العدد 283 - الأحد 15 يونيو 2003م الموافق 14 ربيع الثاني 1424هـ

تحرير العقل... من ضبابية المؤامرة الغربية

بني جمرة - عادل الجمري 

تحديث: 12 مايو 2017

ليس من اليسير علينا تحديد معنى العولمة، فهي حدث كوني ندخل معه هذا العصر بآفاقه ومجالاته. بما يحتوي من ثورات وتحولات وابتكارات وتكتلات يصعب تحديد مضامينها بدقة، لكن الخطاب العربي تأثر بالكثير من المصطلحات الحضارية الغربية كالديمقراطية والحداثة وحتى العولمة وهي نتيجة لها ابعادها التاريخية، غير ان التحليلات التي تنتجها الكتابات العربية سواء لدى قادة الرأي أو حتى طبقة المثقفين تبقى قاصرة فعلا سواء على صعيد الدراسة النظرية أو ابداء الرأي. مع ان دور المثقفين في عصر الحداثة بصفته فئة رسالية منزهة مهمتها ان تقود المجتمع انتهى وولى أدراج الرياح.

كانت ومازالت كتابات القلم العربي لا تعطي التحليل المناسب للعولمة وصوغ العالم الجديد.

فالمناهضون لثقافة الحداثة والعولمة على ماذا يعتمدون؟ على الاطر الثقافية الموحدة لديهم في قواعد وقوالب لا يقبلون نقدها أو رفضها أو حتى الحوار بشأنها، هنا تكمن الاشكالية الكبرى تحديدا. هؤلاء سواء كانوا جهاز الدولة أو حتى رموز المعارضة نصل بهم من دون شك الى طريق مسدود، اذ لا محاولة لفهم الغرب بما هو حضارة وتقدم وفنون ولا مشروع حضاري متكامل يلوحون به، ما هم الا ردات فعل لكبت السياسة العربية في مراحلها السيئة على افضل تقدير. ما المشروع الحضاري الذي يحمله القوميون أو اليساريون الشيوعيون أو الاسلاميون نحو حضارة الأمة العربية تحت اطار القومية العربية أو الاسلامية أو حتى على النطاق المقسم لكل قطر عربي على حده؟ أتمنى اجابة على هذا السؤال بمشروع متكامل من شتى النواحي ولشتى المجالات، من اساس الحكم حتى نظام رعاية العجزة. يحق لنا اعتبار شتى الجمعيات السياسية أو الاحزاب السياسية العربية أنها ردات فعل وليست مشروعات حضارية متكاملة.

من اقصى تخيلاتهم عن نظرية المؤامرة الغربية والاستعمار الأميركي الذي اتى ليأكل خيرات الشرق الأوسط عموما والبلاد العربية خصوصا... ولنتخيل هذا المشهد التعيس، عندما تتدفق كميات النفط العراقية الى ميناء أم قصر سرقة أمام الاشهاد من دون خجل أو خوف من ردة فعل عربية تحرق الأخضر واليابس، وعندما تنتقل ناقلات النفط محملة بالنفط العراقي الى حيث موانئ الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة مجانا، اذ لا تدفع 25 دولارا لكل برميل يدخل في موازنة العراق الذي كان شعبها ينعم بالنفط وجيرانه على مدى عهد صدام المجيد طوال ما يزيد عن ثلاثين عاما. يسرق النفط لتكريره واستثماره وجني المليارات التي تصنع ما هو اقسى على أمتنا العربية من صواريخ توماهوك وكروز. قد يبكي البعض بدل الدموع دما، قد يكتب المعلقات والقصائد الشعرية التي تندب الحال العربية، غير ان هؤلاء لا يبكون أو حتى يتباكون على مئات الألوف ممن طالهم حزب البعث العراقي، انهم لا يتذكرون ذلك الدمار وسياسة البطش البعثية، أولئك المثقفون لربما لم يفقدوا أخا أو أبا أو ابنا أو حتى صديقا قتل وبعثت لعائلته فاتورة الرصاصة التي قتل بها لتدفع للحكومة العظيمة النبيلة، حكومة جيش القدس وفدائيي صدام من هم حراس الحقوق العربية المسلوبة، كم هي رخيصة تلك الدماء الطاهرة مقابل 25 دولارا للبرميل مجموع ما يسرقه الاميركيون.

كان المواطن العراقي يعيش في أرقى واحدث عصوره، اذ انه نسى مذاق الفاكهة والجبن نتيجة طبيعية لانغماسه في أكل اللحوم وأفخر أنواع الكافيار، كان ينام سعيدا مرتاح البال ما من أرق أو خوف من أن تأتيه قوافل حزب البعث لتقطع رقبته وترمل زوجته وتأتي لأطفاله بمتاهة اليتم لأي سبب لربما كان السبب انه ذكر اسم الرئيس المهيب من دون لقب فقال صدام ولم يقل سيدي الرئيس صدام حسين. أية متاهة نعيش فيها وأي ذل تعودنا ان نرضى به حتى ألفنا حكم الطغاة بدعوى انهم عرب، لم يكن الألمان وحدهم عنصريي التاريخ فثمة قوم زادوا عليهم بمراحل.

«نعيب زماننا والعيب فينا» لو دخلت ذات صباح الى منزلك ووجدت نافذتك مكسورة وحجرا ملقى في فناء دارك، لا تتجه الى جارك بدعوى ان ابنه المشهور بتحطيم نوافذ الحي هو من القى الحجر على نافذتك وتسبب في تعكير مزاجك، فالحقيقة التي استنتجها الكثير من مثقفينا هي ان رئيس الولايات المتحدة الأميركية والكونغرس الأميركي ومجلس الشيوخ اتخذوا قرارا بارسال فرقة عسكرية و3 بوارج حربية متطورة واستعانوا بالاقمار الصناعية في سبيل تحطيم نافذتك فذلك الاستعمار من يحاول حماية «إسرائيل» بشتى الطرق، ومن تلك الطرق تحطيم نافذة منزلك حتى تتهم جارك بذلك فتقع القطيعة بين أفراد المجتمع العربي العظيم. ولا تستغرب انقطاع التيار الكهربائي في فصل الصيف وتأخر خدمة الاسكان لقرون وعدم حصولك على وظيفة على رغم مؤهلك الجامعي فكل هذا يقف العلوج وراءه. انهم سبب كل مشكلاتك اليومية والمستقبلية وحتى المشكلات التي تؤرق منامك وأحلامك ما هي الا اشباح الغرب وعفاريتهم اتت لترويعك واخافتك.

في احدى المناقشات الحادة عن الجدوى من دراسة التاريخ الذي تقدمه لنا المناهج الدراسية الرائدة في جميع المراحل الدراسية في شتى الاقطار العربية. كانت لنا بعض النتائج المهمة التي توصلنا لها حينما جعلنا النقاش حرا وشفافا، الحقيقة ان التاريخ المكتوب عن فترة الخلفاء بعد الرسول الأكرم (ص) حتى نهاية الدولة العباسية دراسة تعتمد على تسويق صورة خيالية لا يقبل العقل بها، فكل الخلفاء بعد الرسول (ص) كانوا معصومين من الخطأ ولدوا هكذا وحكموا بالعدل، حتى لغة كتابة التاريخ فهي موحدة (انتشر الاسلام في عهد هذا الخليفة في شتى بقاع الارض، ولقد كان يرعى العلماء والفقهاء، ولقد عاشت الدولة الاسلامية في أزهى عصورها على الاطلاق ولقد اشتهر الخليفة بورعه وبزهده وعبادته).

أما الكتابات الحاقدة عن بعض تجاوزاتهم من المستشرقين الغربيين فهي نابعة عن خطة استعمارية بحتة لا تحتوي على أي صدقية أو موضوعية، تلك الخطة هي تحديدا كخطة تحطيم نافذة منزلك التي ذكرناها أعلاه، أما الفترات التاريخية التالية ففيها ما هو أدهى وأمر، إذ الكثير من الشخصيات التي يبجلها التاريخ وهي في الحقيقة شخصيات كانت لها الكثير من المواقف والمشاهد المخجلة. قانون الاحوال الشخصية، ذلك القانون الذي ينظم الاحوال الشخصية في شتى بلاد الغرب. اصبح سمة من سمات الحضارة والتقدم. في ايران هناك نظام احوال شخصية وفي مصر هناك قانون أحوال شخصية، كيف نتصل بالحاضر ونلتصق به، كيف لنا ان نواكب العصر ونحن نغلق هذا الملف بهذه الطريقة الغريبة، وبعيدا عن الكتابة الساخرة، قانون الأحوال الشخصية سمة من سمات المجتمع الحديث المتحضر لا يعقل ان نتحدث عن مشروع اصلاحي وطني من دون الاقرار بهذا المشروع ومن دون تفعيل هذا القانون الذي يمثل الحل الامثل للكثير من المشكلات الاجتماعية التي نعاني منها وخصوصا في حقوق المرأة البحرينية، تلك التي افهموها ان الحرية هي حرية الخروج والدخول من المنزل أو ارتداء الحجاب من عدمه، المرأة مكبلة بالكثير من القيود ولن يتطور مجتمع يعيش نصفه مكبلا، تحرير المرأة باعتباره مفهوما شاملا هو اعتاقها عن تبعيتها للرجل بهذا الشكل الحالي نحو علاقة متوازنة تحفظ للرجل القوامة ولكنها تحقق للمرأة بعض الاستقلالية التي تحتاج اليها في هذا العصر بوصفه خيارا استراتيجيا لنهوضها ونهوض المجتمع جميعا.

لا يستلطف البعض الكتابة الساخرة، ولكن هي محاولة لجعل الواقع المحزن اكثر قابلية للتحليل والحوار. محاولة للتناغم اللطيف من دون الخوض بجرأة في اوجاع الحقيقة المؤلمة. وكما انني لا ارجح ان يقوم رئيس التحرير بالسماح لهذه الكتابة أن ترى النور بدعوى انها مخالفة للرأي العام أو انها دعوى امركة لا تستحق الاهتمام ازاء ما يبدع القوميون العرب والاسلاميون الطالبانيون، حرية الصحافة أهم القضايا ومعضلة الاعلام العربي انها المساحة من الحرية التي نبحث عنها للتحاور ومناقشة الامور ومعطيات الحياة والبحث عن سبل التطوير والتحديث، لابد لسياسة الرأي الواحد المستبد ان تنقشع لابد ان نقبل بالآخر أيا كانت ثقافته وأيا كان رأيه واتجاه فكره وقلمه، سياسة القلم الواحد المقدس أرقتنا سنوات وقرون، نحن بحاجة لساحة حرية مقدسة يفيض فيها الجميع بما يحملون من أفكار ورؤى عامة





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً