العدد 281 - الجمعة 13 يونيو 2003م الموافق 12 ربيع الثاني 1424هـ

تفكيك الشرق الأوسط والاحتواء المزدوج للرياض وطهران

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

فيما تنشغل النخب الايرانية هذه الايام بين من يريد من حكومة بلاده ان تغير مواقفها المعروفة والمعهودة تجاه «أزمة الشرق الاوسط» وتحديد الموقف من «التسوية» و«خريطة الطريق» بما يتناسب وظروف الانتصار الاميركي على العراق، وبين من يطالبها بالثبات على مواقفها المبدئية ومواقفه الممانعة للضغوطات والاملاءات الخارجية، ثمة من يجادل في ما اذا كانت الولايات المتحدة راغبة اصلا في ان تبقي على دور ما لإيران في القضية «الشرق اوسطية»؟ ولاسيما بعد انتصارها العسكري في العراق.

يقول محللون سياسيون ايرانيون، إن الادارة الاميركية الحالية ستسعى جاهدة من الآن فصاعدا إلى التعامل مع ايران بشكل مختلف عما اعتادت عليه معها حتى الآن، وذلك انطلاقا من حالة «التفوق» العسكري والنفسي التي افرزتها «غزوة» العراق الاميركية الناجحة، وبحسب اعتقاد المحللين السياسيين هؤلاء فإن واشنطن ستتعامل مع طهران كالآتي:

أولا: العمل بجد واجتهاد لاخراج ايران بشكل تدريجي ومنظم من دائرة الفعل «الشرق أوسطية» العربية من خلال الايحاء بوجود تناقضات «جدية» بين ما تسميه «بالهوية» الآسيوية الخاصة بالايرانيين ذوي الثقافة الفارسية، و«الهوية» العربية الخاصة بمجموع اقطار «الشرق الاوسط» العربية.

ثانيا: وفيما هي تعمل لعزل العراق عن محيطه العربي والاسلامي ستحاول واشنطن «الاستغلال» الاقصى للظروف المستجدة على المجتمع العراقي، حتى تجعل من ايران «الاسلامية الراديكالية» بعبعا مخيفا «للاعتدال» العراقي المسلم.

ثالثا: العمل بجد واجتهاد للايحاء بوجود تناقضات جوهرية غير قابلة للحل بين «التشيع العربي» و«التشيع الفارسي» واعتبار الساحة العراقية مختبرا فاعلا ومناسبا لانجاز القطيعة المتوخاة بين العراق الجديد الذي تعد له واشنطن وبين امتداداته الايرانية التاريخية، ان في مجال الحوزات العلمية في النجف الاشرف وقم المقدسة او في مجال الاشتراكات الثقافية والاجتماعية المتوارثة جيلا بعد جيل.

رابعا: العمل بجد واجتهاد لدق اسفين بين طهران والرياض في اطار نظرية تعد لها واشنطن بعد العراق، يمكن الاصطلاح عليها مجازا بنظرية «الاحتواء المزدوج» التي يعتقد الكثير من المراقبين ايضا ان واشنطن بدأتها فعلا من خلال الايحاء اليومي المتكرر للعالم بأن طهران «السلفية الشيعية» باتت «حضنا» دافئا لرموز القاعدة والسلفية السنية» المتطرفة والراديكالية التي تحاول الرياض «التحرر» منها.

بالمقابل الايحاء المتكرر للعالم بان ثمة توجهات «سلفية سنية» لاتزال فاعلة في المملكة العربية السعودية لا تريد ولن تقبل بأي شكل من الاشكال بعملية اعادة اللحمة بين أهل المملكة في اطار الحركة الاصلاحية العامة التي تخطط لها القيادة منذ مدة. وبهذا تكون واشنطن او بتعبير ادق دوائر اليمين الاميركي المحافظ الجديد المتطرف، المرتبط بمصالح اليمين الاسرائيلي المتطرف، نجحت في زعزعة الثقة التي بدأت لتوها تتنامى بين طهران والرياض، وتاليا اهمية ذلك في خلق عالم اسلامي جديد يكون فيه لكل من المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية ثقلهما العربي والاسلامي المعهود والمنوط بهما والمتوقع منهما.

الذين قرأوا جيدا ما عنته وتعنيه «غزوة» العراق الأميركية الناجحة وما قصده ويقصده كولن باول في تنظيراته للشرق الاوسط الجديد الذي يحاول رسم ملامحه من الآن فصاعدا بريشة أميركية خالصة غالبا، وريشة «عربية» بديلة أحيانا، يعتقدون تماما أن واشنطن لا تريد بأي شكل من الأشكال أن ترى منطقة «الشرق الأوسط» القديمة على ما كانت عليه قبل «غزوة العراق» أي بعبارة أخرى، تريد أن تتخلص من مقولتين مؤرقتين لها منذ زمن بعيد «العروبة» و«الإسلام»، أولا لارتباطهما الوثيق بروح أمة متدينة مقاومة للتبعية والهيمنة. وثانيا لأن تواصلهما كان ولا يزال يعني في السياسة كما في الجغرافيا كما في التجارة كما في كثير من المجالات، منع أي احتكار أجنبي لمقدرات وطاقات هذه البلاد الزاخرة والغنية روحيا وماديا. ولم تكن نظرية شمعون بيريز المعروفة بـ «الشرق الأوسط الجديد» سوى المقدمات النظرية الأولى لما كان يعدُّ منذ مدة لمنطقتنا وبلادنا. على أية حال، وفيما لاتزال النخب الإيرانية المثقفة على اختلاف تياراتها وتوجهاتها غارقة ومستغرقة في الداخل المحلي الإيراني القطري البحت، أملا في تغيير مشروع منشود أو دفاعا محقا عن ممانعة مشروعة، فإن ثمة من يعمل من الخارج وبصبر لا محدود لأن تكون هذه «الإيران» خارج دائرة الشرق الأوسط العربية والإسلامية، محشورة في «مضيق خليجي» مرتبط بـ «ممر - آسيوي» لا هوية لها إلا ما تمليه عليها العولمة الأميركية

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 281 - الجمعة 13 يونيو 2003م الموافق 12 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً