العدد 287 - الخميس 19 يونيو 2003م الموافق 18 ربيع الثاني 1424هـ

فرق المعتزلة: نظْم الكلام... وبعثرته

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الاختلاف على تسمية «المعتزلة» وأصل الاسم ومصدره فتح باب النقاش على عناصر تفكيرهم ومنطق اجتهاداتهم. لذلك تفرعت عنهم الأسماء وتعددت ونسبت مرارا إلى شيوخهم للتمييز بين هذا «الاعتزال» أو ذاك.

في كتاب «جامع الفرق»، (ص 190) يذكر أن التسمية أطلقت على ثلاث فئات: الأولى لم تشترك في حربي الجمل وصفين. والثانية أطلقت على جماعة من الزهاد انصرفوا للعبادة واعتزلوا مباهج الحياة. والثالثة اعتزلت مجلس الشيخ حسن البصري في نهاية العهد الأموي بعد اختلافهم على مرتكب الكبيرة، وهؤلاء هم أصحاب واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد.

والفئة الثالثة هي التي صادرت لاحقا تسمية المعتزلة وبات الاسم ينسب إلى فرقها. فهؤلاء أطلقت عليهم أسماء كثيرة مثل المتكلمة، وأهل العدل والتوحيد، والقُدرية.

إلى التسميات المذكورة هناك عشرات الأسماء التي أطلقت على هذه الفرقة (الفرق لاحقا) إلا أن أهم ما تعرضت له كان لقب «المتكلمة». والكلام في مجرى الصراع الفقهي تحول لاحقا إلى علم يعتمد سلسلة مناهج أخذ بها بعض علماء الفقه وأنكره البعض الآخر.

إلا أن صفة المتكلمة التي بدأت منهجيا مع المعتزلة قيلت بداية للتمييز بين الفرق التي تكثر من التأويل وتلك التي تجنبته حتى لا تسقط في تفسيرات وشروحات تخرج «الكلام» عن النص.

وبسبب نزعة الكلام عند الفرق الأولى من الاعتزال قيل عن بداياتها إنها «اعتزلت القولين» فهي اعتزلت قول الخوارج والمرجئة، وقالوا «إن مرتكب الكبيرة فاسق، لا مؤمن ولا كافر. فجعلوا الفسق منزلة بين المنزلتين».

هذا في البداية... ثم كُثرت الأسماء والألقاب والصفات حتى ضاع الاسم الأصلي وذهب على مذاهب فرق لا تجمعها إلا عناوين عريضة تفتقر إلى وحدة القول والتفكير.

ولم تقتصر ألقاب المعتزلة على «أهل العدل والتوحيد» و«القُدرية» بل أطلق عليهم ايضا اسم «العدلية» وكذلك المعطلة (مصدرها العطل والتعطيل) لأن بعضهم نفى الصفات القديمة عن الله عز وجل.

ونفي الصفات فتح معركة فقهية كبيرة بعد المئة الأولى من عصر النبوة. فالمعتزلة في فترة التأسيس لجأت إلى تأويلات أثارت الاضطرابات الفكرية لأنها خالفت الموروث والتقاليد. فقالت عن كلام الله تعالى إنه «محدث» وهو «مخلوق في محل». ولجأت إلى التشبيه لتبرير كلامها فقالت أيضا «إن العبد (الإنسان) قادر خالق لأفعاله خيرها وشرها».

إلى صفة «المعطلة» سميت المعتزلة أيضا بأهل «الوعد والوعيد» حين تكلموا عن المؤمن، فذكروا «إذا خرج المؤمن من الدنيا على طاعة وتوبة استحق الثواب. وإذا خرج عن غير توبة فعقابه أخف من الكفار»... وسمَّوا ذلك وعدا ووعيدا.

ويلحظ كتاب «تلخيص البيان»، (ص 74 -84) أفكار المعتزلة ويطلق عليهم صفة «القُدرية» وذلك لنفيهم القدر السابق بزعم «أنهم خالقو أفعالهم وليست خلقا لله». فالمعتزلة (القُدرية) اتفقت على أن العبد (الإنسان) قادر خالق لأفعاله خيرها وشرها يستحق على ما فعله من الخير الثواب، وما فعله من الشر العقاب. واتفقت أيضا على «أن المؤمن إذا خرج من الدنيا على طاعة الله وتوبة استحق الثواب، وإذا خرج من غير توبة عن كبيرة ارتكبها استحق الخلود في النار، لكن يكون عقابه أخف من عقاب الكفار».

وبسبب التأويل وكثرة الكلام أخرجت المعتزلة أكثر الحوادث «من أعمال العباد عن مقدورات الله» وهو أمر أثار الفقهاء والعلماء والقضاة فقاموا بالرد على كلام المعتزلة وتأويلاتها لأفعال الإنسان. فالمعتزلة بحسب منهجها الكلامي (التأويلي) جعلت الخير والشر من أفعال العباد وخلقهم فاختلفت بقولها عن قول العلماء والأئمة، الأمر الذي فتح باب السجال الفكري (الفقهي) على نقاط لم تكن واردة لأنها تمس جوهر العقيدة والإيمان.

ولم يقتصر الخلاف على أفعال الخير والشر بل انتقل النقاش ليطال قولهم في «قِدم العالم» و«حدوث الصانع» وانه غير مختار أو غير قادر أو غير عالم أو هو عالم بالكليات من دون الجزئيات، أو عالم بالموجود من دون المعلوم «ولا يعلمه حتى يكون».

الصراع مع المعتزلة لم يتوقف عند حدود أفعال العباد (الإنسان) بل امتد وتفرع ليصل إلى الله وصفاته. فالمعتزلة عموما اختلفت مع العلماء والأئمة على حقول متشعبة أبرزها نفي صفات الله من العلم والقدرة والحياة والسمع والإرادة و«ثبتوا لله إرادة حادثة لا في محل، وكلاما حادثا مخلوقا».

كذلك اختلفت مع العلماء والأئمة على نفي القدر ورؤية الحق في الآخرة للمؤمنين، كذلك في نفي الشفاعة عموما وخصوصا، وإنكار النبوات والكرامات والأحكام الأخرويات... وقولهم بخلود أهل المعاصي في النار.

هذا الشطط في الكلام وبعثرته بعد بدايات نظمه، جعل بعض المؤرخين وتحديدا ذلك الفريق من الأئمة والعلماء المختص في تدوين مقالات الفرق والملل والنحل في الإسلام يربط أصول الفكر المعتزلي ويختصر «مذهبهم» في أصول خمسة، هي: التوحيد والعدل، الوعد والوعيد، المنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

إلا أن المعتزلة التي بدأت فرقة كلامية تتجنب السياسية تحولت لاحقا إلى فرق سياسية موزعة على مدارس تجاوزت مرحلة الكلام إلى الفلسفة. وبسبب طبيعة المعتزلة الحركية والتكوينية كان لها رأيها في السياسة والإمامة فاختلفت في الأولى بين قاعد عنها ودافع إليها، واختلفت في الثانية والقول فيها نصا واختيارا.

وبسبب لجوء المعتزلة إلى القول في الإمامة والفعل في السياسة تمزقت بداية إلى قسمين: معتزلة البصرة ومعتزلة بغداد. ومنها تفرعت إلى 20 فرقة متناحرة يكفر بعضها بعضا. ومن هؤلاء اشتهر كبار شيوخ الاعتزال فأسسوا مدارس خاصة عرفت شهرتها في الفترة الأولى من العصر العباسي

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 287 - الخميس 19 يونيو 2003م الموافق 18 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً