العدد 286 - الأربعاء 18 يونيو 2003م الموافق 17 ربيع الثاني 1424هـ

ديمقراطيّة بلا دليل

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

لم ينقصني الحماس في السابق للدّفاع عن فكرة الديمقراطيّة، وأهميتها لتقدم الشعوب، كما لا تنقصني الشجاعة في أن انتقد الممارسة الديمقراطية في الكويت، ان كانت ترقى إلى التسمية الحقيقية لها، يتجمع الناس حول خيام المرشحين هذه الأيام الحارة في الكويت ويثار ضجيج صاخب عمّا أنجز وما لم ينجز في المجلس السابق ومعظم النقد سلبي، وهذا اعتراف لا يرقي إليه شك في تواضع الإنجاز وانحساره.

ينقسم المرشحون في الساحة الانتخابية اليوم إلى قسمين كبيرين، الأول: هم أولئك الذين خبروا العمل النيابي لفترة تطول أو تقصر، و الثاني: أولئك الذين يبحثون عن حظهم إما بعد فشل سابق، أو بدخول سباق جديد لم يخبروه من قبل.

وإذا كان المراقب يتفهّم غضب الجدد من القادمين وثورتهم على أوضاع الأمة في ما يحدثون به ناخبيهم من وعود، فان الحيرة تنتاب المتابع مما يريد القدماء أن يحققوه وهم يقدّمون النقد الشامل للتجربة التي كانوا هم جزءا منها، ومن بكائهم على الوقت الذي ضاع، ويتساءل الناخب العادي، كيف يتم ذلك و كثير منهم أتيحت له الفرصة لإصلاح ما ينتقد، فأين هو من تلك الفرصة؟

وبين لوم السابحين الجدد، وشكوى الغواصين القدماء، تقف الممارسة الديمقراطية في الكويت في قفص الاتهام، فهي لم تحقق لعامة المجتمع ما اعتقد المجتمع أنها قادرة عليه، وربما تكون عاجزة عن أن تحققه، وإذا كان لوم الآخر سهلا وميسورا فان علينا أن نتعرف على المعوقات الهيكلية في الممارسة الديمقراطية الكويتية وهي تحاول أن تنحى منحى جديدا.

لعل أفضل تلخيص للمعوقات الهيكلية في هذا الذي نمارس في الكويت ما قاله النائب ونائب رئيس مجلس الأمة السيد مشارى العنجري، وهو رجل مقلٌّ في الحديث، ولكنه يعرف ما يقول، فقد صرح قبل أسبوعين بأن «الديمقراطية الكويتية هي رهينة، رهينة النائب للناخب ورهينة الوزير للنائب» ولعل هذا الوصف هو أفضل توصيف جاء على لسان شخص ذي خبرة طويلة في جانبي المجلس، الوزارة والمجلس المنتخب.

إذا كان هذا التوصيف صحيحا، وهو كذلك، فأين هي الأسباب التي قادت إليه؟

أعتقد أن أهم الأسباب لاتخرج عن أربعة. هي:

أولا : صغر حجم الناخبين في الكويت، فأفضل الأرقام تقول لنا، إن الناخبين في الكويت لايتعدون خمسة عشر في المئة من الجسم الديمغرافي الكويتي، وإذا استثنينا المرأة (نصف المجتمع) و الشباب الذين تقلُ أعمارهم عن واحد وعشرين سنة، ورجال الجيش والشرطة فإن الباقي هم فقط تلك النسبة الضئيلة في المجتمع، وهي بذلك (ديمقراطية أقلية) بأي معنى ينظر اليها.

ثانيا: صغر الدوائر الانتخابية، وهي قضية تعب بعضنا من ترديدها، تخرج إلى العلن في أثناء الحملة الانتخابية، ثم تختفي بعد أن يجلس السادة الأعضاء الجدد على مقاعدهم، وفي صغر حجم الدوائر الانتخابية عسفٌ في تطبيق الديمقراطية، فهي من جهة تبقي العلاقة بين المرشح و الناخب في حدود علاقة الوجه للوجه، يتوخى منها الناخب (خدمات مباشرة) وليس خدمات وطنية عامة، إن نجاح الديمقراطية في بلد مثل الهند على تعدّدها الاجتماعي الفسيفسائي، يكمن في كبر الدائرة الانتخابية، بحيث يُلجأ المرشح إلى طرح قضايا عامة تخدم المجموع، لا شريحة محدودة وصغيرة من المجتمع، قلت ذلك على سبيل المثال، وفي صغر الدوائر الانتخابية في الكويت يكمن الكثير من العلل التي نشكو منها، وهي علل مستعصية على الحلّ إذا استمرّ الأمر كما هو عليه، وسيضطر المرشح إلى الانحناء إلى مطالب محلية وربما شخصية وقبلية وفئوية ضيقة، ضاربا بعرض الحائط في الغالب، المصالح المرسلة والعامة للجمهور الواسع.

ثالثا: ستظل العملية الديمقراطية في الكويت عرجاء في ظل غياب اعتراف واضح بالأحزاب السياسية التي تبعد عن التجمعات تأثير القرابة الدموية أو المذهبية، و الأحزاب في الكويت الآن (مكروه) كما يقول أهل الذكر، فهي ليست محرمة من جهة و ليست مسموحا بها من جهة أخرى، وان كنا قد تعلمنا شيئا من خلال تجربة طويلة فاقت اليوم في الزمن نيفا و أربعين عاما، فإنها تقول لنا :«إن التعامل مع البرامج السياسية أسهل وطأ على الدولة ووضوحا للمجتمع، من التعامل مع خمسين نائبا، كل واحد منهم له أجندته الخاصة به المحصورة في ديمقراطية القربى».

ان الناخب الذي يرى كل هذا العجز، يصبح من أول المطالبين بالخدمة الشخصية في غياب تطبيق القانون، لذلك فان المرشح أو النائب، يصبحان رهينة إرسال البرقيات في التعازي، وزيارة المرضى، وتقديم الخدمات الصغيرة، ونقل الأبناء في المدارس إلى غير هذه الخدمات التي يدخل بعضها في صميم كسر القانون الذي شرعه! بدلا من الالتفات إلى قضايا الوطن وهي قضايا ملحة في عالم شديد التغيّر.

رابعا: لقد فشل معظم الأعضاء في المجالس المختلفة على توحيد أجندتهم، وهم اليوم ينتقدون الآخرين، وهم أولى بنقد ذاتي، فلم يوحدوا جهودهم في أجندة سياسية تتعامل على الأقل مع الحدّ الادني المطلوب للكويت، فهل تعليم جيد في الكويت اليوم لا يخدم ( الإسلامي) و( الليبرالي) و( الطائفي) و(القبلي)، انه بالطبع يخدم الجميع بغير شك، وهل خدمة ورعاية صحية جيدة ومتكاملة لا تخدم هذه التجمعات، وهل إزالة الفساد والمحسوبية، وتطبيق القانون على جميع المواطنين إلى آخر المطالب العامة للإصلاح لا تخدم هذه المجموعات وبالتالي المواطن؟ فأين هي (الأجندة المشتركة) في مثل هذه الموضوعات، تقريبا لا توجد بين فئات متناحرة تعطل بعضها بعضا في سبيل لا شيء.

جوهر العملية الديمقراطية هو عدم احتكار الحقيقة، والحقيقة هي أن الممارسة الديمقراطية في الكويت ناقصة وتزداد نقصا كلما تقدم الآخرون في الممارسة، ولا يجوز أن تستمر الكويت بعد كل هذه النوازل و التغييرات الإقليمية و الدولية، أسيرة دائرة مقلقة تنمو على جوانبها المصالح الذاتية وتغلفها الممارسات التي يشكو منها الجميع، وتمارسها الغالبية، و لا يريد أحد أن يضع أجندة وطنية لحل بعض معضلاتها المتفاقمة.

الديمقراطية (بلا دليل) ديمقراطية هشّة مساوئها أكثر بكثير من حسناتها، هذا النوع من الممارسة يحبط كثيرين عن ارتياد الإصلاح، ويشجعِ آخرين على اختراق القوانين، ويؤدي إلى عدم يقين بهذا الذي يسمِّيه بعضنا (ديمقراطية)

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 286 - الأربعاء 18 يونيو 2003م الموافق 17 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً