العدد 286 - الأربعاء 18 يونيو 2003م الموافق 17 ربيع الثاني 1424هـ

الحرب المقبلة في العراق!

مقاومة الاحتلال تحتاج إلى شروط لا تتوافر حتى الآن

إلياس حنا comments [at] alwasatnews.com

كاتب لبناني، عميد ركن متقاعد

عندما قاد جورج بوش حربه على العراق وانتصر، راح المحللون يتساءلون عن المرحلة المقبلة لما بعد العراق. منهم من قال، إن الرئيس بوش سينهي مشروعه، وذلك عبر ضرب دول «محور الشر»، واحدة تلو الاخرى، ومنهم من قال إن سورية ستكون الهدف المقبل. لكنه يمكننا الآن ان نقول وبكل جرأة إن الحرب المقبلة، ستكون حتما في العراق، خصوصا بعدما يحصل من عمليات مقاومة ضد القوات الأميركية.

ماهي أوجه الشبه، بين العراق وفلسطين المحتلّة؟

- في فلسطين، يستعمل ارييل شارون المروحيات والطائرات الحربية، ضد المدنيين. في العراق، يستعمل الأميركيون الاسلوب نفسه. مروحيات تضرب ويسقط بعضها، وطائرات حربية نفاثة تقصف ايضا. في فلسطين، هناك من يريد التسوية، كذلك الأمر، هناك من يرفض التسوية من اساسها. لذلك تستعمل حماس الاستراتيجيّة الوحيدة المتوافرة. في العراق، هناك من هو مع الأميركيين، كالمعارضة وبعض الاكراد وبعض الافرقاء من المتضررين من النظام السابق. وهناك ايضا، من يرفض وجودهم من اساسه، وهو يلجأ مثل حماس لقتالهم. في فلسطين، تحتل «إسرائيل» الارض. في العراق، تحتل أميركا، حليفة «اسرائيل» الأرض وتستولي على الثروات. في فلسطين، لا حكومة واحدة، ولا سلطة واحدة موحّدة لمواجهة شارون. في العراق، لا توجد أيّة مرجعيّة رسميّة، سوى المندوب السامي الأميركي بول بريمر. في فلسطين، لا قوى عسكريّة وأمنيّة متوافرة، إما لقتال الجيش الاسرائيلي، أو لحفظ الامن وتنفيذ تعهّدات محمود عباس (أبومازن). في العراق، حُلّ الجيش وسُرّح، والنهب لا يزال قائما.

ماذا يجري في العراق؟

- تتعرّض القوات الأميركية المنتشرة في العراق منذ فترة، لعمليات مقاومة، وكمائن أدّت حتى الآن، إلى مقتل حوالي 40 جنديّا. تتّهم الولايات المتحدّة عناصر «حزب البعث» المتبقية من النظام البائد، وتلقي عليها مسئولية هذه العمليات العسكريّة.

هل يمكن لأميركا ان تقبل باستمرار هذه العمليات على قواتها؟

- تدخّلت أميركا في العالم عسكريا، أكثر من 430 مرّة. لكنها اعلنت الحرب رسميّا، فقط خمس مرات. لا حدود لسلطة الرئيس في أميركا. الوزراء معينون، ينفذون فقط رغبة الرئيس. تحبّ أميركا الحروب الشاملة، ففي مثل هذه الحروب، يمكن لأميركا ان تعرض عضلاتها كما تحب، وبالطريقة التي تريدها. من هنا قول كيسنجر: «لم تربح أميركا حروبها بسبب استراتيجية متقدمة ومميزة، بل كان السبب يعود للوجستيّة لا حدود لها». بعد انتشار النووي، تبدّلت طبيعة الصراعات، من الحروب الشاملة، إلى الحروب المحدودة، والحروب المنخفضة الحدِّة Low Intensity Conflict. شكّلت فيتنام الصدمة الأكبر للولايات المتحدة.

يقول الكاتب الأميركي جيل ميروم في كتابه «لماذا تخسر الديمقراطيات الحروب الصغيرة»، إن الحروب الصغيرة تشكّل معضلة للديمقراطيات. فهي عاجزة عن ربحها، لان الثمن عادة يكون اكثر من الارباح. كانت الحرب الجزائرية، الحرب الفيتنامية، وأخيرا وليس آخرا، حرب التحرير لجنوب لبنان. خسرت الديمقراطيات الثلاث هذه الحروب. لكن، لا يمكن لأميركا ان تقبل، بأن تتكرّر معها تجربة فيتنام.

هل فيتنام مثل العراق؟

- في هذا الإطار، يقول الزعيم ماو تسي تونغ، ان لكل حرب ظروفها الخاصة. وانطلاقا من هذه الفرضية، يجب علينا ان نعي الطبيعة الخاصة لكل صراع او حرب. فما حصل مع الاتحاد السوفياتي، قد لا يكون صالحا للصين. وما فعله الفيتناميون مع الأميركيين، قد لا يكون صالحا للعراقيين الآن، ضد الأميركيين.

ما هي الفوارق بين العراق وفيتنام؟

- عندما كانت أميركا في فيتنام، كان النظام العالمي ثنائيا، وحرّية الحركة لأميركا محدودة. لكن أميركا الآن في العراق، وهي تتفرّد بمصير النظام العالمي. تجاور فيتنام كل من روسيا والصين، وهما عملاقان بكل ما للكلمة من معنى. وهما كانتا مستعدتين للقتال ضد العم سام. لكن القوات الأميركيّة في العراق حاليا، تجاور ثلاثة بلدان، من الاوزان الصغيرة، كلّها تعاني من مشكلات جمّة، وعلى رأسها عدم توافر راعٍ عالمي لها كما كان الوضع أيام الاتحاد السوفياتي. في فيتنام، كانت المقاومة تتمتع بملاذ لها في البلدان المجاورة. وكانت هذه البلدان المجاورة تساعدها علنا ومن دون خوف او وجل. في العراق، لا ملاذ للمقاومة، إذ لا يمكن لسورية، تركيا او إيران تأمين الملاذ للمقاومة العراقية، وذلك لان ثمن هذا السلوك كبير جدا، ولا احد يجرؤ حتى الآن على تبنّيه. في فيتنام، كانت المقاومة منظمة، لها كوادر في كل المستويات. في العراق، لاتزال المقاومة عشوائيّة، ومن دون تنظيم معين للقيادة والسيطرة.

في فيتنام، كانت للمقاومة استراتيجية محددة تقوم على:

- منع العدو من الاستعلام الدقيق عن المقاومة، وفي الوقت نفسه خلق جهاز استعلامي متقدم لهذه المقاومة.

- استغلال عمليات القوات المحتلة، لكسب تأييد الشعب.

- العمل على كسب معركة الرأي العام الأميركي المناهض للحرب.

لا يتوافر في العراق أي من هذه الأمور إطلاقا.

في فيتنام كانت الاستراتيجية الكبرى تقوم على الآتي:

- في المرحلة الأولى، القيام بعمليات عسكرية ضد العدو المحتل من قبل قوى محدودة جدا. التأثير في هذه المرحلة يكون سيكولوجيا وسياسيا، الهدف منه زرع الشقاق بين العدو والشعب.

- في المرحلة الثانية، العمل على زيادة وتيرة العمليات ضد العدو، من خلال حركية عالية جدا، وخصوصا في المناطق التي لا يمكن له استعمال كل قوّته. في هذ المرحلة، يعمد العدو إلى زيادة وتيرة هجماته ضد المقاومة، من دون تحقيق اي نصر استراتيجي. يستهلك العدو في هذه المرحلة كل امكاناته، وتتسع الهوة بينه وبين الشعب.

- في المرحلة الثالثة، تقوم المقاومة بالاشتباك مع العدو بواسطة قوات كبيرة، وذلك لانها تكون وصلت في هذه المرحلة إلى مستوى موازٍ للقوات المحتلة.

إن ما يجري حاليا في العراق، إنما يصب في خانة المرحلة الأولى، وهو بحاجة إلى وقت طويل كي ينتقل إلى المراحل الباقية. تعمد أميركا حاليا إلى ضرب المقاومة في مهدها، وهذا فعلا ما شهدناه حديثا من قتل اكثر من 100 عراقي.

ما هي شروط نجاح المقاومة العراقيّة؟

- أن تتكوّن للمقاومة بنى تحتيّة، في المستويات الثلاثة: القيادة والسيطرة، التجنيد والتدريب ومن ثم اللوجستية.

ان يكون لهذه المقاومة راعٍ دولي او اقليمي. وبالتالي، يجب ان يتوافر لها الملاذ لتأوي إليه للراحة، ولإعادة التنظيم تحضيرا لعمليات لاحقة.

وأخيرا وليس آخرا، يجب ان يتوحّد الشعب العراقي تحت شعارات، قد تكون وطنية، أو سياسية ايديولوجية أو تحت مظلّة دينيّة.

لا يتوافر للمقاومة العراقيّة حاليا (وهي ليست مقاومة حتى الآن)، أي من الشروط الواردة أعلاه. فهي، وكما يقال عنها، انها ليست حتى مُحترفة وذلك انطلاقا من تقييم أدائها على الأرض. وقد يعني هذا الأمر، ان معظم العمليات تنفّذ من قبل متطوعين في ظلّ غياب قيادة موحدة. وهي، أي المقاومة، لا تتمتع بأي ملاذ في الدول المجاورة، التي هي بدورها (أي الدول) تبدو مستهدفة من قبل أميركا. حتى ان طبيعة الأرض العراقيّة، لا تسمح للمقاومة العراقيّة بالتخفي والاختباء. هذا عدا الامكانات الهائلة، والتي تتمتع بها أميركا، وتمكنها من الاستعلام الدقيق عن كل التحركات على الأرض العراقية، وحتى على الدول المجاورة. لكن النقطة الاضعف لدى المقاومة العراقية تكمن في محدوديتها، الجغرافيّة كما الاثنيّة والمذهبيّة. فهي تتركّز فقط في منطقة تبعد حوالي 150 كلم عن بغداد (شمالي - غرب بغداد). وهي تُخاض من قبل مجموعة تنتمي إلى عشائر معينة. ويبدو كل من الجنوب والشمال وكأنهما ليسا معنيّن بما يجري من عمليات.

في مطلع شهر يونيو/حزيران 2003، يُقال ان اجتماعا عقد بين الزعامات الكرديّة في شمال العراق، الهدف من هذا الاجتماع كان دراسة الوضع وتقييمة بعد الانتهاء من الحرب على العراق، وذلك بهدف رسم صورة الاستراتيجية الكرديّة المستقبليّة. تركّزت القرارت والاستنتاجات على الأمور الآتية:

- إن الوجود الأميركي في العراق، قد يكون سببا لمزيد من الفوضى في المنطقة.

- هذه الفوضى قد تتناول كلا من: إيران، سورية وتركيا. هذا عدا عما يحصل في فلسطين.

- إن أي تعاون كردي مع أميركا لضرب المقاومة العراقية، قد يساعد الاكراد على تثبيت سيطرتهم على الاراضي التي يسيطرون عليها، حتى قد يستطيعون ضم المزيد منها، وخصوصا النفطيّة.

- يبقى الخوف الكردي متمثلا بأي تدخّل تركي في الشمال. من هنا، لابد من تخزين السلاح الذي تم الاستيلاء عليه من قوات صدام حسين. كذلك الامر، يجب ابقاء البشمركة على سلاحها جاهزة للتدخل ضد اي غزو تركي للشمال.

في الختام، قد يبدو ان الحرب على العراق ستكون سببا لمزيد من الفوضى في المنطقة. وقد تؤدّي هذه الفوضى إلى إعادة رسم الخطوط والخرائط، لنشهد اتفاقية سايكس -بيكو ثانية، لكنها أميركيّة اسرائيليّة هذه المرّة. لكن التاريخ علّمنا، ان التغييرات الكبيرة لا تحصل عادة من دون ان تترافق مع عنف مرتفع الحدِّة. فهل سنشهد هذا الامر؟ ممكن، فلننتظر

العدد 286 - الأربعاء 18 يونيو 2003م الموافق 17 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً