الملاحظات التي أبداها الزميل جعفر المرخي هي محل نظر وتفهم وأقول محاولة تفهم لاعتبارات عدة من بينها: إن الزميل يتحدث من خارج الوسط المهني/ الصحافي الذي يعاني من ضغط وقسوة ميكنته، ومحاولة ضبط عدد من الإيقاعات على مستوى العلاقات وترتيب التواصل واستقطاب أكبر عدد من الأسماء الفاعلة والمؤثرة. وأكرر الأسماء الفاعلة والمؤثرة، إذ ليس دورنا - على الأقل في المرحلة الراهنة - أن نفتح صفحات للهواة مع كامل احترامنا وتقديرنا لمحاولاتهم ... من دون أن ننسى موهوبي الهذيان والذين لا يجيدون ضبط ايقاع الطرق على الأبواب عدا عن ضبط ايقاع القصيدة.
الزميل أبدى عددا من الملاحظات التي جاءت بعيدة عن الفهم الموضوعي لعدد من الأمور من بينها، إفراد مساحة من الصفحة لشعراء خليجيين هم في غنى «تام عن التعريف والتلميع»... على حد تعبيره، ولاحظوا مفردة «التلميع» وكأننا في صفحة التراث نختط نهجا كالذي وصمنا به الزميل. فمن يبدأ بتلميع الشعراء لن يتوانى تحت ضغوط لا تغيب عن قاصري الفهم، لن يتوانى في تلميع صورة السياسيين والسماسرة والنواب والوزراء وتجار الخردة والمقاولين وتجار الفري فيزا وسرّاق المال العام.
الزميل يطالبنا بمراجعة حقيقية لما يعتري الساحة من انهيار حقيقي وأن ننطلق من نقطة الصفر كما جاء في ملاحظاته دون أن ينسى مطالبة الصفحة بالتواصل مع الوسط الشعري، وكنا نتمنى من الزميل أن يحضّر لنا وصفة التواصل تلك، فأي تواصل يتحدث عنه أكثر من الخطوط المباشرة والاتصال المستمر مع عدد كبير منهم ودعوتهم عبر أكثر من كتابة وعمود وبالإسم للتواصل... اللهم إلا استجابة نعتز بها من قبل عدد منهم، ويحتم علينا الواجب والوفاء لتلك الاستجابة أن أذكر الأسماء هنا: لافي جاعد الظفيري، ظما الوجدان، يونس سلمان، محمد الجاعد، لحدان صباح الكبيسي، عبدالله حماد، راشد بن ناصر بن زميع القحطاني وغيرهم. فهل يطلب منا الزميل أن نتسول ونتوسل الاستجابة والتجاوب ممن لا يمكننا التغاضي عن أهميتهم ودورهم إذا ما كانوا عازفين عن المشاركة والتواصل؟
ثم ان خدمة الحركة الشعرية التي يتحدث عنها الزميل ليست مهمة مقصورة علينا، فنحن جزء مكمل لخدمة تلك الحركة، وثمة جهات هي في الصميم من ذلك الدور والخدمة ولكنها تغاضت وتعامت وانكفأت وعمدت إلى اشعال فتن وخلافات، وقيام تصدع ستظل الساحة تجني نتائجه وثماره «المتحشفة» لسنوات طويلة مقبلة.
ويتحدث زميلنا عن «مواهب أوشكت أن تحتجب عن الساحة»... المواهب يا صديقي لا يمكنها أن تحتجب، اذ تظل حاضرة وفاعلة ومؤثرة، فعن أية مواهب يتحدث؟. أما عن الجو الصحي الذي يتحدث عنه فلن أتردد في القول إن الشخص الوحيد الذي يمكنه أن يوفر جوا صحيا من نوع آخر هو «مخرب ومدمر» بحجم «علي الكيماوي» - علي حسن المجيد - صاحب المجزرة الشهيرة في حلبجة وقمع انتفاضة جنوب العراق في العام 1991. ونحن هنا بحاجة إلى مجزرة من نوع آخر كما يبدو تعيد الجو الصحي الذي يطالب به الزميل... فعلّ أوضاع الساحة الشعرية الشعبية تترتب بعد أن «ساحت» بفعل كيمياء الترهل والمحسوبيات والمداهنات والمجاملات، بحيث نجد أن الساحة وبعض رجالاتها تدخل في ثورة غضب وحسد لمجرد تعليق خرجت به احدى الصحف الكويتية مبدية اعجابها وتقديرها لتجربة موهبة وشاعرة بحجم ظما الوجدان، حين أبدت الصحيفة وجهة نظرها مرشحة اياها كشاعرة أولى مع مرتبة الشرف الأولى، وهي على كل حال لا تتعدى وجهة النظر، ولكن المرضى ممن هم محسوبون على الشعر والشعراء اكتشفوا ان في ذلك طعنا في رجولتهم حين ترى صحيفة كويتية ان شاعرة بحرينية متورطة في الصحيح من الشعر والكشف والدهشة.
ويسهب زميلنا في ابداء ملاحظاته حين يشير إلى ان اعطاء مساحة لشعراء خليجيين هم في غنى عن التعريف والتلميع أصبح بمثابة مشكلة تضاف إلى سلسلة من المشكلات العالقة والمستفحلة. ولنقلها بصريح العبارة... ناشدنا وعبر زاوية «هطول إلى الأعلى» عددا من الشعراء للمساهمة في رفد هذه الصفحة بنصوصهم ومساهماتهم، وربما لم نشر إلى اسم المرضى منهم لقناعات صادقة... فلن نجامل أحدا في هذا الصدد. ولن نتردد لحظة واحدة في تحبير صفحة التراث وسعودتها طالما ان الإخوة الشعراء هنا عازفون عن المشاركة على رغم محاولة استدراجهم وتأكيدنا بأن حلمنا ومشروعنا وطموحنا لن يكتب له النجاح بمنأى عنهم، ولا ننكر مع اعتزاز كبير وتقدير للأصوات والأسماء التي استجابت مشكورة لما طرح في عمود الصفحة، وهي أسماء تم ذكر بعضها في بداية هذه الكتابة، وكنا نتمنى تجاوب أكبر عدد من الأسماء الفاعلة وأقول الفاعلة، كي لا تتحول الصفحة إلى بريد للقراء مع كامل احترامنا وتقديرنا الكبير لهم، إلا اننا لن نتراجع عن مشروع كنا نحلم به جنبا إلى جنب مع جهود ومحاولات واجتهادات الزملاء الشعراء وعلى رأسهم الزميل مبارك العماري وعبدالله الدوسري ويونس سلمان، كنا نحلم بأن يكون قادرا على استدراج المواهب الحقيقية والناضجة والتي تملك قدرة وطاقة تعكس جانبا من التجربة الإبداعية هنا في المملكة.
ويمضي زميلنا في ابداء ملاحظاته بالاشارة إلى ان معد الصفحة بحاجة إلى تفاعل الوسط الشعري بصورة أعمق من أجل أن تتم عملية التشجيع على حد قوله، ولا أدري ما هو الرابط بين التفاعل مع الوسط الشعري والتشجيع؟ ويواصل زميلنا بأن مثل ذلك يدفع المعد لأن يكون ملمّا بكل مجريات الساحة ومحتوياتها... وكأننا ممن أوتوا نصيبا من «العلم بالغيب»!
هذه الساحة بحاجة إلى قانون طوارئ يعيدها إلى رشدها... بحاجة إلى هز مفاصل وقانون تعبئة وتجنيد اجباري يخرجها من رخاوتها وأوهامها... هذه الساحة تقف منتصبة لوجود أسماء فاعلة غيبت بفعل منابر تبحث في فصيلة الدم النادرة للشاعر أكثر من بحثها في فصيلة لغته ورؤيته ومضمونه... وكفانا ملاحظات في الوقت الضائع
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 288 - الجمعة 20 يونيو 2003م الموافق 19 ربيع الثاني 1424هـ