الفزعة الإعلامية التي خرج علينا بها وزير الإعلام قبل أيام لا تنفع أحدا ولا تخدم الصورة التي طرزنا بها تجربتنا الحالية في كل مكان... والكثير من المراقبين رأوها عملية استباقية وعملية تلويح لمستقبل لا نعلم ملامحه. وللحق فالصحافة ليست بحاجة إلى أستاذية وعمليات تلويح بالعصا.
وما نعيشه اليوم أقل بكثير مما يعيشه جيراننا الخليجيون خصوصا الكويتيين. وأعتقد أن الوزير بحاجة إلى قراءة الصحف الخليجية والكويتية بالذات حتى يعلم المفارقة الكبيرة بين هامشي الحرية. فهناك الوزراء يخشون الصحافة لا العكس. فوزراء البحرين رحموا بنقد كتاب ومثقفين عقلاء متوازنين وكم أتمنى من وزرائنا أن يقرأوا واقع وزراء الكويت، فالوزير هناك لا يخرج من مجلس الأمة إلا والعرق يتصبب من رأسه، وبعض المسئولين في دولنا العربية يتحولون إلى بطاطا مسلوقة يوميا على صفحات الصحف وتحت قبة البرلمان وهذا بالطبع لصالحهم حتى يتوازنوا في الهيبة فلا يترفعون على الفقراء. ورأينا في «الديمقراطيات العريقة» كيف يلقى البيض الفاسد على الوزير إذا أراد أن يكذب على الناس وكيف يدخل الصحافيون إلى حساب الوزير ومال الوزير بأسئلة من أين لك هذا؟ ويسألون عن سر التصفير الذي دخل به الوزارة وسر الثروة التي خرج بها من الوزارة... والوزير يوضع يوميا أمام شاشات الإعلام ليناقش ويحاور ويشاهد منطقه ودفاعه عن نفسه أمام ملايين البشر يدخل القناة بثياب ويخرج عاريا حتى من ورقة التوت ويحاسب حتى على الهدايا التي يحصل عليها من هذه الدولة أو تلك، وتكتب فيه الكتب وتؤلف المؤلفات على فضائحه. وإذا خرج من الوزارة يكون كبقية الناس يجلس في المقهى وتراه أحيانا يتمشى في الأسواق ويدخل المصرف ليقترض مبلغا وقد تراه موظفا عاديا كما كان في شركة... وهكذا بخلاف واقعنا العربي فالوزراء تحولوا إلى أنصاف آلهة فحتى نعجة الوزير عصية على النقد فمن ينتقد نعجة الوزير ينتقد الوزير ذاته وفي اليوم الثاني يخرج كتاب الساحات الخالية ليبدأوا بالفزعة والنطحة وما إلى ذلك.
إذا هذا هو واقع دول عريقة وحتى دول عربية فلا داعي إلى تضخيم الأمور ويجب أن تخلق ثقافة شعبية أن الوزير ما هو إلا موظف يمارس خدمة مثل بقية الناس وهذا ما يجب تكريسه في عالمنا العربي الذي أصبح بأكمله يعاني من هذه الثقافة التأليهية الأبوية البطريركية للوزراء تماما كما كان يقول دريد لحام في احدى طلعاته الجميلة وهو يصور صورة مواطن فقير ماتت طفلته في يده وهو ينتظر في العيادة والطبيب مستغرق في معالجة موظف كبير يشكو من عجزٍ تناسلي.
تلك هي القناعة حتى العبد الزاهد إذا ترك في منصب وبلا رقابة وبلا صحافة مخيفة قد يركن إلى نزعته البشرية فيمد يده فالمال السايب يعلم على السرقة ومن يسرق نملة غدا يسرق جملا.
لا أحد يريد أن يقترب لا من الوزير ولا من نعجة أي وزير ما يريده الناس خبزا وعملا وكرامة عيش. ولا أحد فوق النقد والقانون يجب أن يسود على الجميع... إن المعارك التي تختلق تجاه أي وطني حر تقويه لا تضعفه فمعركة عادل حمودة انتصر فيها ومعركة توجان الفيصل خرجت هي المنتصرة لأن الناس وفي ظل التكنولوجيا وثورة المعلومات ما عاد شيء يحجب الرؤية.
لماذا الخسران؟ لأننا نعالج قضايانا بمنطق الطبلة والربابة... وكما قال نزار: «بالعنتريات التي ما قتلت ذبابة» تهانينا
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 286 - الأربعاء 18 يونيو 2003م الموافق 17 ربيع الثاني 1424هـ