في الندوة التي نظمها مركز البحرين للدراسات والبحوث يوم أمس الأول (17 يونيو/ حزيران)، وتحدث فيها المستشار الاستراتيجي محمد نعمان جلال وعقب عليها الحضور بكثير من الأفكار، والجميع كان يتحدث عن السبيل الأفضل لتحقيق «الأمن الوطني في عالم متغير».
حيرة في عقول الحاضرين بشأن تحديد الأخطار الخارجية والأخطار الداخلية... فهل الخطر هي إيران أو العراق (سابقا) كما يحاول البعض طرحه؟ أو هل الخطر هو «إسرائيل» كما يطرح بصورة رسمية على الأقل؟ هل الخطر من الدول التي لديها مئات الألوف وربما الملايين من مواطنيها الذين يعملون في الخليج كوافدين؟ ماذا لو قررت دولة مثل الهند أن تتحرك سياسيا في الخليج مطالبة بحقوق أكثر لمواطنيها؟ هل الخطر الداخلي من «التطرف الإسلامي» أم من «التجنيس العشوائي» أم من التحزبات الإثنية أو الطائفية؟ هل هناك نظام أمني قومي عربي؟ وما الداعي إلى الحديث عنه بعد انتهائه بصورة فعلية؟ وهل هناك شيء اسمه «وطن عربي» أو «وطن تركي» أو «وطن إيراني» في ظل النظام الجديد الذي تدشنه أميركا، وتطلق عليه اسم MENA هو اختصار للشرق الأوسط وشمال افريقيا؟
ومنطقة «مينا» الجديدة تحتوي على كل البلدان من المغرب حتى آسيا الوسطى، وهذه الدول كلها اسمها «مينا» ولها نظام استقرار واحد تطبقه أميركا وتعتبر «إسرائيل» جزءا أساسيا من «مينا»... فهل نحن من الوطن العربي أم من «مينا»؟
هل ينفصل أمن البحرين عن أمن جيرانها؟ وهل تعتمد أسس حسن الجوار لوحدها أم تصل ذلك باتفاقات تعاون اقتصادية تكاملية تربط بتنمية البلدان المتجاورة والمترابطة؟ هل السلام مع «إسرائيل» هو الحل الوحيد لأمن الوطن العربي ـ عفوا ـ لأمن «مينا»؟ وإذا كان كذلك فما النهج السلمي الذي نسعى إليه مع الدول الأساس في «مينا» أي «إسرائيل»؟
أين دور الدول المهمة أثناء الحديث عن الأمن في منطقتنا؟ فلم يعد للدول الكبيرة دور المشارك الرئيسي كما كان سابقا، وحتى الدولة العربية الكبرى مصر ليس لها دور حتى لو كان استشاريا فيما يدور حولها.
هل البطالة هي الخطر على أمننا الداخلي؟ وهل العامل الاقتصادي هو العامل الحاسم في مستقبلنا؟
وفيما لو اتفقنا على وجهة نظر بشأن هذه الأمور المتعددة والمتناقضة أيضا، فأي الجهات مسئولة عن تحقيق الأمن الداخلي وتحقيق الوحدة الوطنية؟ هل تعتمد على الأسلوب الفوقي لتحقيق الوحدة الوطنية المعتمد أساسا على سلطة الدولة التي تأمر والمجتمع ينفذ؟ أم تتبع الأسلوب المقلوب، بمعنى ان تتحقق الوحدة من خلال ثقافة مجتمعية طوعية تتصاعد إلى الأعلى وتفرض نفسها على السلطة المركزية؟
الأمن الوطني له تصورات كثيرة، وهناك بدائل ربما جاهزة القوالب، ولكن التاريخ الحديث الذي ربما عايشناه والتاريخ القديم الذي قرأناه يقول لنا إن الأمن الوطني هو المعتمد أساسا على قدرتنا على التعامل مع بعضنا الآخر... كيف نتعامل مع «الآخر» هو المدخل إلى الأمن بعيد المدى، و«الآخر» هو كل طرف آخر الذي قد يكون بالنسبة إلى رجل ما هو المرأة، وهو الشخص الذي يختلف دينيا أو فكريا أو إثنيا، أو يختلف في اللون أو العمر أو نمط الحياة أو مستوى المعيشة... كيف نتعامل مع «الآخر» وكيف نحقق الاطمئنان مع الآخر؟ على أن الاطمئنان مع «الآخر» يبدأ من الاطمئنان الذاتي؛ فالذي يطمئن قلبيا يطمئن خارجيا، ولا يطمئن المرء داخليا إلا إذا عرف نفسه وبدأ بتغيير ذاته، وبما أن الله «لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» (الرعد: 11) فإننا مطالبون بمصارحة أنفسنا لطمأنتها، والإنسان الذي يذكر ربه يطمئن قلبه «ألا بذكر الله تطمئن القلوب» (الرعد: 28).
ربما إنها مفاهيم «صوفية» ليس لها مكان في عالم «التكنولوجيا» الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة إذ تستطيع بواسطة تكنولوجياتها المتفوقة على الآخرين تحقيق ما تشاء... ولكن الولايات المتحدة بكل قدراتها عجزت عن حماية أمنها، وتم تصدير الإرهاب إلى عمق أراضيها بعد أن كانت في مأمن منه... ولذلك فإن الأمن الحقيقي يعود إلى أصوله «الصوفية» التي تبدأ من اطمئنان قلوبنا وحسن تعاملنا مع «الآخر»، وبعد ذلك نبدأ مسيرة تحقق لنا «أمننا» الوطني
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 286 - الأربعاء 18 يونيو 2003م الموافق 17 ربيع الثاني 1424هـ