العدد 281 - الجمعة 13 يونيو 2003م الموافق 12 ربيع الثاني 1424هـ

أسرى غوانتنامو... ضحايا العدالة الأميركية

محمود السيد الدغيم comments [at] alwasatnews.com

-

مهما كانت مبررات الحرب العدوانية الاميركية على افغانستان فهي احتلال غير مشروع، كما أن احتلال العراق غير مشروع ولا مقبول ايضا، وامتد الأذى العسكري إلى القوانين الأميركية فعطلها أيضا، ووضع وزارة العدل في الثلاجة إلى القوانين الأميركية فعطلها ايضا، ووضع وزارة العدل في الثلاجة المخابراتية منذ ضربة 11 سبتمبر/ ايلول 2001. وصارت وزارة العدل أشبه ما تكون بمحكمة من محاكم أمن الدولة في دول العالم الثالث التي ترزح تحت مؤثرات قوانين الطوارئ.

وحتى الصحافة الأميركية لم تعد سلطة رابعة، والدليل هجرة الصحافيين الاحرار من الولايات المتحدة إلى بريطانيا وغيرها هربا من كم الأفواه، وغطرسة وزير الدافاع دونالد رامسفيلد، و«أمير» الظلام ريتشارد بيرل وغيرهما.

والضحية الكبرى هي العدالة الأميركية التي بدأت من مأساة أسرى حرب افغانستان. وتفيد المعلومات أن سجن قاعدة خليج «غوانتنامو» المعروف باسم معسكر «دلتا» يضم نحو 680 طفلا ورجلا أسروا خلال الحرب الافغانية، وتم نقلهم من افغانستان إلى الارض الكوبية، ومورست معهم كل انواع المعاملات السيئة التي تخرق ما نصت عليه الشرائع السماوية والاعراف والاتفاقات الدولية بما فيها اتفاق جنيف وغيرها.

ادّعت الولايات المتحدة أن أسرى غوانتنامو «مقاتلون معادون»، ولذلك حرموا من حق تكليف محامين للدفاع عنهم، كما حرموا من حق المثول امام المحاكم المدنية الاميركية لانهم خارج حدود الولايات المتحدة. ويذكر أن هذا المأزق القانوني يرمي القوانين الاميركية في مهب رياح الحقد الديكتاتوري. وحتى الآن لم توجه اتهامات لأي من هؤلاء السجناء الذين اسروا في يناير/ كانون الثاني في العام 2002. وللخروج من المأزق بدأت حديثا الاجراءات الاميركية في الاعداد لتوجيه اتهامات لعشرة من الأسرى المعتقلين في غوانتنامو.

وإعداد الاجراءات يستلهم افكار وزير الدفاع رامسفيلد الذي وصف الأسرى عقب نقلهم إى سجن غوانتنامو بأنهم «من أخطر القتلة الشرسين المدربين على وجه الأرض».

وبناء على ذلك يمكننا أن نقرأ رسالة العدالة الاميركية من عنوانها الذي باح به رامسفيلد وغيره من دعاة الحروب الاميركية. والعالم يعرف أن بين المعتقلين أطفالا أحداثا أسروا قبل بلوغهم عمر 14 سنة، وربما كان سبب تأخير المحاكمات بانتظار ان يصل الاسرى إلى سن الرشد للتغطية على فضائح العدالة في بلاد تمثال الحرية.

والمخيف في موضوع الأسرى أن دولهم فشلت في المطالبة بحقوقهم الانسانية، ولجان حقوق الانسان صارت تخشى التحرك مخافة توجيه التهم بالارهاب. تسربت أخبار تدل على خطط اميركية لبناء قاعة محاكمة وغرفة إعدام للأسرى في القاعدة الاميركية في غوانتنامو. والخطير في هذا هو تخويل القوات الاميركية حق انشاء معتقلات مشابهة حول العالم، وإنشاء غرف إعدام ما يهدد بتدمير العدالة العالمية.

والحكمة التي تم تشكيلها منذ مايو/ ايار الماضي لمحاكمة الأسرى هي محكمة عسكرية اميركية، تم تعيين رئيس لهيئتي الادعاء والدفاع ، وهذا يعني ان العسكريين الاميركيين هم الخصم والحكم.

ويذكر أن قواعد وزارة الدفاع الخاصة بالمحاكمات العسكرية تسمح بإصدار أحكام الاعدام، ولكن وجود محكمة عسكرية خارج الاراضي الاميركية يشكل سابقة مما يناقض القوانين الاميركية ويستبيح حرمات الدول الأخرى في مقدمتها كوبا. إن مصير الاسرى يؤرق اصحاب الضمير، ويثير الهلع في قلوب المهتمين بحقوق الانسان. وفي غمرة هذه الكارثة يصر بعض المسئولين العسكريين على أن المسألة مازالت قيد الدراسة، وان القرار النهائي في يد الرئيس جورة بوش، وفي هذا الصدد نقلت وكالة أنباء «أسوشيتد برس» عن الجنرال جيفري ميلر قوله: «لدينا عدد من الخطط القصيرة المدى والبعيدة المدى، لكنها لاتزال قيد الدراسة».

والمؤشرات تدل على أن مسيرة الاعتقالات لن تتوقف، وستتحول القاعدة إلى محرقة ومن الدلائل التي توضح صورة المستقبل الدموي توسيع معتقلات غوانتنامو وإضافة مبان جديدة وغرف تعديب.

ويستدل من تصريحات الجنرال ميلر أنه توجد خطط لبناء سجن دائم لمن قد يحكم عليهم بالسجن لفترات طويلة، وغرفة إعدام، وهذا دليل على استمرار اراقة دماء الاسرى ما يزيد الحقد على الولايات المتحدة وبمصالحها.

ولكن سكوت المعنيين لم ينل القبول العالمي إذ إن الاصوات الانسانية مازالت ترتفع من هنا وهناك، وفي هذا السياق جاء انتقاد منظمة «العفو الدولية» بجدة لسوء المعاملة التي يلقاها هؤلاء الاسرى الذين ترفض الولايات المتحدة اعتبارهم أسرى حرب، مع أنها أسرتهم في ميادين القتال اثناء عدوانها على افغانستان.

وفي سياق الاحتجاجات على الهمجية الاميركية يأتي تصريح سكرتير الدولة البريطاني للشئون الخارجية مايك اوبراين الذي قال: إن بريطانيا دعت الولايات المتحدة إلى إنهاء «الوضع الشاذ» للسجناء المعتقلين في قاعدة خليج غوانتنامو الاميركية في كوبا، وقال اوبراين في مجلس العموم البريطاني يوم الثلثاء في 10 يونيو/ حزيران «ابلغناهم بوضوح أننا ننتظر منهم أن يطبقوا القواعد الدولية في طرق اعتقال هؤلاء السجناء وخصوصا البريطانيين التسعة منهم».

وأضاف اوبراين «قلنا للأميركيين بوضوح: إن هذه المسألة طالت وحان الوقت لتبحث الولايات المتحدة عن تسوية لحل هذه القضايا، وإنهاء الوضع الشاذ الذي يعيشه المعتقلون في غوانتنامو.

ورأى اوبراين في قضية الاسرى «مسألة بالغة الصعوبة» بسبب استمرار التحقيقات وأضاف: «مع ذلك نأمل ان تكون الولايات المتحدة قادرة على حل هذه القضايا في أسرع وقت ممكن». ونقد الوضع الشاذ من قبل البريطانيين المتحالفين مع الاميركيين هو دليل فاضح على ضياع العدالة الاميركية وسيادة الظلم الذي يتهدد عشرات الآلاف في الولايات المتحدة وخارجها

العدد 281 - الجمعة 13 يونيو 2003م الموافق 12 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً