العدد 282 - السبت 14 يونيو 2003م الموافق 13 ربيع الثاني 1424هـ

«الطالبان» خسرت معركة ولم تخسر الحرب في أفغانستان

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

من أبرز الأسباب التي دفعت المستشار الألماني غيرهارد شرودر إلى الاعتراض على حرب العراق كان عدم اكتمال الحرب المناهضة للإرهاب، وكان شرودر يقول إنه لم يتم بعد تحقيق الانتصار النهائي على الطالبان ومنظمة (القاعدة). وكتب على أن الألمان يجب أن يحصلوا على دليل دامي لهذه الحقيقة. فقد كان من المفترض أن تكون عطلة نهاية الأسبوع الماضي مناسبة سعيدة بالنسبة إلى ثلاثين من الجنود الألمان العاملين في قوة الحماية الدولية في أفغانستان. فقد كانوا في طريقهم إلى طائرة نقل عسكرية كي تحملهم إلى بلدهم، ألمانيا. لكن بعد وقت قصير على مغادرتهم معسكرهم فجر الأحد الماضي وجلسوا في باصين شقا طريقهما في شارع جلال آباد، تعرضوا لاعتداء.

فقد تعرضت لهم سيارة مفخخة أدت إلى تفجير أحد الباصين ما نتج عن العملية الانتحارية مقتل أربعة جنود ألمان وإصابة 29 آخرين بجروح نقلوا على اثرها لتلقي العلاج في مستشفيات القوات المسلحة الألمانية في مدينتي أولم وكوبلينز وبحسب معلومات وزير الدفاع الألماني بيتر شتروك فإن سبعة منهم أصيبوا بجروح بالغة.

وهذا أسوأ اعتداء تعرض له جنود ألمان منذ أن شاركت ألمانيا في مهمة الحماية الدولية وأرسلت 2500 جندي انضموا إلى القوات الدولية البالغ عدد جنودها اليوم 4800 جندي وذلك تنفيذا للقرار رقم 1386 الصادر عن مجلس الأمن الدولي في ديسمبر/كانون الأول العام 2001 والذي يدعو إلى فرض الأمن والاستقرار في كابول وضواحيها بعد الانتصار العسكري المشكوك في صحته الذي تم ضد نظام الطالبان.

كما تقضي مهمة الجنود الدوليين بتقديم المساعدة في حملة إعادة التعمير وتقديم خدمات إنسانية. وكان من المقرر أن تقتصر المهمة الدولية على مدة لا تزيد عن نصف العام وفي الغضون تم تمديدها حتى ديسمبر المقبل. وكانت ألمانيا بين مجموعة الدول التي وضعت أسس مهمة قوات الحماية الدولية. ومنذ فبراير/شباط الماضي تشرف بالتعاون مع هولندا على قيادة المهمة في أفغانستان وذلك خلفا لتركيا. وكانت بريطانيا أول دولة تسلمت القيادة العسكرية بعد نهاية الحرب في أفغانستان.

منذ وقت لا يخفى على المسئولين السياسيين والقادة العسكريين الألمان مدى خطورة مهمة القوات الدولية في أفغانستان. ففي عدة مناسبات ظهرت أدلة على استمرار وجود فلول تابعين لنظام طالبان السابق يثيرون التهديدات. لكن هجماتهم لم تكن قوية في البداية واقتصرت على رمي الحجارة خلال مباراة لكرة القدم لكن في الفترة الأخيرة تعرضت القوات الدولية في أفغانستان لرشقات برصاص الطالبان وقنابل. ويجري التفكير بعد الاعتداء على جنود ألمان بشأن كيفية زيادة إجراءات الوقاية لحماية القوات الدولية من اعتداءات جديدة. وكان رئيس رابطة القوات المسلحة الألمانية برنهارد غيرتس أول من فكر في حل جذري: الانسحاب فورا من أفغانستان. لدى برلين معلومات تقول إن الطالبان ومنظمة (القاعدة) يعملون في إعادة تنظيم صفوفهم من جديد وسيكبر نفوذهم ما يزيد من التهديدات التي يرزح تحتها الآن جنود القوات الدولية وفقا لتأكيدات غيرتس. لكن الحكومة الألمانية لا تفكر في الوقت الحالي بالإقدام على هذه الخطوة وسحب قواتها من أفغانستان وأبلغ خبير قضايا الدفاع في الاتحاد المسيحي المعارض كريستيان شميت صحيفة (دير تاجيس شبيجل) الصادرة في برلين بأنه ينبغي عدم العودة إلى الوراء. وهو بذلك يعبر عن رأي وزير الدفاع الألماني شتروك الذي قال إن بلاده متمسكة بتنفيذ القرار الدولي وضرورة ضمان النجاح لعملية السلام في أفغانستان التي تعتمد على تضافر الجهود الدولية كما أنها ما زالت تفكر بتوسيع مهمة الحماية الدولية لتتجاوز كابول إلى المحافظات المتاخمة لها. لكن شميت قال أيضا ان الاعتداء الأخير يكشف مدى خطورة الوضع في أفغانستان والجدية التي ينبغي أن تتسم بها خطة انتشار الجنود الدوليين والعمل في رفع مستوى الحماية وفي هذا السياق اقترح شميت إرسال دبابات ليوبارد لمرافقة الدوريات المتجولة في أفغانستان. وطالب شميت بتأجيل عملية توسيع مهمة الحماية الدولية حتى تنجلي حقيقة الوضع الأمني حفاظا على حياة الجنود الدوليين.

وكان البرلمان الألماني وافق يوم الخميس الماضي على إرسال فرقة من العسكريين الألمان إلى محافظة حيرات الواقعة على مسافة ستمئة كلم عن كابول للتحقق من إمكان نشر قوات دولية فيها. غير أن الاعتداء الدامي الأخير قدم الدليل على عدم توفر الأمن بالنسبة الى الجنود الدوليين أيضا لا في كابول ولا خارجها وقال خبير عسكري ألماني: حتى إذا تنقل الجنود الدوليون في المستقبل داخل مصفحات فإن المهاجمين سيجدون الوسيلة لتنفيذ هجماتهم والعمل في وضع العراقيل أمام حكومة حميد قرضاي والأطراف الدولية التي تدعمه.

ولا يختلف المراقبون في برلين على أن الاعتداء على الجنود الدوليين في أفغانستان عزز الافتراضات التي تتحدث عن عودة الطالبان وتطلعهم إلى استعادة النفوذ في أفغانستان، إذ لا يتورعون عن القيام بأي عمل لتأكيد رغبتهم باستعادة ما خسروه نتيجة الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على رأس تحالف دولي. ويستخدم الطالبان أسلوب الحرب السرية منذ أن اندحرت قواتهم وأجبروا على الفرار إلى جبال تورا بورا التي تعرضت لقصف بالغ من قبل الأميركيين. وتشير معلومات الاستخبارات الألمانية إلى أن الطالبان يعملون منذ وقت بالتعاون مع منظمة (القاعدة) في إعادة تنظيم صفوفهم في مناطق تقع على الحدود المتاخمة لباكستان.

لكن ليس هناك معلومات محددة عما إذا كان هؤلاء يحصلون على دعم من باكستان. في غضون الأسبوع الماضي حصل اشتباك مسلح على الحدود الأفغانية الباكستانية شمال مدينة سبنبولداك وأسفر الاشتباك بين الطالبان والجيش الأفغاني عن وقوع أربعين قتيلا في صفوف الطالبان وسبعة قتلى في صفوف الجيش الأفغاني. وأعلن قائد الطالبان في المنطقة، حافظ عبدالرحيم أن زعيم الطالبان المختفي عن الأنظار، الملا عمر، أمر بمهاجمة القوات الأفغانية والأجنبية. بيد أن عبدالرحيم لم يشر بصورة مباشرة إلى هوية الأطراف التي يريد الطالبان استهدافها غير أن مصادر أمن ألمانية واثقة من أن جنود قوة الحماية الدولية على القائمة وما يعزز هذا الاعتقاد، عدد من المحاولات الفاشلة لتفجير مواقع تابعة للجنود الدوليين.

وفي سبتمبر الماضي حصل قرضاي من تجربة شخصية على دليل بأنه لم يجر القضاء نهائيا على الطالبان. فخلال أول زيارة قام بها لقندهار التي كانت سابقا معقلا رئيسيا للطالبان، تعرض لمحاولة اغتيال نجا منها بأعجوبة. في اليوم نفسه انفجرت قنبلة في سوق شعبي بكابول أودت بحياة ثلاثين شخصا. وتم اتهام الطالبان بالجريمتين. وناشد قرضاي المجتمع الدولي العمل في توسيع مهمة الحماية الدولية لتتجاوز مدينة كابول وتمتد إلى محافظات أخرى لهدف دحر فلول الطالبان ومنع عودة انتشارها. غير أن الأطراف الدولية المعنية في الأزمة الأفغانية رفضت الاستجابة لهذا الطلب.

وحتى اليوم ليس لحكومة قرضاي أي نفوذ يذكر خارج كابول بل يتقاسم لوردات الحرب النفوذ في أرجاء البلاد والذين حاربوا مرة مع الطالبان ومرة ضدهم حين تعاونوا مع القوات الأميركية الأمر الذي دفع القوة العظمى إلى صرف النظر عنهم بعد نهاية الحرب اعترافا بولائهم لها. ولا يستبعد مراقبون غربيون أن يتحالف هؤلاء مرة جديدة مع الطالبان لهدف الإطاحة بحكومة قرضاي إذ ليس من المستغرب أن تغير هذه الجماعات التي لا تختلف كثيرا في توجهاتها عن الطالبان، موقعها الحالي في البلد الذي يعيش رحى حرب أهلية منذ أكثر من عشرين سنة، ويجري تشكل تحالفات جديدة تعمل في إعادة البلاد إلى الوراء

العدد 282 - السبت 14 يونيو 2003م الموافق 13 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً