يخطط الرئيس الأميركي جورج بوش لأكثر من حرب في السنة الأخيرة من عهده طمعا بتجديد فترة رئاسية ثانية. حروب بوش كثيرة واذا جمعناها نجد انه الرئيس الأكثر حبا للحروب في تاريخ الولايات المتحدة المعاصر.
هناك أولا حربه الطويلة ضد تنظيم «القاعدة» التي بدأت بعد 11 سبتمبر/ أيلول 2001 بضرب أفغانستان واحتلالها، وحتى الآن لم تنته تلك الحرب الوهمية اذ لا يعرف أين تنتهي ومتى. فالقاعدة هي رافعة حروب بوش والمبتدأ والخبر. فإذا أردت ان تعرف ماذا يريد بوش اقرأ تصريحاته عن «القاعدة».
هناك ثانيا حربه المستمرة ضد فلول «نظام صدام» وهو يرى فيها مجرد استتباع لتلك الحرب على العراق واحتلال قواته بلاد الرافدين. فالحرب هذه ذريعة للهجوم المتواصل ضد مختلف فئات الشعب العراقي بقصد اذلال الناس وتطويع كل المذاهب والأطياف بقصد تطبيع علاقات الناس مع الاحتلال وقبوله كأمر واقع.
هناك ثالثا حربه المخترعة ضد حركة «حماس» في فلسطين وجوارها وهي محاولة جديدة لتوريط دول المنطقة في معارك دامية ضد مجموعات سياسية رفعت شعار العودة إلى الوطن كما تنص عليها قرارات مجلس الأمن والاتفاقات الدولية.
الحروب الثلاث المعلنة حتى الآن هي ضد منظمات أو تنظيمات سياسية وليست ضد دول معينة. وهذه الحروب غريبة على الدول الكبرى، فهي ليست دولة ضد دولة، بل دولة ضد منظمة، وهي لا تحصل على أرض دولة واحدة، بل تتذرع بها الولايات المتحدة لشن حروبها الخاصة على دول معينة بتهمة ايواء عناصر أو قادة من تلك الهيئات والاحزاب.
بوش وضع العالم أمام مفترق للطرق، أما أن تكون دوله مع الولايات المتحدة أو ضدها. والحياد ممنوع في لغة إدارة الرئيس بوش. الحياد يعرض الدولة للعقاب والانتقام أو المقاطعة والعزل. والنقاش ايضا غير مسموح به، فالتعريف الذي تعطيه واشنطن هو الصحيح ولا مجال عندها لقراءة مختلفة. فالارهاب الذي يمارسه رئيس الحكومة الإسرائيلي ارييل شارون مثلا ليس ارهابا انه دفاع عن النفس ضد «ارهابيين» كما ترى واشنطن. والدفاع عن النفس الذي تمارسه «حماس» مثلا هو «ارهاب» وعلى «دول العالم» كما قال وزير الخارجية الأميركي كولن باول مساعدة شارون على محاربته.
انها مفاهيم سياسية مقلوبة، والإدارة الأميركية في شكلها الحالي تميل إلى التبسيط. والتبسيط عادة هو أقرب إلى السذاجة السياسية لكنه مع «البيت الأبيض» في وضعه الراهن استراتيجية دائمة وعامة تشمل الكل ولا توفر حتى الدول الأوروبية المنضوية مع الولايات المتحدة تحت مظلة الحلف الأطلسي. فأوروبا ايضا معرضة للضغوط اذا لم تساير واشنطن في جنونها. والمشكلة الآن أن أوروبا وصلت إلى حد التعب في سياسة الممانعة ضد جموح «البيت الأبيض» وتطلعاته إلى مزيد من الحروب ضد دول جديدة بدأت وزارة الدفاع (البنتاغون) إدراجها على لائحة التصفية واحدة بعد أخرى.
أميركا كما يبدو تريد استثمار قوتها العسكرية وتوظيفها في سلسلة حروب جديدة لتحسين مواقع واشنطن في الاستراتيجية الهجومية التي تبنتها بعد «ضربة سبتمبر» وهي ايضا تريد تحويل قوتها العسكرية إلى مصدر قوة للسياسة. ومن قوة السياسة تحاول استخدام مصادر الدول من مال وثروات ومواقع جغرافية لتأسيس حروب جديدة ضد مناطق غنية ولا تخضع للسيطرة أو هيمنة الشركات المتعددة الجنسية. بوش مثلا يريد استثمار ضربة العراق واحتلاله لاستكمال مشروعه الأكبر وهو الانطلاق من العراق للضغط على دول الجوار وتهديدها وابتزازها أو استفزازها لتتورط في مواجهة غير محسوبة.
أميركا الآن وبعد احتلالها العراق، بدأت بنشر قواتها على الحدود الإيرانية والتركية والسورية المجاورة لبلاد الرافدين استعدادا لضغوط سياسية مقبلة تنطلق من قواعد عسكرية عراقية. فالرئيس بوش في صراع مع الوقت وهو يريد تنفيذ أكبر عدد من نقاط برنامجه قبل ان ينشغل في انتخابات الرئاسة بعد 17 شهرا. وبسبب ضغوط الوقت تتلاحق التصريحات والتحذيرات والتدخلات في شئون دول المنطقة تحت مظلات ملاحقة خلايا منظمات ارهابية متنوعة الألوان والأشكال ولكنها في النهاية تخدم المصلحة الأميركية واستراتيجية الهجوم على الدول التي تصنفها واشنطن في خانة «الشر».
وحروب بوش كثيرة وممتدة جغرافيا من كوريا الشمالية في الشرق إلى كوبا في الغرب ولكنها تتركز ميدانيا على دول واقعة في جغرافية «الشرق الأوسط».
إلى عامل الوقت هناك عامل الخوف. فبوش متخوف من انكشاف أوراق إدارته في الكونغرس وعشية انتخابات الرئاسة. فهناك لجان مراقبة في مجلسي النواب والشيوخ بدأت بفتح ملفات «حروب بوش» وافتقادها للشرعية الدولية وعدم تمتعها بحصانة دستورية. وفي حال توصلت تلك اللجان إلى تحديد اتهامات أو كشف تلاعب في المعلومات أو تزوير وثائق فان المنافس (الحزب الديمقراطي) سيستغل تلك الثغرات للنفاذ سياسيا وكسر دائرة الطوق والبدء بشن سلسلة هجمات تعطل امكانات التجديد فترة ثانية للرئاسة.
الرئيس الأميركي الآن يتحرك بسرعة على مختلف الجبهات لضمان الغطاء الداخلي لسياسته الخارجية. فهو ينتظر تقرير فريق المفتشين الدوليين الجديد عن «أسلحة الدمار الشامل» في العراق، وهو يحث أعضاء الكونغرس من الحزب الجمهوري على الضغط لارسال قوات أميركية إلى «الشرق الأوسط» لملاحقة «حماس» ومطاردتها في فلسطين وجوارها، وهو يضغط للاسراع في تصفية المقاومة العراقية وبناء قواعد عسكرية بالقرب من الحدود السورية، وهو يستغل «الهبات» الطالبية في طهران للتشهير والضغط على القيادة السياسية الإيرانية، وهو أخيرا يضغط على الاتحاد الأوروبي لانتزاع مواقف مؤيدة لافكاره الطائشة ضد إيران وحماس للتذرع بالتأييد الأوروبي لخوض معارك ممتدة قد لا تقتصر على المستويات الدبلوماسية والاقتصادية.
بوش الآن في صراع مع الوقت وهذا الموضوع يزيد من خطر سياسته وخطورة اقدامه على تصرفات تجر منطقة «الشرق الأوسط» إلى مزيد من التوتر والفوضى.
والمشكلة ان الرئيس الأميركي يخطط للحروب في وقت يقف الاتحاد الأوروبي في منتصف الطريق فهو غير قادر على الاستمرار في مقاومة الولايات المتحدة ويميل إلى مزيد من المساومة والمسايرة حتى لا تعود أزمة الثقة إلى الانفجار مجددا.
والمشكلة الأخطر ان بوش سعيد بنفسه ومرتاح لاعماله، ويرى ان ما فعله هو «الخير المطلق» حتى لو اجمع العالم على انه اسوأ رئيس أميركي، كما أظهرت استطلاعات الرأي في القارات الخمس ونشرت نتائجعا الصحف البريطانية
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 285 - الثلثاء 17 يونيو 2003م الموافق 16 ربيع الثاني 1424هـ