العدد 281 - الجمعة 13 يونيو 2003م الموافق 12 ربيع الثاني 1424هـ

حرب «إسرائيل»... المضافة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

المواجهات الدموية التي تحصل يوميا في العراق وفلسطين تطرح أمام الدول العربية استحقاقات جديدة يتوقع ألا تقوى على تحمل نتائجها السياسية. ماذا تستطيع الجامعة العربية أن تفعل لاستيعاب ردود فعل دولية لن تقتصر على حدود الدولتين العربيتين. «إسرائيل» حددت معركتها وأعلن رئيس حكومتها أنه سيتابع هجماته من دون توقف. واشنطن أيدت ارييل شارون وطالب وزير خارجيتها كولن باول دول العالم دعم «إسرائيل» في معركتها ضد «حماس». والدول العربية هي جزء من دول العالم، والسؤال ماذا ستفعل أمام هذه المطالبة في وقت تدرك العواصم العربية أن معركة شارون هي ضد الشعب الفلسطيني وليس ضد منظمة من منظماته. تل أبيب أيضا تؤيد الاحتلال الأميركي للعراق وترى أن معركة السيطرة عليه وتطويع الشعب العراقي مع شروط الهيمنة الأميركية مسألة حيوية لأن النجاح في كسر إرادة الشعب العراقي يعادل نجاح شارون في كسر إرادة الشعب الفلسطيني. فالمسألة مسألة إرادات ومن يفرض إرادته بالقوة يتوقع له أن يكسب المعركة السياسية بالفعل. وهذا الأمر يحتاج إلى فترة من المواجهات حتى تصل «إسرائيل» إلى تحقيق هدفها في فلسطين، كذلك تحتاج واشنطن إلى فترة ليست قليلة من المواجهات الدموية كما يقول حاكم العراق المدني بول بريمر ليضمن الانتصار النهائي في بلاد الرافدين.

الدول العربية إذا أمام استحقاقات ثقيلة منها القديم ومنها الجديد. إلا أن المسألة الأولى مرتبطة بالثانية حتى لو حاولت جامعة الدول فصلها عن بعضها بعضا. والصلة بين الملفين تزيد من أعباء مؤسسة الجامعة التي فشلت سابقا في حل ملف واحد، فكيف هو حالها هذه الأيام حين جلبت لها التطورات مهمات ثقيلة تتعلق بحل الملف العراقي. العراق ليس قضية عراقية فقط إنه قضية عربية أيضا وملفه لا يقل خطورة وحساسية عن الملف الفلسطيني. والصراع على السلطة الدائر الآن بين الوجود الأميركي وفصائل المعارضة العراقية (المتحالفة مع واشنطن) يكشف أن طبيعة الوجود الأميركي ليست مختلفة كثيرا عن معظم «الاحتلالات» في العالم. فالمعارضة تريد من الاحتلال تسليمها السلطة ومفاتيح الدولة. والاحتلال يريد من المعارضة تسليمه البلاد والاقرار بشروطه كما هي حتى يضمن استمراره وسيطرته إلى أقصى فترة ممكنة. المسألة معقدة ولا تقل خطورة عن تلك التي تأسست في فلسطين في مطلع القرن الماضي.

المشكلة أن الدول العربية، أو معظمها، لا تدرك أن هذه مجرد بداية. وما يحصل في فلسطين ليس ضد حماس بل ضد الشعب الفلسطيني وقضية العرب الأولى. كذلك ما يحصل في العراق ليس ضد «البعثيين» و«فلول النظام السابق» بل ضد الشعب العراقي وقضية العرب الثانية.

المواجهات الدموية التي تحصل يوميا في العراق وفلسطين هي بداية مشروع الربط بين الاحتلالين الأميركي والإسرائيلي. ونجاح أحدهما هو نجاح للآخر وفشل احدهما هو فشل للآخر. لذلك يتوقع ألا تكتفي الولايات المتحدة بالحدود العراقية لتأكيد سيطرتها كذلك تل أبيب لا يستبعد أن تنقل معركتها إلى خارج فلسطين بذريعة أنها تلاحق شبكات «حماس» وامتداداتها الإقليمية. ودعوة وزير الخارجية باول دول العالم للمساهمة والمشاركة في الحرب على «حماس» قد تكون تغطية سياسية أميركية لعمليات عدوانية تخطط لها «إسرائيل» ضد بعض الدول العربية مستقبلا.

حتى الآن لم تكشف الولايات ا لمتحدة كل أوراقها لا في العراق ولا في دول الجوار... إلا أن ما أظهرته حتى اللحظة من مشروعات ومهمات يكشف عن خطط كبيرة أوسع من دائرة دولة عربية واحدة. والإشارات المتعارضة التي تصدر تباعا عن الإدارة الأميركية يمكن الاستخلاص منها مجموعة أفكار تشير إلى وجود برنامج ينتظر المناسبات للإعلان عن محطاته وخطواته. فالسكوت الأميركي ليس دليلا على أن واشنطن اكتفت ببغداد وقد يعني فترة استراحة لهضم الفريسة وبعدها تبدأ بالانقضاض على دولة غير العراق. قد تكون الأساليب مختلفة إلا أن الأهداف واحدة وهي متابعة العمل على تنفيذ المشروع الأميركي في المنطقة بأدوات متقدمة لا تقوى دولة «إسرائيل» على تنفيذها وحدها. فالبرنامج الذي تطرحه واشنطن متفرقا في أفكاره وملاحظاته هو أكبر بكثير من قدرة دولة تدعى «إسرائيل» على تحمله وتنفيذه. لذلك تعتبر مسألة اسقاط العراق وتطبيع شعبه مع الاحتلال خطوة حيوية لاستكمال ما تبقى من خطوات في دول الجوار. وهذه الخطوات أكبر من حجم «إسرائيل» ولا تستطيع الأخيرة القيام بها منفردة.

الجديد إذا إلى جانب مشروع الربط بين العراق وفلسطين هو قيادة الولايات المتحدة للمشروع وتحويل شارون إلى «وصيفة أولى» في سياق استراتيجية كبرى تظن واشنطن أن منطقة «الشرق الأوسط» هي الميدان الرئيسي لاختبار مفاعيلها الإقليمية وتأثيراتها الدولية.

يبقى السؤال ما خطط جامعة الدول العربية لمواجهة هذه الاستحقاقات التي تطالب واشنطن العواصم العربية أن تسهم فيها وتشترك في حربها؟ فالحرب الآن وبعد تصريح باول لم تعد تقتصر على تنظيم «القاعدة» العجيب الغريب الذي لا أول له ولا آخر بل انتقلت أو توسعت لتطاول حركة «حماس»... وغدا ربما غير «حماس» من تنظيمات وهيئات اغاثة وغيرها من شبكات أهلية ومدنية وخدمية وطبية. فالحرب الإسرائيلية على حماس هي ضريبة مضافة على الدول العربية أن تدفعها إلى جانب حرب أميركا على القاعدة.

المشكلة أن المفهوم الأميركي عن «الإرهاب» مسألة مبهمة وربما يكون الغموض متعمدا حتى تكون الاتهامات مرنة تتسع وتتقلص بحسب الحاجات السياسية. والمشكلة الأكبر أن مواقف جامعة الدول العربية من المفاهيم الأميركية مبهمة أيضا وربما يكون غموضها يعبر عن خلل في قدرتها على التفاعل والفعل. فالعواصم العربية الآن أمام مشكلات كثيرة إلا أن الأساس فيها مطالبتها بدور لا تستطيع التعبير عنه أو تنفيذه... في وقت تستعد «إسرائيل» إلى خوض معركة حددت عنوانها (حماس) بينما الواقع هو أن حربها ضد الشعب الفلسطيني وفكرة السلام أو التعايش مع الدول العربية

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 281 - الجمعة 13 يونيو 2003م الموافق 12 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً