العدد 287 - الخميس 19 يونيو 2003م الموافق 18 ربيع الثاني 1424هـ

تقارب أوروبي - إيراني برضى أميركي

قصة «مجاهدي خلق» من التأسيس إلى الاعتقال

حسن فحص comments [at] alwasatnews.com

.

على رغم ان حزب الشعب أو «حزب توده» الإيراني يعتبر من اعرق واقدم الاحزاب الشيوعية في المنطقة إذ تأسس في بدايات القرن الماضي بعد الثورة البلشفية في الاتحاد السوفياتي السابق فإن ذلك لم يمنع من ظهور تيارات يسارية اخرى سعت الى منافسته في الحضور الشعبي مستفيدة من الاثر الذي تركه الوجود الروسي المباشر في اجزاء كبيرة من ايران بالتقاسم مع الاحتلال البريطاني.

القضاء على السلطنة القاجارية، وسيطرة العسكري البادكوبي رضا بهلوي على مقاليد السلطة في ايران بدعم مباشر من بريطانيا، ومن ثم اعلان نفسه ملكا على ايران، فتح الطريق واسعا أمام عملية قمع وضرب أي توجه اشتراكي ويساري في إيران .

التحول الى العمل السري للتيارات اليسارية إلى جانب حزب توده، مهد الأرضية لبروز اختلافات في التوجهات بين أعضائها، فبعدما كانت منظمة «فدائيي خلق» تعتبر المنافس الاقوى لحزب توده، شهدت عملية تشظٍ في صفوفها انتج منظمتين هما «فدائي خلق» الاكثرية التي لم تكن تؤمن بالعمل المسلح، وفدائيي خلق الاقلية اعتمدت العمل المسلح وسيلة للتغيير وقلب النظام.

وفي ستينات القرن الماضي انقسمت المنظمتان من جديد وبرز اسم منظمة «مجاهدي خلق» التي حاولت التوفيق بين الفكر الاشتراكي والفكر الديني وبناء ايديولوجيتها على الاشتراكية الإسلامية مستفيدة من غطاء المرجع آية الله السيد محمود طالقاني أحد أبرز رجال الدين المناضلين والمعادين لنظام الشاه، واستطاعوا ايجاد قاعدة شعبية لهم انطلاقا من قربها من طالقاني.

بعد انتصار الثورة الإسلامية بقيادة الامام الخميني وانتهاء عمل الحكومة المؤقتة برئاسة زعيم حركة تحرير ايران التوفيقي مهدي بارزكان بدأ الاختلاف بين «مجاهدي خلق» والمنحى الديني الذي اتخذته الجمهورية الإسلامية واستبعادها لكل القوى الاخرى ما دفع بهؤلاء إلى اعلان العداء للنظام في وقت مبكر من فترة أول رئيس للجمهورية أبوالحسن بني صدر حين اقدمت وفي أول عملية عسكرية تخريبية من نوعها على تفجير مقر الحزب الجمهوري الإسلامي الذي أدى إلى مقتل أكثر من 72 من قيادات النظام أبرزها آية الله بهشتي ومحمد منتظري (نجل آية الله الشيخ حسين علي منتظري)، ما دفع النظام الإسلامي إلى اعلان الحظر على أعمالها وملاحقة اعضائها الذين كان اكثرهم من الشباب الذين استغلوا الاضطرابات القومية والعرقية التي واجهتها الثورة في البداية وعملوا على تأجيجها .

المواجهة بين الدولة والمنظمة وسقوط بني صدر دفع زعيم هذه الجماعة مسعود رجوي الذي تولى القيادة بعد مؤسسها ابريشمي الى الهرب سرا من إيران برفقة بني صدر العام 1980 باتجاه فرنسا.

رجوي الذي فقد زوجته الأولى اشرف ربيعي التي قتلت في طهران برفقة احد قيادات المنظمة (موس خياباني) عمد الى الزواج من مريم ابريشمي زوجة مؤسس «مجاهدي خلق» بعد ان طلقها من زوجها بقرار تنظيمي بناء على ضرورة توحيد مراكز القوى في المنظمة وهو الزواج الثاني له بعد زواجه من ابنة بني صدر فيروزة.

هذا الامر ادى إلى إحداث ارباك اخلاقي وايديولوجي داخل المنظمة التي كانت تعطي الجانب الخلقي اهمية كبرى في عملها التنظيمي الستاليني في عقائدها وتركيبتها.

في الثلاثين من اغسطس/ آب 1981 اقدمت المنظمة على تفجير مقر رئاسة الوزراء الإيرانية الذي أدى إلى استشهاد كل من رئيس الجمهورية علي رجائي ورئيس الوزراء محمد جواد باهنر، وهي عملية اصابت النظام بصدمة كبيرة لانها ترافقت ايضا مع عمليات اغتيال اخرى طالت الكثير من قيادات النظام.

انتقلت فعاليات المنظمة الى الخارج في اوروبا ومن هناك الى العراق في العام 1986 اثناء حربه على إيران، وبعد انتهاء هذه الحرب قامت قوات المنظمة بتنظيم صفوفها والقيام بهجوم على الأراضي الإيرانية في عملية عسكرية اطلق عليها اسم «الشعاع الخالد» أو «فروغ جاويدان» انطلاقا من المناطق الكردية الايرانية وردت القوات الايرانية بعملية اطلق عليها اسم «المرصاد» وادت الى سحق قواتهم وإلحاق خسائر جسيمة في صفوفهم، بعدها قامت المنظمة باغتيال قائد اركان الجيش الايراني العماد صياد شيرازي في آخر عملية عسكرية بارزة لهم مع قيامها بعمليات ارهابية اخرى كاطلاق صواريخ على بعض التجمعات السكنية وادارات الدولة.

بعد الهجوم الأميركي على العراق والقضاء على نظام صدام حسين تخوفت ايران من لجوء واشنطن إلى استغلال هذه المنظمة للضغط عليها لوضعها على لائحة المنظمات الارهابية وهذا ما حدث. إذ اقدمت القوات الأميركية على عقد اتفاق مع عناصر المنظمة لوقف اطلاق النار، الامر الذي دفع طهران إلى الدخول في مساومات مع الإدارة الأميركية في اللقاءات التي عقدت بين الجانبين كان أبرزها القبول بالشروط الأميركية التي نقلها الى طهران الوسيط البريطاني وقضت بعودة زعيم المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق السيد محمد باقر الحكيم، بعدها تم الاعلان من الجانب الاميركي عن نزع سلاح هذه القوات التي تقدر أعدادها بنحو 5000 عنصر لمنعهم من استخدام العراق في عملياتهم ضد ايران.

أثار الاتفاق موجة من الانتقاد لواشنطن التي انتقدت كذلك لتعاملها مع منظمة صنفتها على لائحة الارهاب، الامر الذي اجبر قيادات هذه المنظمة على الانتقال مجددا الى اوروبا، وتحديدا فرنسا التي شكلت سابقا معقلا اساسيا لهذه القيادة، فيما تعتبر المانيا معقلا لاكثر المؤيدين لها.

استمرار الضغوط الأميركية التي ترافقت مع أخرى اوروبية بشأن اتفاقية الشراكة الاوروبية الايرانية، وملف حقوق الانسان، والتركيز على طهران في الملف النووي دفع هذه الأخيرة إلى الدخول في مساومات جديدة تطالب بتحجيم عمل هذه المنظمة في أوروبا مقابل وعود إيرانية لأوروبا بإمكان توقيع البرتوكولات الاضافية بشأن التفتيش المباغت لمؤسساتها النووية وكانت طهران سمعت كلاما من وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دوفليبان خلال زيارته الأخيرة لإيران عن ضرورة قطع الطريق على الضغوط الأميركية في الملف النووي لأن فرنسا تتوقع تدخلا اميركيا واضحا في صوغ تقرير «الوكالة الدولية للطاقة الذرية».

غير أن إصرار الولايات المتحدة بعد ان سمحت بشكل غير مباشر بتوجيه ضربة لمنظمة «مجاهدي خلق» في اوروبا وتواقفت مع رغبة فرنسية بأن تُظهر إيران مزيدا من التعاون في الملفات المفتوحة ضدها بهدف تصليب موقفها في مواجهة الاستفراد الأميركي، تسعى واشنطن إلى إجبار ايران على تقديم تنازلات لا تقف عند حدود الملف النووي ، بل تتعداها الى مواقف عملية من السلام في الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية ووقف دعمها لحزب الله وحركتي الجهاد الاسلامي وحماس في فلسطين وعدم عرقلة المشروع الأميركي في العراق.

الاجراءات الفرنسية الأخيرة واعتقال مريم أبريشمي (مريم رجوي) التي لجأت حديثا الى فرنسا هربا من العراق الخطوة الأولى في هذا الاطار قد تستلحقها بإجراءات مماثلة في دول اوروبية اخرى، ما يطرح تساؤلا عما الذي ستقدمه ايران في المقابل أو الى اين وصل التنسيق الإيراني الأوروبي برضى أميركي. على رغم الاسئلة الكثيرة التي تطرحها الاقطاب السياسية الايرانية عن حدود التنازلات، وهل ستكتفي واشنطن بتوقيع البروتوكولات الاضافية للتفتيش المباغت أم أنها تريد تحويل الأراضي الإيرانية إلى مسرح للمفتشين على غرار العراق؟

الاشارات الأميركية بدأت بالاتضاح مع بداية التحركات الطلابية الاخيرة، بعد إعلان الرئيس جورج بوش عن ايجابيتها، وكذلك دعوة وزير الخارجية الأميركية كولن باول للقادة والمؤسسات الدينية إلى اعطاء الشعب المزيد من الحريات في اطار التحرك نحو الديمقراطية لحل جميع الازمات السياسية والاقتصادية... في حين لم تُخفِ طهران ترحيبها بالخطوة الفرنسية، مشيرة على لسان الناطق الرسمي باسم الخارجية حميد رضا آصفي إلى أن طهران كانت تتوقع خطوة مماثلة منذ فترة طويلة

العدد 287 - الخميس 19 يونيو 2003م الموافق 18 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً