العدد 283 - الأحد 15 يونيو 2003م الموافق 14 ربيع الثاني 1424هـ

هل سأل الأميركان أنفسهم؟!

علي محمد جبر المسلم comments [at] alwasatnews.com

ماذا بعد هذا الاستعراض للقوة الأميركية، وماذا بعد قتل البشر للسيطرة على الأرض وثرواتها كما تفعل اللصوص، وماذا بعد أن امتلأت خزائنهم مالا وذهبا في وقت يجوع فيه الآخرون.

هل سأل جورج بوش أو دونالد رامسفيلد أو ديك تشيني أو كولن باول أو كوندليز رايس أو بول وولفوويتز، أو طوني بلير أو جاك سترو، الذين تلونوا بكل ألوان الكذب، وخرجوا عن القواعد الإنسانية، وامتهنوا التدليس، فضلوا وضللوا شعوبهم بقصد إشراكهم في تحمل وزر الجرائم التي وقعت على الشعب الأفغاني والشعب العراقي وقبل ذلك الشعب الفلسطيني. أيرتضون أن يقع ذلك الضيم على شعوبهم؟

لقد لوثوا سمعة دولهم، فبعدما وقفت شعوب العالم تصفق لهذه الدول العظمى، التي أوحت للعالم بأنها جاءت بقواتها الضاربة لمحاربة من أسمتهم بلصوص الحرية، من أجل نشر الديمقراطية، والقضاء على الذل والعبودية المستشرية، ونالت تلك القوات كل التسهيلات، ونال قادتها الاستجابة والدعم اللامحدود، فإذا بالحلم يتحول إلى كابوس بعد انكسار وانحسار الدكتاتورية، وإذا بحامي الحرية تصيبه لوثة الحرامية وعدوى مرض الغرور والاستعلاء حينما تفرعن وقال «لا أريكم إلا ما أرى»، فعادت اللصوصية بأقوى مما كانت عليه لمراوغة المدافع الحقيقي عنها أو لنقول بعدما تحول المدافع إلى لص.

هنا علينا أن نستوعب هذا التحول المفاجئ، وعلينا أن نسلّم بالحقيقة الأزلية أن الظلم باق، وأن القضاء عليه قضاء كاملا هو ضرب من ضروب الخيال ويخالف نواميس الحياة. فالحياة خلقت هكذا لتكون في صراع دائم بين الخير والشر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وسيبقى الخير يطارد الشر، في حركة مستمرة، وكلما حاول الخير أن يقضي على الشر بأي شكل تجدد الشر في أشكال أخرى.

فلا عجب لما يجري حاليا في هذا الكون ولو استعرضنا قصص التاريخ لاستنبطنا مثل هذه الحركة في الحياة، وأنها طبيعية فأين عاد وثمود، ودولة الروم وفارس، وأين الدولة الإسلامية التي صنعت العدل والرخاء في أرجاء المعمورة ثم حاد عنه أُمراؤها. الأمم الأولى بادت، والدولة الإسلامية باتت الآن تشتكي من الظلم والقهر والهوان بعد انحدارها وصعود ألمانيا وروسيا وبريطانيا، والآن أين هؤلاء؟ فكل دولة من هذه الدول كسابقتها عندما ناصرت الحق لاجتثاث الظلم انتصرت، وتفتحت لها خيرات وكنوز الأرض حتى بلغت قمة المجد، وسادت على باقي دول العالم، إلا أن السيادة مالم تحصّن روحانيا ضد أمراض الاستعلاء والغرور تهوي بأصحابها إلى الحضيض، لأن العزة في الأرض مقرونة بالعدل والمساواة، وما أن يحيد الإنسان أو أية دولة عن ذلك إلا وبدأ في الإنحدار، والتحول العكسي في الممارسات، فالصدق يلتوي إلى كذب، والحق إلى ظلم، والحمل الوديع إلى ذئب مريع، ولا عجب عندئذ ان تنادت الأمم للقضاء على ذلك الوحش في كل مكان وزمان، أو فرض وصاية على ذلك الإنسان الذي تجرد من إنسانيته وأصبح حيوانا مفترسا.

هكذا انتهى الحال باليابان وألمانيا، وهكذا سينتهي الحال ببريطانيا وأميركا مالم ترجعا عن غيّهما وتناصرا الحق، فمهما فعلتا أو استصدرتا من قوانين لحماية أمنهما كقانون الوطنية الذي أقره الكونغرس، أو منح سلطات استثنائية مقيدة للحريات مشابهة لقانون أمن الدولة الذي كان مستقرا في العراق وبعض دول الخليج وأصبح الآن معمولا به في أميركا، فإن ذلك لن يكفل لهما الهيمنة على العالم بل هو مؤشر لنهاية عصر هيمنة هذه الدول بسبب هذه القوانين الظالمة التي ستدخل شعوبها في صراع ينهكها من الداخل وتزداد ضراوته إلى أن ينتصر الخير على الشر في دورة أخرى من دورات الزمن

إقرأ أيضا لـ "علي محمد جبر المسلم"

العدد 283 - الأحد 15 يونيو 2003م الموافق 14 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً