العدد 281 - الجمعة 13 يونيو 2003م الموافق 12 ربيع الثاني 1424هـ

تغيرت موازين القوى في الشرق الأوسط بعد حرب العراق لكن ليس لصالح العرب

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

لم ينشغل الكثيرون في المنطقة العربية بصورة عميقة، بأبعاد ونتائج حرب العراق على «إسرائيل». مما لاشك فيه أن الدولة العبرية من بين الدول التي استفادت من هذه الحرب وكانت تنادي بها وتحرض عليها. حسب أقوال سيلفان شالوم وزير خارجية «إسرائيل» في تصريحات نشرتها صحيفة (دي فيلت) الصادرة في برلين، فقد زالت تهديدات كانت قائمة في ظل النظام العراقي السابق. وكشف شالوم عن احتمال قيام علاقات دبلوماسية بين بغداد وتل أبيب في وقت قريب. ومما لاشك فيه أن حكومة عراقية مهما كانت ميولها، فسوف تكون قبل أي شيء حكومة موالية للولايات المتحدة الأميركية، ولن تعارض طلب واشنطن إقامة علاقات دبلوماسية مع الدولة العبرية.

عند الحديث عن «إسرائيل» ونتائج حرب العراق، ينبغي علينا العودة إلى آخر حرب عربية إسرائيلية وهي حرب أكتوبر/تشرين الأول العام 1973. فقد كانت الموازين غير تلك القائمة في يومنا. كان هناك مليون جندي في ومصر وسورية والعراق بمواجهة الجيش الإسرائيلي، مدعمين بـ : 5500 دبابة، 4500 مدفعية، 950 طائرة حربية، 185 بطارية للدفاع الجوي. منذ ذلك الوقت تغيرت موازين القوى بصورة جذرية وتركزت هذه التغيرات بصورة خاصة على الوضع الاقتصادي في المنطقة.

ففي هذا الوقت ضمدت «إسرائيل» جراح حرب أكتوبر وقفزت خلال عقد الثمانينات من مكانها السابق كدولة نامية إلى واحدة بين أكثر عشرين دولة من دول العالم، رخاء ورفاهية. واستمر هذا الوضع حتى ولادة الانتفاضة الثانية في العام 2000. وكانت أموال الدعم التي تقدمها الولايات المتحدة وألمانيا بصورة خاصة وأشكال الدعم العسكري، قد ساعدت «إسرائيل» في بناء جيشها من جديد وتسليحه بأحدث أنظمة السلاح ويقول البعض ان «إسرائيل» الأشد قوة في المنطقة إذ ليس بوسع دولة عربية اللحاق بها. أهم أسلحة «إسرائيل» هو سلاحها الجوي من طائرات فانتوم 15 وفانتوم 16 وأنظمة مختلفة لأجهزة الإنذار المبكر وطائرات التجسس (أواكس) والطائرات المروحية (أباتشي) ودبابات (ميركافا) وسفن وغواصات وفرقاطات حربية ومختلف أنواع الصواريخ وترسانة نووية وأسلحة كيماوية وجرثومية إضافة أنها بين أكبر خمس دول في العالم مصدرة للأسلحة وتزود أكبر جيوش العالم بتقنية الكمبيوتر التي تستخدم في أنظمة السلاح.

تختلف الصورة تماما بالنسبة إلى الجيوش العربية حيث ما زال الجيش المصري أقوى جيش عربي. تقدم الولايات المتحدة مساعدات مالية وعسكرية لمصر يبلغ حجمها ثلثي المساعدات العسكرية التي تحصل عليها إسرائيل.

وقد استبدلت مصر منذ سنوات أنظمة السلاح الروسية وحلت طائرات فانتوم 16 مكان طائرات ميغ 21 والدبابات الأميركية أبرامز مكان الدبابات الروسية -55 و- 62. من جهة أخرى فإن نظام الدفاع الجوي الذي لعب دورا بارزا في حرب أكتوبر العام 1973 لم يعد موجودا ويقول خبراء عسكريون ان مصر تقع اليوم تحت رحمة سلاح الجو الإسرائيلي في حال سعى الجيش المصري إلى استعادة الأراضي التي ما زالت تحتلها «إسرائيل» في سيناء. الأسوأ من هذا، فإن اهتراء أنظمة السلاح الروسية التي استخدمتها مصر في حرب أكتوبر وحلول أسلحة أميركية مكانها معناه اعتماد الجيش المصري على قطع غيار له من الولايات المتحدة. وقد كان الرئيس المصري حسني مبارك صادقا في كلامه للمصريين أن مصر ستكون فريسة سهلة لإسرائيل مثلما حصل في حرب الأيام الستة العام 1967 في حال حصول مواجهة عسكرية جديدة مع الدولة العبرية.

الجديد بعد حرب العراق أن «إسرائيل» أسقطت من حساباتها القوة العسكرية السورية. وهذا ما أكده قائد المخابرات العسكرية الإسرائيلية الجنرال يوري ساغاي في مقابلة صحفية حين قلل من القدرات العسكرية السورية التي كادت أن تقود في حرب أكتوبر 1973 لاستعادة الجولان المحتل. وقال ساغاي ان سبب ذلك قد يكون حرب العراق ولكن أيضا التحالف الاستراتيجي التركي الإسرائيلي وتهديد تركيا بغزو سورية إذا واصلت دعمها للأكراد وليس بوسع سورية تحت أي ظروف فتح جبهة جديدة وخصوصا الدخول في مغامرة عسكرية ضد أكبر قوتين عسكريتين في المنطقة عوضا أن تركيا بوسعها طلب تدخل حلف شمال الأطلسي في حال تعرضها لاعتداء خارجي بوصفها عضوا في الحلف العسكري الغربي.

وهذا هاجس المسئولين العسكريين السوريين. لكن ضعف سورية العسكري سببه أيضا انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، إذ كانت سورية تحصل على مساعدات عسكرية من موسكو. غير أن القادة الجدد في الكرملين مستعدون فقط لتقديم أسلحة مقابل عملة صعبة. ناهيك عن خسارة روسيا نفوذها السياسي في العالم وتقوقعها من دولة عظمى إلى دولة عاجزة عن حسم حرب بوتين الخاصة في الشيشان.

إن نظرة سريعة إلى حسابات حرب العراق فإن تغيير الموازين في منطقة الشرق الأوسط تم لصالح «إسرائيل». حتى العام 1991 كان العراق قد شارك في الحرب كافة التي وقعت بين العرب والدولة العبرية وذلك باستثناء حرب العام 1956. في العام 1973 تدخل الجيش العراقي ومنع تقدم القوات الإسرائيلية إلى دمشق. من ناحية استراتيجية كان العراق على أتم الاستعداد دائما لمساندة سورية في مواجهة «إسرائيل» وكما يقول العسكريون (جيش احتياطي) كما كانت أسلحة العراقيين مشابهة لأسلحة السوريين. وتحت قيادة صدام حسين استغل العراق ثروته النفطية في الثمانينات لتحديث جيشه وغدا من أقوى الجيوش العربية وعبر عن ذلك في حرب الأعوام الثماني ضد إيران. ثم قامت حرب الخليج العام 1991 وخسر العراق ثلث قوته العسكرية على الأقل وبعد الحرب الثانية تم حل الجيش العراقي بعد أن اصبح عاجزا عن حماية شارع واحد في مدينة عراقية.

أصبحت «إسرائيل» في وضع أمني لا يعرضها في المستقبل القريب إلى تهديد من دول الجوار بهجوم تستخدم فيه أسلحة تقليدية كما من المستبعد ذلك في المستقبل البعيد ما دفع المحلل العسكري الإسرائيلي مارتن فان غريفيلد إلى دعوة الحكومة الإسرائيلية لبيع دباباتها وأسلحتها التقليدية وسداد مديونية الدولة. لكن غريفيلد اعترف وفقا لما سبق ذكره بشأن تغيير موازين القوى في المنطقة بأن التفوق التسليحي الإسرائيلي، لن ينجح في حصول «إسرائيل» على الأمن طالما تمارس سياسة الاحتلال التعسفية ضد الفلسطينيين وتتهرب من التنازل عن حقوقهم التي سلبتها.

على رغم أجواء التفاؤل التي شاعت بعد تدخل الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش شخصيا لتحريك عملية السلام واجتماعين شارك فيهما في شرم الشيخ والعقبة فإن عملية عنف واحدة بوسعها نسف جهود بوش. السؤال يبقى: هل يستمر بوش في جهوده وهل هو مخلص حقا في رعايته عملية السلام في الشرق الأوسط وتخليص الفلسطينيين من مخالب الاحتلال الظالم؟ على الجبهة الداخلية بدأت حملة انتخابات الرئاسة الأميركية المقرر موعدها في نهاية العام المقبل، والناخب الأميركي مهتم أكثر بالوضع الاقتصادي وودائعه المصرفية، بالإضافة إلى أن بوش يريد الفوز بولاية جديدة وستكون فرصته كبيرة إذا حصل على تأييد اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة

العدد 281 - الجمعة 13 يونيو 2003م الموافق 12 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً