11 سببا اعتبرتها مجلة «التايم» تقف وراء الأزمة الإقتصادية الراهنة. وجاء في طليعة تلك الأسباب التي وردت في تقرير المجلة الأميركية الذي نقل موقع الـ «سي إن إن» ملخصا له، المدير السابق للمصرف الاحتياطي الفيدرالي ألان غرينسبان، الذي شهدت فترة ولايتة «العديد من الأزمات، بينها انهيار أسواق المال العام 1987 وأزمة إدارة الأموال العام 1998 وفقاعة أسهم شركات التكنولوجيا والانترنت بين 2000 و2001».
من يراجع الأسباب الأحد عشر، يكتشف بسهولة أنها، بشكل أو بآخر تدين النموذج الرأسمالي المعمول به اليوم وقدرته على إدارة عجلة الإقنصاد العالمي، الذي ما يزال الإقتصاد الأميركي يشكل 25 في المئة من قيمته وآليات حركته. فمن فشل أدوات الرقابة والتشريع المالي في الولايات المتحدة في ممارسة دورها تجاه أنشطة «المؤسسات المالية وشركات الإقراض العقاري وصناديق التحوط»، وإطلاق يدها في مغامرات مالية، مرورا بالرئيس جورج بوش الذي فاقم الأزمة «بسياساته الضريبية وإنفاقه الكبير على الحروب، ما قلب الوفر في الموازنة الأميركية إلى عجز كبير»، انتهاء بترك مصرف «ليمان براذرز ينهار بطريقة مدمرة أرعبت الأسواق وفتحت الباب لخروج جماعي من البورصات».
المهم في تقرير «التايم» أنه يعود بجذور الأزمة إلى نهايات القرن الماضي، ومن ثم يضع حدا لكل التفسيرات المسطحة التي حاولت أن تؤرخ لها بأزمة العقار، التي انطلقت قبل ثلاثة أعوام وكادت أن تحصرها فيها.
هناك أسباب آخرى لم يوردها تقرير «التايم»، من بينها سبب جوهري هو سوء توزيع الثروات على الصعيدين، الأميركي المحلي، والعالمي، وهو أمر وضعه الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون في حديثه الذي خاطب به أكثر من 600 شخص من كبار الشخصيات والمسئولين في الكويت في الندوة العالمية السنوية التي عقدها بنك الكويت الوطني بمناسبة مرور 56 عاما على تأسيسه. فقد قال كلينتون بأن «90 في المئة من الأرباح التي تم جنيها في السنوات الأخيرة الماضية قد تم توزيعها على 1 في المئة من الأميركيين». موضحا هذه العلاقة بين الدخل وسوء توزيعه بالقول: «المشكلة تكمن في أن سنوات الرخاء التي شهدها الاقتصاد الأميركي لم تفلح في خلق الكم المطلوب من فرص العمل ولم تحقق الرفاهية للجميع». وما انطبق على الإقتصاد الأميركي انتقل إلى سائر إقتصادات العالم بسبب، وكما قالها كلينتون «الربط القوي بين الاقتصاد الأميركي وبين الاقتصادات العالمية».
سبب رئيسي آخر لم يتناوله التقرير، وهو المسئولية التي تقع على عاتق إدارات المؤسسات المالية والإستثمارية، بما فيها التشريعية من جراء تدني كفاءة مديريها، وهذ الأمر كان قد أشار إليه الباحث الإقتصادي العربي خليل أبوسليم حين أكد أن «معظم الحالات التي تمت دراستها للتحري عن أسباب الفشل أظهرت أن هناك اجماعا بين الدارسين بأن عدم كفاءة الإدارة هو السبب الرئيسي وراء الفشل وبالتالي الإفلاس. وفي دراسة لإحدى المؤسسات عن مسببات الفشل والأهمية النسبية لكل من هذه المسببات في فشل المؤسسات كان سبب عدم كفاءة الإدارة يحتل المرتبة الاولى وبنسبة 93,1 في المئة يليه الإهمال وبنسبة 2 في المئة يليه التزوير وبنسبة 1,5 في المئة يليه الكوارث وبنسبة 0,9 في المئة، أما الأسباب الأخرى مجتمعة فكانت تشكل 2,5 في المئة من أسباب فشل تلك الشركات».
بعد الانتهاء من الحديث عن أهم مسببات الأزمة، ننتقل إلى الحديث عن أخطر نتائجها والذي نعتقد أنها أدت، فيما أدت إليه إلى كسر حاجز الثقة بين البنوك المركزية والقطاع الخاص، أو بالأحرى بين النظام المالي والقطاع الخاص. وعلى المستوى الخليجي تبدو الصورة أكثر قتامة؛ إذ تجاوزت أزمة الثقة بين القطاع الخاص والبنوك المركزية، كي تصل إلى مستوى العلاقة بين القطاع الخاص والدولة، التي يعتبرها الأول، ولأسباب تاريخية، المسئولة عن حل المشكلات الاقتصادية؛ الأمر الذي أفقده القدرة والخبرة في آن، على فهم المؤشرات الإقتصادية، وقراءتها على نحو صحيح، والتعامل معها بطريقة علمية مضمونة العواقب. ولربما تقود هذه الأزمة إلى التأسيس لمعادلة جديدة بين الطرفين تقوم على حضور أكبر وأقوى للقطاع الخاص، يحل مكان دوره الهامشي القائم.
بقيت مسألة في غاية الأهمية وهي، أنه وبخلاف ما قد يتوهم البعض، سواء في الولايات المتحدة أو في عواصم الخليج المختلفة، فإن الخروج من الأزمة ليس بالسهولة التي يتوهمها هؤلاء، وآخرون غيرهم
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2312 - السبت 03 يناير 2009م الموافق 06 محرم 1430هـ