توحي دراسة يتوقع ان توفر مؤشرات إلى الأمراض الغامضة التي تصيب الجنود الذين شاركوا في حرب الخليج بأن مستويات متدنية من غاز الاعصاب سارين تؤثر على سلوك وظائف أعضاء حيوانات مختبرية بعد شهر على الأقل من تعريضها للغاز.
وفي دراسات اخرى اجريت باشراف الجيش الاميركي لاحظ العلماء وجود مشكلات سلوكية وتغييرات في الدماغ وتعطل جهاز المناعة عند حيوانات الاختبار بعد أيام كثيرة من تعريضها للغاز بجرعات لم تسبب تأثيرات فورية كالتشنجات العضلية وتقلص بؤبؤ العين.
وقالت اختصاصية الاعصاب السلوكية المشاركة مليندا روبرسون في دراسة لا تزال قيد الاجراء: ان الدراسات السابقة تناولت قوارض، «وهذه قفزة كبيرة نحو الكائنات البشرية».
وعلى رغم ذلك، تقدم الدراسات معلومات جديدة في مجال جعل نقص الابحاث فيه من المستحيل استنتاج ما اذا كانت امراض المحاربين لها علاقة بالتعرض لمستويات متدنية من غاز سارين. وقال المستشار الطبي لوزارة الدفاع الأميركية فرنسيس اودفيل الذي يتتبع الابحاث المتعلقة بمرض حرب الخليج: «انهم وسعوا آفاق الآثار البيولوجية لمستويات السارين المتدنية».
ومعروف ان جنودا شاركوا في حرب 1991 في الخليج اصيبوا بأمراض مختلفة يعتقدون انها ذات صلة بخدمتهم في الخليج. وتتضمن الأعراض الاجهاد المزمن والاسهال وفقدان السيطرة على العضلات واختلال التوازن.
وعزا علماء كثيرون الاسباب إلى الضغوط النفسية. وبعض المحاربين نسبوا مشكلاتهم الصحية لمواد سامة تعرضوا لها في الخليج ومنها غاز سارين الذي يعتبر سلاحا كيماويا ساما يصبح فتاكا بجرعات عالية. ويعتقد آخرون ان المسببات قد تكون خليطا من مختلف العوامل.
وقد سجلت وزارة الدفاع اسماء 130 ألف جندي يعتقد انهم تعرضوا لمستويات متدنية من غاز سارين في العام 1991 عندما دمرت القوات الاميركية مخزنا للأسلحة في الخميسية في جنوب العراق، فيما يعتقد ان التعرض للغاز حدث في حالات اخرى.
وتقول الوزارة على موقعها على الانترنت للجنود: ان «الادلة الطبية الراهنة تشير إلى انه من غير المحتمل حدوث مشكلات صحية في المدى البعيد». وقد سجلت خبير الوبائيات في المركز الطبي في جامعة تكساس في دالاس روبرت هالي حوالي 24 دراسة توحي بان بعض الأمراض التي اصيب بها الجنود لها علاقة بتلف دماغي ناجم عن التعرض للسموم، كغاز سارين.
وانتقدت وزارة الدفاع تلك الدراسات لان الجنود الذين طاولتهم دراسات هالي لم يكونوا في مهب الرياح في الخميسية عندما تم تدمير المخزن. وقال هالي ان الابحاث الجديدة توفر «معقولية بيولوجية» لمقولته بوجود صلة بالتعرض لغاز سارين.
في الدراسة التي اجريت على القوارض في معهد ابحاث الجيش للدفاع ضد الأسلحة الكيماوية في حقل ابردين في مارليلند تم حقن الحيوانات بغاز الاعصاب خمسة أيام في الأسبوع ولمدة أسبوعين. وبلغ حجم بعض الحقنات 20 في المئة من الجرعة اللازمة لقتل نصف الحيوانات فيما حقنت حيوانات اخرى بأرعبين في المئة من الجرعة.
عالم النفس الفيزيولوجي الباحث جيم ماكدونوه، قال: «ان هذه الجرعات أعلى بكثير من المستويات التي يقول البنتاغون ان الجنود تعرضوا لها عندما تم تدمير مخزن الخميسية». ويشك بعض الجنود في دقة تقديرات وزارة الدفاع عن التعرض ويصرون على ان النسب كانت أعلى بكثير. ويقول باحثون آخرون انه لا توجد طريقة لحساب مستويات التعرض بدقة.
ومع انه لم يتم تحقن اي جنود بغاز سارين قال ماكدونوه «ان التأثيرات البيوكيميائية على الدماغ هي نفسها بكلتا طريقتي التعرض». وقد شبه التعرض بتأثير النيكوتين على الدماغ سواء تم اكتسابه عن طريق التدخين أو المضغ أو بواسط اللصقات.
وقد تم فحص الحيوانات المعرضة بعد ساعتين، ثم بعد ثلاثة أيام وعشرة أيام وشهر و100 يوم. ولم تطرأ تغييرات على بعض المؤشرات البدنية التي رصدها العلماء كزيادة الوزن ودرجة الحرارة.
الا ان الباحثين قالوا انهم اكتشفوا زيادات كبيرة في بعض السلوكيات. فعلى سبيل المثال، امضت الحيوانات في فئة الأربعين في المئة من الجرعات بعد مائة يوم من التعرض وقتا اطول بكثير في وسط مقصورات نشاطها وقطعت مسافات اطول داخل المقصورات. كما ان خنازير الاختبار تلك ومن فئتي الجرعات دأبت على الوقوف تكرارا على قوائمها الخلفية.
وقالت روبرسون: «ان الباحثين لاحظوا تراجعا في نشاط انزيم استيلكوليستيراز الذي يلعب دورا رئيسيا في ضبط النبض الكهربائي في الدماغ، وان ذلك من شأنه ان يوثر على السلوك».
وفي اختبار منفصل عرض باحثون في معهد الافليس لابحاث الجهاز التنفسي في البوكركي في نيومكسيكو و المعروف بالدراسات التي يجريها على التبغ فئرانا لجرعات مخفضة من غاز سارين في إطار دراسة من ثلاثة اجزاء بدأت في العام 1998 وانتهت في العام 2001.
وقد تنشقت الفئران جرعات من غاز سارين لمدة ساعة يوميا على مدى خمسة أيام، ثم ساعة واحدة على مدى عشرة أيام. وكانت المستويات 10 في المئة و20 في المئة من التركزات اللازمة لقتل الانسان. وجرى فحص الفئران بعد يوم واحد وبعد شهر من التعرض.
واكتشف الباحثون ان التعرض، وخصوصا عندما يكون مصحوبا بضغوط الحرارة، سبب تراجعا وزيادة في عدد مواقع الاستقبال في المناطق الدماغية الحيوية المعرفة والذاكرة. و«هي اشياء قد يكون لها علاقة بمرض حرب الخليج»، بحسب كبير العلماء في مختبر لافليس روجين هندرسون.
ان مواقع الاستقبال هذه هي بمثابة محطات رسو للاشارات الدماغية. وفي بعض الحالات لا تظهر التغييرات قبل مضي شهر على التعرض، بحسب هندرسون.
واكتشف الباحثون ان التعرض يقمع جهاز المناعة ايضا. وقال الباحث موهان سوبوري، اختصاصي المناعة، ان ذلك يعني ان شيئا ما يحدث للجهاز العصبي الذاتي المسئول عن الوظائف الإدارية للجسم كالنوم وحركة الامعاء.
خدمة (أ.ب
العدد 285 - الثلثاء 17 يونيو 2003م الموافق 16 ربيع الثاني 1424هـ