العدد 282 - السبت 14 يونيو 2003م الموافق 13 ربيع الثاني 1424هـ

قراءة في الاقتصاد الإسرائيلي المنهار

أسوأ الأوضاع منذ 1953

سمير صبح comments [at] alwasatnews.com

.

تراقب لجان الاتحاد الأوروبي المختصة بملف العلاقات مع «إسرائيل» باهتمام بالغ بقاء غالبية مؤشرات الاقتصاد الكلي لهذه الدولة غارقة منذ نحو من سنة ونصف في الدوائر الحمر، عاجزة عن تخطيها. ذهل مسئولو هذه اللجان لدى تسلمهم تقرير خبرائهم الذي يشير إلى أن ثلث أطفال الدولة العبرية يعيشون اليوم تحت خط الفقر، ذلك في الوقت الذي لا يتردد فيه ممثلو هيئات المجتمع المدني الاسرائيلي بالاشارة إلى أن «زمن توزيع الحساء الشعبي على الفقراء قد اقترب». من ناحية أخرى لم ينجح رفع أسعار الفائدة ولا اقتطاع نسب مؤثرة من الموازنة الحالية، بابعاد شبح الركود الهاجم بحدة، على رغم جميع المناورات التي قام بها حتى الآن ارييل شارون باظهاره الموافقة على «خريطة الطريق» حسب المواصفات الاسرائيلية بهدف اقناع الأميركيين بتلبية مطالبه المالية فإن الخبراء الأوروبيين يجزمون أنه لن يتمكن م جذب السيناريو - الكوارثي الذي بدأ يظهر في الأفق.

لا يتردد مصرف «إسرائيل» منذ سبتمبر/ أيلول الماضي بدق جرس الانذار من خلال التقارير المتتالية الذي أصدرها، والتي تركز جميعها على خطورة نمو معدل البطالة (12 في المئة مطلع هذا الشهر). ويكشف أحد هذه التقارير عن أن اكثر من 300 ألف عاطل عن العمل يعتبرون اليوم في عداد الطبقة الأكثر حرمانا. أكثر من ذلك، فان نظام البطالة المعتمد في «إسرائيل» يعتبر الأكثر تخلفا بالمقارنة مع العالم الغربي. ما دفع بالعائلات الاسرائيلية لمزيد من الاحباط والتفكك. وتستشهد هيئات المجتمع المدني، كذلك بعض المجموعات النافذة واخل حزب الليكود الحاكم بالمعلومات التي درج على تقديمها في الآونة الأخيرة وزير الخارجية السابق شمعون بيريز مفادها «أن الدولة قد أنفقت نحو من 60 بليون دولار على المستوطنات، وأنه لو صرفت هذه المبالغ لمحاربة الفقر والتخلي عن تحدي الجيران استنادا لنظرية ميزان القوى العسكري في المنطقة، لكان الوضع افضل مما عليه الآن، خصوصا وأن «إسرائيل» ستضطر في نهاية المطاف للتخلص من هذه المستوطنات». ويتقاطع هذا التشخيص مع الأرقام التي قدمها المكتب المركزي للاحصاء والتي أوضحت أن «إسرائيل» تعيش اليوم اسوأ الأوضاع الاقتصادية منذ العام 1953.

فمصادر القلق ليست ظرفية هذه المرة، عائدة لازمة الاقتصاد العالمي المسيطرة منذ سبتمبر 2001 والتي تعاظمت بفعل الحرب على العراق، بل بنيوية بحيث انها لم تترك أي قطاع بمنأى عن الهزات، ولم يعد يكفي ايهام مجتمع مرهق يزداد فقرا مع الايام بأن تدهور القوة الشرائية شيء عابر. ذلك في الوقت الذي تبدو فيه تقديرات صندوق النقد الدولي مخيفة جدا، وتفيد التقارير التي أعدتها هذه المؤسسة المالية العالمية بأن تدني ناتج الدخل للمواطن الاسرائيلي يمكن أن يصل الى 10 في المئة في نهاية 2003. في السياق نفسه ذكر تقرير سري أنجزته في بداية مايو/ أيار مجموعة من محللي بنك «هابواليم» الاسرائيلي - وضع على مكتب الرئيس الفلسطيني المحاصر برام الله - أن عدد العائلات العاجزة عن سداد التزاماتها قد تضاعف في الاشهر الأخيرة بمعدل خمس مرات في حين تزايد عدد الشيكات المرتجعة بشكل مذهل. الى ذلك تضاف حقيقة أخرى تربك المسئولين الاسرائيليين وتتمثل هذه الاخيرة بالخلو التدريجي للموازنة من احتياطياتها بالعملات الأجنبية. ما دفع بارييل شارون - حسب المصادر الأوروبية ببروكسيل - الموافقة المشروطة بالدخول في مفاوضات مع الفلسطينيين، ذلك لأن «إسرائيل» قد وصلت فعلا الى مفترق طرق جدي.

اللعنة الفلسطينية

يعيش الاسرائيلي من أصل خمسة اليوم تحت خط الفقر أي ما يوازي 1,169 مليون شخص، من ضمن عدد سكان إجمالي يصل الى نحو 6,5 مليون نسمة، ولم يعد المسئولون الاسرائيليون ينفون وجود أحزمة الفقر عن المدن الكبرى. إذ إن بعض جزر الفقر هذه قد زحفت عليها. ما حدا ببعض الكتاب وعلماء الاجتماع بوصفها «بجزرهارلم» نتيجة التزايد الملفت لعدد المهمشين داخل المجتمع الاسرائيلي. «فالشوربة الشعبية» التي باتت اليوم إحدى سمات التصدع الاجتماعي وازدياد البطالة والفقر، توزع يوميا من قبل الجمعيات غير الحكومية والمنظمات الدينية مثل «لاتيت» (أي «إعطاء» بالعبرية» ويشكك الاسرائيليون بعودة الازدهار الذي كان يتغنى به بعض النخبة ويتباهون باداء ضاعتهم التكنولوجية المتقدمة الخارقة للعادة، التي تمكنت في مرحلة معينة من منافسة انتاج عمالقة «السيليكون فالاي» في الولايات المتحدة الأميركية.

في المقابل، يتحدث المسئولون عن الزيادة الملحوظة في العائدات الناجمة عن بيع الاسلحة (4,8 بليون دولار في العام 2002) ما جعل من «إسرائيل» الدولة المصدرة الخامسة في العالم، ولم تساهم هذه الزيادة البالغة 70 في المئة من تصحيح موازين الاقتصاد الاسرائيلي كذلك تلبية الاحتياجات الاجتماعية وفرملة سرعة قطار الفقر. لكن الخطر يبقى متمثلا ايضا في النضوب الحاصل للعملات الاجنبية على مستوى الاحتياطات النقدية وخصوصا بالنسبة للدولار الاميركي فالهجمة على هذا الأخير من قبل المواطنين على حساب الشيكل العملة الوطنية تحسبا لخفض متوقع لقيمته تعكس المناخ المتأزم الذي وصل الى أوجه في الاشهر الثلاثة الماضية.

ولم تؤد التصريحات التي أدلى بها في الآونة الأخيرة وزير المال سيلفان شالوم الى تهدئة خواطر الاسرائيليين الذين بقوا على حالهم من التخوف والحذر منذ انطلاقة الانتفاضة الثانية. اذ لم يعد من الممكن في المدى المنظور إيقاف توسع هامش المخاطر بالنسبة لاسرائيل، هذا ما يقوله «ريتشارد فوكس» أحد كبار مسئولي وكالة تقييم المخاطر العالمية «فيتش» مضيفا أن «صورة «إسرائيل» والثقة المالية فيها قد تدهورت كثيرا في نظر المستثمرين الاجانب والمستهلكين المحليين».

التقييم نفسه توصلت اليه مؤسسات ضمان الصادرات الأوروبية التي نصحت شركاتها بعدم التورط من الآن وصاعدا» في عمليات أو صفقات تجارية هامة مع تل ابيب ويتعلق الامر تحديدا بمؤسسات «هيرمس» الالمانية و«كوفاس» الفرنسية، و«ساتشي» الايطالية كل هذه المؤسسات اتخذت ضمنا قرارا باعادة النظر بتقييم مخاطر «إسرائيل».

يبقى السؤال: إلى أي حد ساهمت الانتفاضة الفلسطينية بتركيع الاقتصاد الاسرائيلي؟ إن اعتماد الموازنة التقشفية من قبل البرلمان الاسرائيلي في 29 مايو الماضي. بحيث تم خفض عشرة بلايين شيكل (مايوازي 2,3 بليون دولارا) من حجم النفقات الاجمالي زيادة على خفض نسبة 4 في المئة من أجور الموظفين وتسريح الآلاف يعطي فكرة موضوعية عن أبعاد انعكاسات هذه الانتفاضة. كما أن التعبئة العسكرية المستمرة منذ اكثر من سنتين بكلفتها الباهظة التي تتلافي الحكومة الاسرائيلية قديد ها، تعتبر كافية للدلالة على عمق تأثيرات المواجهات الفلسطينية على الاقتصاد الاسرائيلي. في هذا الاطار سربت بعض المراجع في الخزانة الاسرائيلية معلومت مفادها ان الكلفة العسكرية توازي 18 في المئة من الموازنة الحالية. في حين تذكر بعض تقارير الاتحاد الأوروبي أن الخسائر المادية جراء المواجهات مع الفلسطينيين تمثل 30 في المئة، وهبوط اسهم شركات التكنولوجيا الاسرائيلية المدرجة في بورصة «ناسداك» الاميركية تشكل 50 في المئة. بينما ينسب الباقي لتراجع معدلات النمو الاقتصادي في العالم والى سوء ادارة الحكومات الاسرائيلية المتتالية. فللمرة الأولى منذ تاريخ انشائها تواجه الدولة العبرية ازمة مفصلية على مستوى ميزان مدفوعاتها.

وتخشى الاوساط في «إسرائيل» من تفاقم حدة تراجع الاستثمارات الخارجية المباشرة التي انخفضت من 4,2 بليون دولار في العام 2001 الى 2,6 بليون في 2002 في حين تشير بعض التوقعات الى 1,8 بليون في نهاية 2003 ما يؤكد أن عتبة الـ 11,1 بليون دولار التي جاورتها في سنة 2000 هذه الاستثمارات لن تتكرر في المدى القصير. ما يثبت بأن الخسائر التي ألحقتها الانتفاضة الفلسطينية فاعلة ومؤثرة الى حد كبير. وينظر المسئولون الاسرائيليون بقلق بالغ الى هبوط الصادرات الصناعية بنسبة 8 في المئة في الاشهر الاربعة الأولى من هذا العام. لكن الجانب الأكثر دلالة يتلخص بالتدني الكبير لمبيعات «إسرائيل» من الماس (أحد أهم مصادر عائداتها) بمعدل 41 في المئة في شهر ابريل/ نيسان الماضي.

على رغم تنوع أسباب انهيار الاقتصاد الاسرائيلي ومحاولات الحكومة التقليل من أهمية انعكاسات الانتفاضة عليه الا ان هذه الأخيرة تبقى هي الاساس. واقع يعرفه شارون ومستشاره المقربون جيدا حتى ولو تجنبوا الاقرار به. لذا فهم يحاولون اليوم متأخرين التخفيف من حصوله في هذا السياق ينبغي التذكير بأن رئيس الحكومة الاسرائيلية قد طلب 4 بلايين دولار على شكل مساعدة عسكرية إضافية، 8 بلايين اخرى كضمانات لقروض.

الطلب لايزال قيد الدرس من قبل الادارة الأميركية التي تدرك صعوبة الوضع الاقتصادي في «إسرائيل» وتعمل على أساسه أملا في قبول نهائي «بالتنازلات المؤلمة» لتي يتحدث عنها شارون ويتشكك الجميع بقدرته على اعتمادها التطورات على الارض تؤكد أن الحلولة تحدث غدا ما يعني ان الاقتصاد الاسرائيلي مرشح لأن يهوي أكثر

العدد 282 - السبت 14 يونيو 2003م الموافق 13 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً