العدد 283 - الأحد 15 يونيو 2003م الموافق 14 ربيع الثاني 1424هـ

فن جوردون... عقاب للذات وصحوة ضمير

يكشف المعرض الاستعادي «لدوغلاس جوردون هيوورد» شعورا كالفينيا كئيبا وغامضا مدفونا تحت زخارف الفن المعاصر.

يخبرنا القديس اوغسطين ان البشر كانوا انقياء من الآثام وكانت لديهم سيطرة كاملة على أجسادهم قبل هبوط آدم وحواء من الجنة. واذا ما رأينا انه من الصعب تخيل ذلك النوع من التحكم فعلينا ان نفكر في الاشخاص الذين يقومون بهز آذانهم أو يبتلعون ثم يلفظون اجساما صغيرة عندما يريدون أو يقومون بتقليد الطيور، ولكن البشر المذنبين قد فقدوا السيطرة على انفسهم بعد هبوط آدم من الجنة وتوقفت اعضاؤهم عن إطاعة رغبتهم وبدأوا يعيشون حياتهم الخاصة البشعة.

يوجد في زاوية من الحجرة المظلمة في صالة عرض هيوورد للفنون شاشة تلفزيون على الارض تعطيك اشارة لتدلك على الطريق الذي تسلك وكأنها توجه اليك دعوة عاجلة ولا تتوقع ان تعطيها اجابة بالرفض، انها بمثابة اشارة اغراء تحاول باستمرار ان تستميلك وتجذبك الى داخل المعرض.

ويضم المعرض اعمالا تبرز حياة الجسم الإرادية بالاسلوب البروتستانتي الكلاسيكي المحدث، ككناية عن الخطيئة.

ولد دوغلاوس جوردون في جلاسغو العام 1966 ويبدو انه كان من احد اتباع مذهب كالفين. وقد اشتهر بعمله الفني «التحليل النفسي لمدة 24 ساعة» والتي أبطئ فيها فيلم هيتشكوك الى حوالي صورتين في الثانية وهي سرعة مؤلمة تعطى منظرا الهيا عن التحتيم بقضاء وقدر للعمل البشري الدقيق الذي لا يمكن تغييره ويبدأ هذا المعرض الاستعادي بتلك القطعة الفنية.

وستجد في اماكن اخرى من قاعة العرض جهاز فيديو وشرائح يتم عرضها بجهاز الاسقاط العلوي وصورا فوتوغرافية ساكنة وقطعا موسيقية صوتية ونصوصا جدارية - السلسلة العادية من وسائل الإعلام التي يحتاج اليها الفنان المعاصر.

ولكن هذا العمل الفني يعالج الخلافات الميتافيزيقية والخلافية القديمة: النور والظلام، الخير والشر، الحياة والموت، الذات وصورتها، وتتركز الاهمية على القضية الاخيرة.

إن الظلمة في غالبية الحجر ليست بسبب عرض الكثير من الافلام هنا، ولكن لأن نمط فن جوردون يستدعي ان يكون الجو مظلما وكئيبا ومثيرا للخوف.

ويوجد الآن الكثير من الحجر المظلمة المخيفة في الفن المعاصر، لقد اصبح هذا الامر صيغة قديمة وان كان عمل جوردون لا يخلو تماما من مثل هذه الاشياء القديمة، انه يقوم باعمال مخيفة واعمال مثيرة للاشمئزاز واعمال خادعة، كما يقوم بعمل ثقافة شعبية بالاشارة الى افلام الرعب والافلام المثيرة التي تعالج مشكلات سيكولوجية. انه يستخدم شخصيته الخاصة، ولكنه يقوم ايضا بعمل بعض الشعارات المفرطة والواضحة للحالات السيئة للروح.

ان تصويره لليد قوى بشكل خاص فيمكنك النظر الى أجهزة الفيديو والصور، اذ يمكنك ان ترى الايدي المتباعدة وقد اصبحت وحدات معنوية - اليد التي تغوى وتعاقب، اليد التي عاقبت واليد المذنبة.

وتجسد هذه الايدي الانقسام الذاتي داخلها المتمثل في الاهواء الشريرة، عقاب الذات وصحوة الضمير.

فهناك يد تسدد ضربات متكررة على عدسة الكاميرا، وهناك يد تبدو بنصف حراك وكأن حركتها قد قطعت بأحزمة بلاستيكية.

وتثير هذه اللوحات كل انواع الافكار اليدوية: القيام بالضرب وتلقي عملية الضرب، الاشتراك في عمل ما، القبض على الشخص اثناء ارتكاب جريمة ما، ايد عارية، يد يسرى لا تعرف ما الذي تفعله اليد اليمنى، التنصل من عمل شيء ما.

ولا يمكنك القول ما اذا كانت هذه الصور تعالج موضوع الخير أم الشر، أو ما اذا كانت تهدف الى غرس الافكار الخيرة أو الشريرة. ولا يستطيع الكالفيني التخلص من ذنوبه التي لا تمحى. ولم يستطع الكالفيني السابق التخلص من احساسه الدائم بالذنب، وقد اصبح هذا الفشل ذنبا جديدا يمارس عليه مهاراته المحطمة للذات. ويستخدم جوردون الوشم كناية عن عدم الزوال او المحو. تلك هي أقوى الاعمال الفنية حتى الآن وقد تم تجسيد أفكارها بصورة حرفية.

(خدمة الإندبندنت - خاص بـ «الوسط»





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً