لم تكن الصورة تكاملت لدي شخصيا، وربما الحالة ذاتها مع الكثير من أهل البلد، حينما تساءلت بيني وبين نفسي: «لماذا يتضاعف نشاط مثيري الفتنة في بلادنا كلما مر بنا ظرف؟ هل انعكست الصورة التي كنا نخزنها في ذاكرتنا منقولة عن الآباء والأجداد الذين كانوا يتصدون بقلب واحد وصف واحد للفتنة حال بروز رأسها؟ أم أن الموروث ذاته كان مكذوبا ومزيفا؟ وإذا كان المنقول سليما صادقا، وهذا هو المؤكد قطعا، هل كان الآباء والأجداد أكثر وعيا وعلما وإدراكا وأخلاقا ووطنية وامتثالا لتعليمات الدين الإسلامي العظيمة، أكثر من أبناء اليوم؟».
لكن، ربما يتساءل طرف، ما الذي دفع بتلك التساؤلات لعقلك أصلا؟
وهو سؤال يستحق الإجابة، ولا بأس من القول أن ما نشهده، منذ انطلاق المشروع الإصلاحي لجلالة العاهل، من ممارسات فتنوية وطائفية وكيدية، لا يتوافق أبدا مع منطلقات المشروع الإصلاحي الذي تأسس على هدف واحد: مصلحة البحرين وأهل البحرين، حاضرا ومستقبلا... وتحت هذا الهدف، تندرج العشرات من الأهداف الفرعية التي -إن لم أكن مخطئا أو حالما- ليس من ضمنها تفتيت المجتمع وتحقيق غلبة فريق أو طائفة أو عيّنة، على فريق أو طائفة أو عينة أخرى من المواطنين!
وحتى أكمل موضوع الدعوات الفتنوية لتدمير طائفة بعينها الذي طرحته في هذه الزاوية يوم الخميس الماضي تحت عنوان :»الويل لنا»، أسوق استدراكا مهما، وهو أن خلاف طائفة مع الدولة، وفقا لمطالب كفلها الدستور، ومنحها المشروع الإصلاحي فرصة الانطلاق بمساحة أرحب، والمناداة بتلك المطالب، ما هو إلا حراك ديمقراطي طبيعي، مع إعادة التأكيد على رفض الأساليب العنيفة واستخدام الوسائل التخريبية والتأليب ضد الدولة ودعوات (الموت) والويل والشتائم والتحريض ضد أبناء الشعب... أقول إن ذلك الخلاف، يأخذ صفة الاستيعاب في حدود الدولة ومؤسساتها التشريعية والمدنية من خلال فتح قنوات الحوار، وإلا ستبقى أصوات الفتنة الدافعة في اتجاه نسف الولاء وربطه بإيران والمطامع الصفوية التاريخية من جهة، والأنشطة اللاسلمية المهددة للاستقرار والأمن الاجتماعي ماضية في مسارها الخاطئ، تغذيها تصريحات ومقالات وخطب ومنشورات ومواقف يعتقد أصحابها، كل أصحابها، أنهم على الحق ومن هم دونهم على باطل وضلال.
إلا أنني، حصرت نفسي في تلك التساؤلات السابقة الذكر، تماما كما حصر غيري بها، مع أنها مغلوطة كاذبة، ولا تثبت ولاء الموالين، ولا خيانة المعارضين، لأنها هي الأخرى محصورة في أشخاص بعينهم، وخطباء بعينهم، وناشطين بعينهم، وصحف بعينها، وكتّاب مقالات محدودين، ومنتديات إلكترونية مشهود لها بالنوايا السيئة مسبقا... لكن مع شديد الأسف، تصبح تلك الأطراف وكأنها الطرف الأوحد، لأنه لا توجد في الطرف الآخر، مبادرات من شخصيات وقيادات تحمل مشروعا وطنيا حقيقيا للخروج من الأزمة والأزمات المتتالية التي تمر بها بلادنا، ولا توجد، مع شديد الأسف أيضا، مبادرات من الدولة لتشجيع هذا المسار باعتباره المسار القادر على إخراجنا مما نحن فيه بالتحاور.
التحاور هنا يصبح معدوما لأن صناع الفتنة، أيا كان تصنيفهم وفقا للأطراف (بعينها) المذكورة أعلاه، عملت على ألا يكون (للحوار) مكان، ومع ذلك، هل يجب أن تعيش الدولة (عقدة) أولئك؟ فإنها إن رغبت في ذلك، فلن تنتهي تلك الملفات أبدا وربما تعقدت مستقبلا إلى درجة لا يرتضيها أحد، وإن رغبت -أي الدولة- في الحوار فإنها الطرف الأقوى والأجدر، على أن يكون لديها حسن ظن في أن أبناءها لا يوالون غيرها، ولا يرتضون بديلا لها في حكم أو في شرعية، ومن جهة أخرى، تبدي كل الأطراف، وعلى الأخص المعارضة والناشطين، أنهم يعملون لصالح البحرين فقط... دون هذا وذاك، فيا ليل... ما أطولك
إقرأ أيضا لـ "سعيد محمد"العدد 2312 - السبت 03 يناير 2009م الموافق 06 محرم 1430هـ