العدد 283 - الأحد 15 يونيو 2003م الموافق 14 ربيع الثاني 1424هـ

وجهة نظر إيرانية لحرب العراق

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

يكتسب الأسلوب الذي تعاملت به الجمهورية الإيرانية مع الحرب في العراق، أهمية خاصة بالنسبة إلى التطور المستقبلي للمنطقة. فإيران من البلدان الكبرى في الشرق الأوسط، ذات الكثافة السكانية العالية، وتجمعها حدود طويلة مع العراق، وتعيش على جانبيها قبائل تنحدر من مختلف العرقيات، وتأوي إضافة إلى ذلك، أكبر معارضة شيعية مسلحة كانت مناهضة لنظام صدام حسين. وقد اضطرت في الثمانينات للدخول في حرب طويلة وخاسرة ضد الجار العراقي انتهت بإعلان وقف إطلاق النار. ويختلف موقف إيران لهذه الأسباب عن موقف البلدان العربية والإسلامية الأخرى في المنطقة.

وفي الوقت الذي تساند فيه حكومات البلدان العربية في المنطقة طوعا أو كرها الحكومة الأميركية في حربها ضد العراق، وفي الوقت الذي كانت شعوب البلدان تتظاهر ضد الحرب، فإن إيران، حكومة وشعبا، كانت تقف موقف الرافض للحرب الأميركية ضد العراق. لكن هذا الرفض ليس نهائيا، فالموقف يتغير إذا ما تعلق الأمر بالإطاحة بصدام حسين ونظامه. وهذا أيضا يجعل الجمهورية الإسلامية تختلف بموقفها عن البلدان الأخرى المجاورة للعراق. فحين كانت الجماهير المناهضة للحرب ترفع صور صدام حسين ويراه البعض في عدد من الدول العربية عبارة عن بطل جماهيري ورمزا للصمود ضد المستعمرين الجدد، فإن المرء في إيران يعتبره مجرم حرب، لم يتورع عن استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد أبناء شعبه، من دون ذكر البلدان التي هاجمها. انه رأي الحكومات العربية نفسه، ولكنه رأي لم يتم التعبير عنه بوضوح، بسبب الشعبية الواسعة التي كان صدام يتمتع بها خارج العراق لدى الجماهير العربية.

يقول الكاتب الإيراني المقيم في ألمانيا، مانوتشير أميربور في مقال مطول نشره في صحيفة «دي تسايت» الأسبوعية إن موقف الجمهورية الإسلامية في إيران المتناقض من الحرب في العراق، يرجع إلى علاقتها بالولايات المتحدة وبالعراق معا. ولو أن جهة أخرى غير الأميركان هي التي تخوض الحرب ضد العراق، لوقفت إيران لى صفها ولو بشكل غير مباشر. أليس من الطبيعي أن يقف المرء في إيران موقفا إيجابيا من كل عملية تستهدف الإطاحة بنظام خاض ثماني سنوات من الحرب الدموية ضد الجمهورية الإسلامية اليافعة؟ ومع نهاية الحرب بحثت حكومة رفسنجاني على المستوى الدبلوماسي إمكان الإطاحة بالنظام بمساعدة البلدان المجاورة وبمباركة سرية من الولايات المتحدة الأميركية، لكن كل مشروع كانت تقف وراءه الجمهورية الإسلامية كان بالنسبة إلى الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، مبعث ريبة وشك. والآن ها هم الأميركيون عملوا بأنفسهم في تحقيق هذا المشروع ولكن هذا أيضا لا يتوافق مع ما كان يريده الإيرانيون.

في مقابلة مع محطة الـ «سي إن إن» الأميركية وصف الرئيس محمد خاتمي العلاقة بين إيران والولايات المتحدة بأنها تخضع لجدار عالٍ من الشك. إن هذه العبارة لم تفقد صلاحيتها حتى اليوم. حتى فيما يتعلق بالنوايا الحربية الأميركية. فالنوايا والحجج التي أعلنتها الولايات المتحدة خلال استعداداتها للحرب، لم تقنع طبعا لا الحكومة الإيرانية ولا نسبة كبيرة من الشعب الإيراني. فالأهداف المتغيرة للولايات المتحدة تزيد من فقدان الثقة بسياستها وتجعل من بعض نظريات المؤامرة تبدو كما لو أنها واقعية. لكن ما هي الحجج التي يسوقها الإيرانيون في رفضهم الحرب؟ يقول مانوتشير أميربور في مقاله: سيكون الإيرانيون آخر من يرفض هذه التهمة. فخلال الحرب الإيرانية العراقية لقي المئات من الجنود الإيرانيين مصرعهم بسبب استخدام العراق أسلحة كيماوية. ومازال الكثيرون منهم يعانون من تشوهات وعاهات بسبب تلك الأسلحة. إن ما يثير غضب الإيرانيين هو أن الولايات المتحدة الأميركية لم تحرك ساكنا عندما استخدم صدام حسين تلك الأسلحة ضدهم. بل على خلاف ذلك، عرض عليه دونالد رامسفيلد شخصيا يد المساعدة. ولم يتذكر المرء ذلك إلا حين تحوّل حليف الولايات المتحدة بالأمس إلى عدو. لماذا تكيل الولايات المتحدة بمكيالين؟ لماذا لا تعمل على نزع أسلحة الدمار الشامل من منطقة الشرق الأوسط بما فيها «إسرائيل»؟ يرى مانوتشير أميربور في ظنونه أن هناك أهدافا أخرى تحت السطح وليس كما تم الترويج له: القضاء على أسلحة الدمار الشامل التي أخفاها العفريت بضربة يد واحدة. قيل قبل اندلاع الحرب أن صدام مجرم حرب. يجد مانوتشير أميربور أن هذا ليس سرا خرجت به الولايات المتحدة على العالم فالمعروف أن صدام ارتكب جرائم حرب قبل 25 سنة من اندلاع الحرب الأخيرة. وبسبب حروبه العدوانية دفع مليون شخص حياتهم. ولكنه حين كان حليفا لأميركا، تم تسويق نظامه كحصن حصين للغرب. ففي المرحلة التي خدم فيها مصالح القوة العظمى، تمت مساعدته بكل الوسائل. لقد خلق المرء صدام حسين فرانكشتاين الرهيب الذي يتوجب التخلص منه لكن لم يتم إعلانه مثل الرئيس اليوغسلافي السابق سلوبودان ميلوسوفيتش، مجرم حرب والدعوة لمحاكمته أمام محكمة جرائم الحرب في لاهاي؟ إذن فالأمر لا يتعلق بالتخلص من مجرم ولكنها سياسة السيطرة وبدء عهد استعماري جديد للمنطقة. إن جهاز المخابرات المركزية الأميركية نفسه لا يتفق مع فكرة أن صدام حسين له علاقة مع ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول العام 2001. بل خلافا لذلك، يرى رئيس هذا الجهاز جورج تينيت أن الحرب على العراق ستدعم الإرهاب. إن أسامة بن لادن يعتبر صدام حسين كافرا شأنه في ذلك شأن كل حكام المنطقة الذين يدعون إلى إعلان الجهاد عليهم. كذلك في الأمم المتحدة، كانت الولايات المتحدة الأميركية لسنوات طويلة ضد إدانة هجوم صدام حسين على إيران وضد اتخاذ عقوبات بحقه من قبل مجلس الأمن الدولي. وهي لم تستنكر تجاهل «إسرائيل» سنوات طويلة قرارات الأمم المتحدة، وهي نفسها أعلنت الحرب على بلد دون الحصول على موافقة الأمم المتحدة. الولايات المتحدة تهدد مجلس الأمن الدولي نفسه، الذي تدعي العمل على تحقيق قراراته، بتجريده من كل أهمية إذا لم يعمل على المصادقة على ما تريده. إنها فعلا حرب عدوانية في حطام الدبلوماسية. فبعد نهاية الحرب الباردة تبعث الآن الحرب الحقيقية، كاستمرار الدبلوماسية بوسائل أخرى، وعلى منطقة بكاملها أن تتحمل، جراء ذلك، حال عدم الاستقرار. الحلفاء يلقون قنابلهم وعلينا نحن في البلدان المجاورة أن نتحمل العواقب: نزاعات على الحدود وتدفق اللاجئين. لماذا كانت الولايات المتحدة تشعر أن العراق يهددها ولم تشعر بذلك الدول المجاورة وخصوصا التي سبق أن هاجمها العراق؟ إن الأمر يتعلق بالمستقبل وليس بتهديد مباشر. القائد السابق للقوات الأميركية في أوروبا، ويزلي كلارك، قال إنه لا يشعر أن العراق يشكل أي تهديد. كما اعتبر مستشار كلينتون السابق للأمن القومي أن الهجوم على العراق لن يستفيد منه غير الإرهاب. حرب وقائية باسم هذه الحجة الواهية هي بمثابة خرق للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. هناك خطر نشأ بعد حرب العراق واستخدام تعبير الحرب الوقائية من شأنه أن يشجع بلدانا أخرى مثل الهند وباكستان و«إسرائيل» على القيام بضربة نووية وقائية. يقول الأميركان إنهم يريدون تحقيق الديمقراطية في العراق. إن هذا الهدف كما يقول مانوتشير أميربور، والذي أعلنه الحلفاء، يبدو بالنسبة إلى الإيرانيين غير جدير بالتصديق. فلا أحد من الولايات المتحدة وبريطانيا قد ساهم في وضع أرضية للديمقراطية في المنطقة. بل العكس هو الصحيح. فالبريطانيون أوصلوا عن طريق انقلاب سنة 1921 قائد القوزاق رضا خان إلى سدة الحكم، وبعد 32 سنة بعد ذلك، دبر جهاز المخابرات الأميركي انقلابا ضد رئيس الوزراء المنتخب ديمقراطيا، مصدق، وأعاد الشاه مرة أخرى إلى السلطة ليحكم إيران حكما مطلقا حتى أطيح به العام 1979. وإضافة إلى ذلك يعتقد المرء في إيران أن واشنطن ونظرا إلى المعطيات الديمغرافية في العراق إذ إن 65 في المائة من الشعب هم من الشيعة و20 في المئة من السنة والبقية أكراد وتركمان، لن تحترم إرادة الشعب التي من شأن انتخابات ديمقراطية أن تفرزها. فسبب تخوفها من قيام دولة شيعية ثانية في المنطقة إلى جانب إيران، عمدت إلى وقف زحف الجنرال شوارزكوف على بغداد سنة 1991، فالقضاء النهائي على نظام الحكم في بغداد يعني وضع حد لحكم الأقلية السنية للبلد وتولي الغالبية الشيعية حكم البلاد. يجد مانوتشير أميربور أن من يعرف الحقد الإيراني على صدام حسين سيصاب بالعجب حين يلاحظ الحماس الكبير الذي أدانت به إيران الهجوم الأميركي على العراق. إن الولايات المتحدة قاتلت عدوين لدودين لإيران: الطالبان وصدام حسين، ونهايتهما لم تصب أحدا بالحزن في إيران. لكن على رغم ذلك فإن المسألة معقدة جدا. تشعر إيران بالتهديد بسبب الوجود العسكري الأميركي في المنطقة وأنها محاصرة من أربع جهات بسبب هذا الوجود، في أفغانستان ووسط آسيا والخليج العربي والآن في العراق. ولأن الرئيس بوش قد حسب إيران بين الدول المارقة، وهاجم أحد هذه الدول على رغم المعارضة العالمية، فإنه ليس من العجب أن يعتبر القادة الإيرانيون أنفسهم الهدف المقبل إذا ما كتب النجاح للمغامرة الأميركية في العراق. إن شن حرب على إيران سيكون مناسبة لتصفية حساب قديم. فالأميركيون لم ينسوا احتلال الطلبة الإيرانيين سفارتهم في طهران. أما الاتهامات التي تستخدمها الولايات المتحدة منذ وقت ضد إيران، فإنها كثيرة تبدأ بمحاولة إنتاج قنبلة نووية وعرقلة عملية السلام في الشرق الأوسط ودعم حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي وأخيرا إيواء قادة (القاعدة) وانتهاك حقوق الإنسان. حين تقرر الولايات المتحدة شن حرب على إيران، فإنها لن تجد صعوبة في تبرير حربها، تهمة واحدة مما سبق ذكره، تكفي للانتقام من عدوتها اللدود في المنطقة

العدد 283 - الأحد 15 يونيو 2003م الموافق 14 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً