفتحوا أفواههم إلا عند طبيب الأسنان وهذه أيضا احدى معاجزنا البحرينية. للأسف الشديد تصريحات الوزير ورطت الوزير وكشفت عن فزعة مرتجلة ومبالغ فيها. وقلناها سابقا إن الأداء ضعيف ولا داعي لدس الرأس في الرمال فالاعلام يحتاج إلى إعلامي قوي.

البحرين تعلو بالحرية وعلى رغم المنغصات بقيت البحرين مشرقة صحافيا وأصبح الناس يثقون - ولو جزئيا - بصحافتنا لأنها أصبحت تلون بريشة الرأي والرأي الآخر، وبعد أن كانت تلون بريشة واحدة.

مشكلة الوزير أنه أول من صرح وصفق وحيدا فريدا لا ناصر له ولا معين إلى قانون الصحافة ووصفه ذات يوم «بالانجاز» وانه «مكسب وطني» وهذه لغة يجب أن نستبدلها بالموضوعية والاتزان. ان الكسوف الصحافي سيجعلنا في ظلمة كبرى ولن نرى البحرين إلا بلون واحد. فهل حرام علينا ان نشم رائحة الديمقراطية بعد أن كان بيننا وبينها 30 خريفا ولماذا نقبل بالوعي المعكوس؟ ان من يستغل الحرية الصحافية هو من يعمل على قمعها لأجل حصص في السوق فيحجب المعلومات عن هذه الصحيفة أو تلك. وإذا كان الوزير لا يريد فرض قيود على الحرية فلماذا قام بتقطيع جلسات البرلمان وبثها على الناس مشوهة؟ فهل بعد ذلك تبقى صدقية للحرية؟ وكان من المؤمل من جمعية الصحافيين أن تقف اليوم مع الذين يجرجرون إلى المحاكم ولذلك يطالب الصحافيون بنقابة حرة. ففي اليوم الذي يقدم فيه صحافي للمحكمة يبقى آخرون منشغلين بالتلوين.

الإنجيل يقول: «الكبرياء يسبق السقوط» ولن نستطيع أن نكسب الوطن إلا إذا قمنا بكنس كل مخلفات الماضي من فساد إداري ومالي ومن تمييز ليكون الوطن للجميع.

ان الغرب لم يعرف الحضارة حتى كنس غبار الفكر القمعي ومحاكم التفتيش. فمهما طبل لقانون الصحافة يبقى هذا القانون قانونا جائرا فعصر الوثنية السياسية ولى بلا رجعة. فالصحافة ليست مكانا للتجارة، وبدلا من إلقاء الاتهامات فلنرجع إلى لغة الأرقام فهي لغة الأقوياء.

مشكلتنا في العالم العربي هي البطانة الفاسدة التي تعمل على خلق الوقيعة بين الأنظمة والجمهور فقد ترى مثقفا أو وزيرا أو مديرا يظهر بالمظهر الحسن لكنه يحمل الوشاية في داخله ولا تعجب حين ترى أحدهم، ديناصورا ولكنه للأسف الشديد بدماغ ذبابة وما أجمل تعبير الصادق النيهوم في كتابه «محنة ثقافة مزورة» عندما قال: «إن غياب الديمقراطية لا يجعل الناس مجانين فقط بل يجعلهم قطيعا».

كثير من الوزراء في عالمنا العربي تضخموا على حساب الفقراء وأصبحت حساباتهم المصرفية تقاس بالأمتار... فهم يملكون الشركات والعقارات والمناقصات، وتضخموا حتى إذا عطسوا - في زكام محموم - خرجت النقود من أنوفهم وقد يهون ذلك ان توافرت الفطنة والعقل ورجاحة التفكير وأجمل ما قرأت نكتة سياسية وردت في كتاب «السخرية السياسية العربية» يقول فيها وهو يصور أن توزير بعض الوزراء العرب كان بمعيار الثقة لا معيار الكفاءة «أن وزيرا عربيا سئل ذات يوم: لماذا بني هذا الجسر؟ فقال: كي يمر النهر من تحته» ولما سئل لماذا صنعوا الراديو؟ أجاب: كي توضع البطاريات داخله!»، ولو سئل بعض مثقفينا اليوم: لماذا يسجن الصحافي كالمجرمين فإنه سيقول: حتى تترسخ الديمقراطية

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 288 - الجمعة 20 يونيو 2003م الموافق 19 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً