العدد 284 - الإثنين 16 يونيو 2003م الموافق 15 ربيع الثاني 1424هـ

عراق الجواهري... جواهري العراق... ثنائية القيد والتمرد

عوالي - مركز البحرين للدراسات والبحوث 

تحديث: 12 مايو 2017

تشهد البحرين قريبا جدا مولد كتاب أدبي جديد يطبع الآن في بيروت لمستشار الدراسات التربوية والاجتماعية بمركز البحرين للدراسات والبحوث محمد جواد رضا.

موضوع الدراسة في الكتاب هو شاعر العرب في القرن العشرين... محمد مهدي الجواهري، وعنوان الكتاب:

(عراق الجواهري... جواهري العراق... ثنائية القيد والتمرد) منبئ عن مضمونه وخطة التناول فيه. والكتاب كما يقول عنه مؤلفه ليس تاريخا للعراق وليس تاريخا للجواهري وانما هو محض خطرات في الفردوس الجواهري الكبير وسيصدر الكتاب عن دار الكنوز الادبية في بيروت.

وفي افياء هذا الفردوس وتحت ظلال دوحة يريد المؤلف ان يستجلي وجه العراق الجميل الذي طمسه - خلال النصف الاخير من القرن - الطغيان السياسي وتأسيس ثقافة العدوان والبغضاء التي ازاح الله كابوسها الآن عن العراق وأهله. ستكون الخطرات في الفردوس الجواهري الكبير اذن استجلاءات لجمال الحقيقة الانسانية في العراق بحزنها وفرحها... بآلامها وانتصاراتها من خلال التجربة الجواهرية طويلة القامة وليس في هذا ما هو بدعة في منطق الاشياء... فلكل أمة عظيمة الروح سفر هو شاهدها في محفل التاريخ الكبير.

الانلجيز شاهدهم شكسبير والالمان غوته والهند طاغور وفارس حافظ وسعدي والباكستان محمد اقبال ومصر شوقي وفرنسا بودلير. اما العراق فسفره وشهيده هو الجواهري.

انا العراق لساني قلبه ودمي

فراته وكياني من اشطار

الكتاب يقع في جزءين يسمي المؤلف كلا منهما كتابا:

الكتاب الاول: عراقي الجواهري، أرض العبقرية والطغيان.

الكتاب الثاني: جواهري العراق، الكينونة في الاروقة المعتمة والاروقة المعتمة هي عشرة أروقة يطوّف بها المؤلف مستجليا الحقيقة الجواهرية التي هي حقيقة العراق ايضا.

من مذاقات الطواف بهذا الفردوس المقابسة الآتية:

لم يكن الجواهري محض شاعر آخر بين شعراء العرب، الجواهري كان ظاهرة كونية في دنيا الشعر العربي قديمه وحديثه ومن هنا كانت محنة النقاد ومؤرخي الشعر العربي به وكذلك كانت محنته بهم ايضا. كل الذين كتبوا عنه كانوا محبين له او شانئين فما اغنى حب المحبين ولا شنآن الشانئين عن الحاجة إلى فهمه فهما استبطانيا وهي حاجة غير مقضية حتى الآن. لقد فسروه تفسيرا خارجيا وفاتهم ان يفهموه انسانا منفعلا بالكون والحوادث بقدر ما هو فاعل فيها.

غير ان الولوج إلى عوالم الجوهري الخفية كان - من الناحية الاخرى - مغامرة وجلة مثل مغامرة رفع المغاليق عن (صندوق باندورا PANDORA.BOX) في الاسطورة الاغريقية القديمة. لقد مارس الرجل عملية الابداع الشعري سبعين عاما او تزيد كان خلالها خواض غمرات شداد من الصراع السياسي والعاطفي وكان الشعر سيفه وجُنته في تلك الغمرات وقد اغضب خلقا كثيرا ولم يُرض الا قلة من الخلق ثم رحل عن الدنيا غير راض عن نفسه ولا راضيا بها.

ويؤلمني فرط افتكاري بأنني

سأذهب لا نفعا جلبت ولا ضرا

في العام 1921 قرأ العراق للجواهري قصيدته المكتملة الاولى (العزم وأبناؤه) كما قرأ له قصيدته المكتملة الثانية (الثورة العراقية) وقد بدى فيها متشائما بما لا يتوافق وعمره الفتي يومئذ

لعل الذي ولى من الدهر راجع

فلا عيش ان لم يبق الا المطامع

غرورا يمنينا الحياة، وصفوها

سراب وجنات الاماني بلاقع

نسر بزهو من حياة كذوبة

كما افتر عن ثغر المحب مخادع

وكثيرا ما اتخذ الشانئون على الجواهري الاستقطابات اللحظوية برهانا على تناقضاته واضطراب ولائه وهي تشي بشيء من ذلك للناظر غير المتفحص، وهي قد تكون مدعاة لاتهام الرجل في صدقه مع نفسه وصدقه مع الآخرين. كل هذا محتمل، ولكن ما ليس يحتمل هو الزعم بأن الشاعر كان يختار ان يكون كذلك عن وعي وارادة... لان الامر ليس كذلك. الجواهري كان دائما فريسة سهلة لحكم اللحظة الانفعالية التي هو فيها وسيكون (حكم اللحظة) هذا واحدا من الاروقة الاكثر عتما التي يجب تنويرها عند الولوج إلى دنيا الجواهري الخفية وقد كان هو نفسه مدركا ان وجوده الحقيقي، ان كينونته الفعلية هي ليست تلك التي يكشفها او يتكشف عنها للناس، وانما هي ما كان يثوي من ذاته في تلك الاغوار النفسية السحيقة التي كانت ابداعاته ومعاناته ونزواته تتخلق فيها... وقد سماها (مطاوي النفس) التي لا ينفذ اليها البصر العابر فيرتد عنها وهو حسير

قبلكِ اغتر معشر قرأوني

من جبين مكلل بالغضون

وفريق من وجنتين شحوبين

وقد فاتت الجميع عيوني

اقرأيني منها ففيها مطاوي

النفس طرا وكل سرٍ دفين

فيهما رغبة تفيض واخلاص

وشك مخامر لليقين

فيهما شهوة تثور وعقل

خاذلي تارة وطورا معيني





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً