دعونا نقولها بكل صدق إن من كان يمطر الأخطاء الماضية في عالمنا العربي بالقبلات أو كان يرقص لها ويشعل البخور أمامها لا يمكن أن يصدقه الناس مهما تدثر بلبوس العفة، وذلك لشيء بسيط ان الناس لا يمكن أن تصدق بهلوانا وخصوصا إذا ما كانت بطونها جائعة!! ولا يمكن أن تسير وراء مهرج ثقافي.
وكثيرون هم أصحاب البطولات الوهمية، ترثي لهم، تضحك عليهم، وخصوصا عندما يرقصون ويظنون أن الناس تراهم يعبدون، وما أكثرهم كتابا، ومثقفين حيث شئت... في كل عالم أكثر من سوبرماركت وآلاف من علب السردين الثقافية جاهزة، تزكمك رائحتها ولكن ليس لك إلا أن تأكلها وعليك أن تتحمل ألم البطن، وتراهم بين عشية وضحاها من قمة المهاجمين للديمقراطية وللبرلمان وإذا بهم يتباكون أمام ضريحه فتقول: لا أعرف أين كان هؤلاء بالأمس؟ أين كان أصحاب البطولات الوهمية أو أصحاب الكتابات المتأخرة؟
هل كانوا واقعين تحت تأثير السحر؟ هل كانوا منوَّمين تنويما مغناطيسيا؟ وكيف يصدق الناس كاتبا أو مثقفا - أيا يكن - كان موافقا على كل السياسات، ولعلي هنا أقتبس ما قاله نزار قباني ذات يوم: «إن المواقف المعلنة في غير وقتها مواقف لا قيمة لها، لأن الناس ينتظرون من الكاتب أن يضيء لهم حاضرهم، ويضيء ادراكهم السياسي في فترة وقوع الحدث وفي فترة وجود وتركز الخطأ، لا أن يكتب قصيدة هجوم وهجاء ضد رمسيس الأول بعد مرور خمسة آلاف سنة على وفاته»، «فالكاتب لا يختبئ تحت اللحاف أثناء البرد والظلام ولا ينتظر رحيل العاصفة حتى يخرج إلى البحر ليصطاد السمك... الكاتب الحقيقي لا ينزل إلى المخبأ عند انطلاق صفارة الإنذار ولا يكتفي برؤية روما وهي تحترق ولكنه يفعل شيئا لإنقاذ روما»، وكما قال الفلاسفة: «الخير يجلب الخير»، «إنه واحد من أشهر عيوبنا... ألا نصدق أن الكهرباء ستقتلنا إلا بعد أن نضع أيدينا فيها ونكاد نموت...» وهكذا نتعامل مع مشكلاتنا للأسف الشديد وهذه هي مشكلتنا نحن العرب يضحكنا من يجمّل القبيح ويبكينا من ينصحنا خوف اتساع الجرح. وليت الدول العربية تأخذها عبرة بأن أكبر عامل للاضطراب وعدم الاستقرار وغياب الحقيقة هم أولئك المثقفون المدجنون، هؤلاء لا يهمهم كثيرا ان سقط الوطن لأنهم يسلمون في كل المراحل وأصبح التباكي الثقافي مهنة يتقنها غالبية المثقفين.
إن القضايا المصيرية لا تناقش «بلغة القهاوي» أو «لغة العجائز» أو «العهدة على الراوي» أو «الخير يجلب الخير» أو «أولئك الذين يسرقون أموال اليتامى ولعلة يطيلون صلاتهم» على حد تعبير سيدنا عيسى (ع) ولن يتغير وضع بعض المثقفين. وليتنا نقف طويلا أمام كلام فارس الصحافة العربية محمد حسنين هيكل عندما وصف أمثال هؤلاء انصاف المتعلمين بقول يضحك الناس عليهم: «إنهم فرسان الساحات الخالية هؤلاء الذين يرمحون في ميادين يعرفون مقدما انه ليس فيها (عدو)، وبالتالي ليس عليهم قتال» هي الصحافة العربية عندما تتحول إلى سَلَطة (فتح السين واللام) رابعة تنام مع المسئول فينجب منها أبناء مشوهين. دعوهم ينصبون المشانق والمحاكم ويقرعون الطبول ويرقصون رقصة الموت ففي نهاية المطاف لا يصح إلا الصحيح وكن دائما في الفعل لا في ردة الفعل و«قل كلمتك وامشِ» مادام قلبك على الوطن.
كما علّمنا أديبنا الكبير برناردشو: «إنهم يقولون، ماذا يقولون، دعهم يقولون» إنهم يزيدون الصدق بريقا ويتقزمون أمام كل الحقائق.
فليت بعض المسئولين ينزلون إلى الشارع قليلا ليقيسوا حجم الضحك والسخرية لهكذا «عنتريات» في الساحات الخالية، وأتمنى منهم لو يقومون بجمع النكات الشعبية - وعلى شتى مشاربها - ليعرفوا من خلالها حجم النكتة كيف تحولت إلى «بطاطا» يأكلها الناس بعد افتراش «هراء التصريح» وغثيانه فلعلها تقيس الرأي العام وتدرك كل «التخبيط». التاريخ علمنا أن الصدق لا يمكن أن يشوَّه... سقطت كل محاكم التفتيش وبقي جاليليو حيا والأرض مازالت تدور..
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 281 - الجمعة 13 يونيو 2003م الموافق 12 ربيع الثاني 1424هـ