العدد 281 - الجمعة 13 يونيو 2003م الموافق 12 ربيع الثاني 1424هـ

الأحوال الشخصية - الرقابة الشرعية

علي محمد جبر المسلم comments [at] alwasatnews.com

تطفو على السطح بين الفينة والفينة قضايا وأسئلة كأنما تريد أن تتنفس حلا ناجعا أو تبحث عن جواب شافٍ، وتظل كذلك لفترات طويلة بسبب خوف الآخرين من الغطس في بحيرات هذه القضايا لانتشال الضحية. ففي قضية الأحوال الشخصية لا أعرف لماذا يستشيط البعض غضبا، ويذهب من فرط غيرته على الدين، إلى حد التهديد بالدوس بالأحذية، لمجرد أن البعض، أو لنقل نصف المجتمع، طالب بضرورة تطبيق عدالة الله في أرضه عن طريق إيجاد قانون مستقى من الشريعة الإسلامية لوضع حلول لمشكلات أكل عليها الدهر ومازالت عالقة.

ديننا الحنيف واضح في هذا الشأن، ولم يترك كبيرة ولا صغيرة إلا ووضع حلا لها وبيّن أحكامها العامة، وعلى علماء الإسلام أن يجتهدوا في وضع القوانين التي تنظم وتحكم تلك العلاقة وتعدلها، بما لا يخرجها عن قدسيتها، مع تغيّر الظروف والزمن وتنوع مشكلات الأحوال الشخصية والأسرية المرادفة لذلك. ولنا هنا أن نتساءل: لماذا يصرّ أهل التشريع والاختصاص على عدم توحيد تشريعاتهم والاعتصام بحبل الله جميعا؟ ولماذا يصرون على تحمل المسئوليات الجسام من خلال اجتهاد فردي، مع علمهم التام بأن من يقوم بالفصل في مثل هذه القضايا إنما هو مجتهد، وأن ليس كل مجتهد مصيبا، وعليه يقع وزر الخطأ؟

قوانين الأحوال الشخصية ليست حكرا لاجتهاد أحد غير أهل الاختصاص، ولا أعتقد أن أحدا سيجرؤ على البت في مثل تلك الأمور ما لم يكن ملما بأحكام الشريعة الإسلامية لمنع الحيف الذي يصدر بسبب تقدير خاطئ أو تقرير ناقص بحق أسر ضاع بعضها بين تلك الأحكام. قانون الأحكام الشخصية يجب ألا يكون مصدره مملكة البحرين، أو أية دولة أخرى، بل يجب أن يكون نتاج أعمال ندوات وملتقيات ومؤتمرات يقوم بالترتيب لها الأزهر الشريف، أو أية جهة إسلامية حصيفة، ويُدعى إليها أهل الفقه والمشايخ والمحامون والمستشارون والقضاة، للخروج بقوانين لا تخلف وراءها أزمات عائلية أو اجتماعية وتحدّ من الإرباك المعيشي والخطأ القضائي. إننا لا نستطيع أن نتجاهل كل تلك القضايا العالقة بلا حل، فإلى متى؟ وإلى ماذا ستؤول نتائجها العكسية التي لاشك أنها ستجد طريقها لمن يستغلها في هدم أو التشهير بمبادئ وقيم هذا الدين العظيم. إن الحكمة والعقل يقتضيان اعتماد كل الأساليب الناضجة للتصدي لإشكالية إصدار قانون الأحوال الشخصية من خلال ما سبق أن ذكرناه، عقد مؤتمر إسلامي للاستئناس برؤى المختصين من علماء الدين والقضاة والمرجعيات العلمية الدينية والمحامين، ورجال الفكر والباحثين من مختلف المذاهب، للوصول إلى صيغة مشتركة تنهي طول المعاناة وتضع أرجلنا على جادة الطريق في وحدة التشريع لأهم محطات خلايا المجتمع. تلك كانت إحدى النقاط المهمة التي يجب على علماء الدين عدم التخلي عنها، بل عليهم التفاعل معها وألا يكون رأيهم فظا تجاهها، بل لابد من التحلي بالمنطق والحكمة استجابة للآية الكريمة «ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك» (آل عمران:159).

والنقطة الثانية في هذه المحطة هي رسوم الرقابة الشرعية على المصارف الإسلامية. بداية انتابتني نوبة من الاستغراب فلم أكن أعلم أن الرقابة الشرعية يساوَم عليها مثلها مثل الاستشارات القانونية أو أية استشارة أخرى.

كنت أعتقد في السابق أن الفتوى أو الرقابة في أمور الدين هي لوجه الله من دون مقابل، إلا أن ذلك المفهوم تغير، فكل إنسان بحاجة إلى عمل وإلى كسب من أجل المعيشة، لكن المفاجأة كانت في سعر وكلفة هذه الرقابة، فلقد اتضح أنها الأعلى ثمنا على الاستشارات الأخرى، وواصل المتحدث القول إن الرقابة الشرعية كان يُدفع عنها سبعون دينارا شهريا فقط وذلك لتغطية مصروفات الانتقال على أساس أن الأصل في الفتوى أن تكون مجانية، إلا أن الأمر اختلف الآن وأصبح للفتوى سعر وللرقابة سعر. فعلى سبيل المثال المصارف الإسلامية تدفع الآن مبلغا ابتدائيا قدره أربعة آلاف دينار كمبلغ مقطوع سنويا، يليه مبلغ ابتدائي قدره أربعمئة دينار عن كل جلسة لبحث مسألة أو إصدار فتوى بشأنها. وعادة يكون عدد هذه الجلسات أكثر من ثلاث في الشهر، بمعنى أن كل شيخ دين يعمل في هذا المجال يتسلم أكثر من عشرين ألف دينار سنويا من كل مصرف، وهو عضو مجلس رقابة في أكثر من مصرف

إقرأ أيضا لـ "علي محمد جبر المسلم"

العدد 281 - الجمعة 13 يونيو 2003م الموافق 12 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً