الحوادث المتتالية يوميا تذهل المرء وتدعوه الى التفكير عدة مرات قبل استخدام سيارة هذه الأيام. ففي يوم أمس انقلبت شاحنة يزيد وزنها على عشرين طنا فوق سيارة عادية وزنها طنان، وانقلاب وزن يزيد عشر مرات على وزن آخر أدى الى نتيجة مأسوية وهي وفاة امرأة حامل مع أختها وإصابة الآخرين. حوادث المرور أصبحت أحد أكبر الأسباب في موت الشباب في البحرين، وتنافس بذلك (بل وتتفوق) على الأمراض المعدية وغير المعدية المعروفة في بلادنا.
قبل عشرين عاما كانت البحرين أفضل بلد خليجي في تنظيم المرور، وكانت الحوادث أقل بكثير مما نسمع عنه هذه الأيام. وقد يكون عدد مستخدمي السيارات والشاحنات ازداد إلا أن الشوارع ازدادت أيضا وتحسنت وسائل تنظيم المرور، ولذلك فإنه من غير المعقول أن يكون هذا هو السبب الحقيقي. لقد أصبحت سياقة السيارات مجازفة والمشكلة تتطلب جهدا متواصلا من عدة جهات لإعادة المرور إلى مستوى أكثر أمنا وسلامة. الذين يسوقون السيارات أناس متنوعون، فهناك الرجال والنساء والشباب، وهناك البحريني وغير البحريني وهناك العامل الوافد والمواطن وهناك السائح الذي يأتي إلى البحرين خلال عطلة نهاية الأسبوع وهناك الشخص الذي يقود سيارته من أجل عمله وهناك من يقودها من أجل مشاغله الخاصة...
جميع هؤلاء يفترض أنهم حاصلون على رخصة قيادة تؤهلهم لقيادة سيارة أو شاحنة، وجميع هؤلاء يفترض أنهم يعرفون مبادئ السياقة السليمة، وجميع هؤلاء من المفترض أنهم يعلمون ممنوعات السياقة، ومن المفترض أن تكون هناك ضوابط مرورية وشرطة مرور وكل ذلك بهدف إعادة السلامة إلى شوارعنا... إننا بحاجة الى حملة وطنية شاملة لتوعية السائقين ومستخدمي الشوارع العامة، وأن تكون هذه الحملة معتمدة على احصاءات دقيقة... فكم من الذين تورطوا في حوادث كانوا يستخدمون الهواتف النقالة؟ فلقد أثبتت إحصاءات دول أخرى أن الهواتف النقالة - وخصوصا المحمولة باليد - أحد أكبر أسباب الحوادث على الشوارع. فكثير منا يتساءل عن هذا الموضوع، ولكن في بلدان أخرى ترى أن المواطنين العاديين يحتجون على الشخص الذي يستخدم الهاتف وهو يقود السيارة قبل أن يوقفه شرطي المرور.
كم عدد الأشخاص المتورطين في الحوادث وهم تحت تأثير الشراب المسكر؟ قبل أيام كانت هناك حادثة أكثر خطورة عندما ربط خليجيان فتاة وسحبوها بسيارتهما وشوهوها وكان ذلك بسبب شربهم ومن ثم استخدامهم السيارة. في كثير من البلدان يتم تزويد الشرطة بأداة اختبارية ينفخ فيها المشتبه به، ويمكن بها معرفة ما إذا كان السائق قد شرب مسكرا. وإذا كانت الإحصاءات تتحدث عن هذا النوع من الحوادث فيجب أن تكون هناك وسائل وقاية وحماية قبل أن تقع الحادثة.
كم من الحوادث التي يموت فيها أناس سببها السرعة؟ وهذا أخطر عامل وربما هو الأكثر شيوعا... وإذا كانت السرعة هي السبب الرئيسي فما الوسائل التي اعتمدتها إدارة المرور للحد من السرعة؟ هل لدينا كاميرات تراقب السرعة في المناطق الرئيسية؟ ومتى سيتم تركيبها؟ ما الضوابط التي يتم اعتمادها لتخفيف السرعة بالإضافة الى المراقبة بالكاميرا؟ وهل هناك تقييم لكل ذلك؟ وأين هي الحملة الوطنية في هذ المجال؟ لماذا لا تكون هناك دعايات في التلفزيون والإذاعة والصحف والشوارع تحث المواطنين على عدم السرعة وتذكرهم بواجبهم الوطني تجاه غيرهم؟
كم هي الحوادث التي تسببت في موت شخص وكان ذلك بسبب عدم استخدام حزام الأمان؟ فلقد أصبح ملزما قانونا في كثير من البلدان استخدام حزام الأمان بالنسبة إلى جميع الركاب، سواء كانوا في المقاعد الأمامية أم الخلفية، وواجب على حافلات المدارس توفير كل الرعاية المطلوبة لحماية الأطفال والطلاب الذين يستخدمون الحافلات يوميا...
تصميم الشوارع ومداخل ومخارج تلك الشوارع أحد أهم الأسباب الرئيسية للحوادث أيضا. فالشوارع بحاجة إلى تصميم متطور يمنع الحوادث، ويتم اغلاق أو إعادة تصميم المداخل والمخارج، وتوضع الحواجز الحديد لمنع وصول سيارة من شارع إلى شارع آخر... هل حددت الحكومة المناطق التي حدثت فيها حوادث كثيرة وهل شرعت في إعادة تصميم تلك الشوارع؟ وهل وضعت حواجز لمنع ذلك؟ تصميم السيارات نفسها قد يحمي السائق من المخاطر. وبين فترة وأخرى يقوم أحد المختبرات المحايدة في أوروبا بتسمية أفضل سيارة آمنة بعد اختبار مختلف الحوادث عليها. وتتسابق السيارات للحصول على تلك الجائزة، ومبيعات السيارات تزداد بحسب تلك النتيجة. فلماذا لا يتم تعميم تلك النتائج في بلداننا؟
أين هي قوانين المرور المعروفة للجميع عبر حملة توعوية شاملة؟ أين هو التصوير الكمبيوتري المستخدم في الدول الأخرى التي تدشن لديها أجهزة كمبيوترية مزودة ببرامج تطرح مختلف الأسباب وتصورها الكترونيا ومن ثم تطرح الحلول؟ لماذا لا تتعاون إدارة المرور مع جامعة البحرين (وربما قسم الجغرافيا التطبيقية ينفع أيضا في هذا المجال)؟ لماذا لا تعرض نتائج تلك الدراسات لتوعية الناس؟ ولماذا لا يتم استخدام المساجد والمدارس ووسائل الاتصال الجماهيري الأخرى لتثقيف الناس عن هذه الأمور؟ وأهم من كل ذلك، هل يطبق القانون على الجميع، فهناك أكثر من إشاعة وأكثر من قول بأن المتنفذين لا يخافون من الغرامات المرورية لأنهم لا يدفعونها ولا يستطيع أحد اجبارهم على ذلك... ثم ان رجال المرور (وهذا ربما من دون دليل ولكنه متداول) لا يوقفون بعض أنواع السيارات، وعندما يذهب شخص ما إلى المناطق القريبة من المدارس الخاصة يرى (في بعض الأحيان) أحداثا يسوقون السيارات، ... فهل يطبق القانون على الجميع؟
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 283 - الأحد 15 يونيو 2003م الموافق 14 ربيع الثاني 1424هـ