بعد يوم واحد على ما سميت بقمة السلام في الشرق الأوسط التي انعقدت تحت رعاية ملك الأردن عبدالله الثاني والرئيس الأميركي جورج بوش في العقبة، تساءلت صحيفة «فرانكفورتر ألجماينه» الصادرة في مدينة فرانكفورت ما إذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون جادا في تعهده بإزالة المستوطنات الموجودة في المناطق التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية وما إذا سيكتب النجاح لرئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس (أبومازن) في إقناع القوى الفلسطينية المناهضة لخطة السلام التي قدمها الرئيس بوش، بوقف أعمال العنف وتسليم أسلحتهم لأجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية. ويذكر أن استمرار وجود المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة التي يزيد عددها عن مئتي مستوطنة، عقبة كبيرة في طريق السلام بل هي أكبر مشكلة إلى جانب مسألة القدس. بالنسبة إلى الأمم المتحدة والدول الأعضاء فيها ومن ضمنها الولايات المتحدة، هذه المستوطنات غير مشروعة وهي نتيجة الحرب العربية - الإسرائيلية العام 1967. يحظر القانون الدولي إقامة مستوطنات على أرض خضعت لاحتلال. فقد سعت «إسرائيل» إلى إقامة مستوطنات لخلق واقع جديد في الأراضي التي غنمتها في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء وهضاب الجولان. وقد تخلت «إسرائيل» في العام 1979 عن مستوطناتها في سيناء بعد توقيع - في كامب ديفيد - معاهدة الصلح مع مصر. لكن «إسرائيل» عوضت على المستوطنين، بزيادة عدد المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة وضمت الجولان إليها.
كان حزب العمل اليساري وليس حزب الليكود، البادئ بسياسة الاستيطان. وفقا لآخر الإحصاءات يبلغ عدد المستوطنين اليوم 226 ألف مستوطن تستخدمهم «إسرائيل» بشكل حزام أمني وهذا ساعد في توفير أشكال الدعم لهم من الحكومة ومن المنظمات اليهودية العالمية. بالنسبة إلى اليهود المتطرفين فإن المستوطنين أبطال لأنهم يعملون في تصحيح مسار التاريخ والعيش في أراضي «إسرائيل الكبرى». غير أن هذا لا ينطبق على المستوطنين كافة فهناك مجموعة كبيرة منهم من اليهود الوافدين من أوروبا الشرقية والولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا، إذ يقيمون في المستوطنات لأنهم يدفعون أجرا زهيدا في حين يعملون داخل «إسرائيل» ولو حصلوا على فرصة الحصول على مساكن أفضل فإنهم سيختارون العيش بعيدا عن المستوطنات. وقد ساعد انتشار الدعاية الدينية بالإضافة إلى الخطط الأمنية، بقيام تحالف بين المستوطنين والحكومة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي الذي يوفر الحماية للمستوطنات كما يزود المستوطنين بالأسلحة. وقد ظهرت حركة المستوطنين المتعصبين (غوش إيمونيم) التي ساعدت كي تصبح سياسة الاستيطان جزءا من السياسة الإسرائيلية. وتعمل هذه الحركة في الدفاع عن مصالح المستوطنين وتجمع التبرعات باسمهم وتدربهم على استخدام السلاح وأتباعها على استعداد للقيام بأعمال عنف وهم يفعلون ذلك غالبا بالسر ولا أحد يعرف حقيقة قوتهم في حين يعتقد أن لهم أتباع داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية عدا عن التأييد السياسي الذي يحظون به داخل الحكومة وخصوصا من شارون الملقب بأب المستوطنين.
إن الانتفاضة الأولى في العام 1987 وصولا إلى اتفاق أوسلو ثم اندلاع الانتفاضة الثانية في سبتمبر/أيلول العام 2000، عبرتا بصورة رئيسية عن مقاومة الفلسطينيين لسياسة الاستيطان التي تنشط تحت مظلة الاحتلال ولم تعد منذ وقت مقتصرة على إقامة المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة بل في القدس الشرقية إذ أصبح عدد اليهود يزيد عن عدد السكان العرب وهذه محاولة سياسية الغرض منها الحيلولة دون حصول الفلسطينيين على مطلبهم بأن تصبح القدس الشرقية عاصمة لدولتهم التي نادت بها خطة السلام وينتظر العالم أن يجرى إعلانها في العام 2005. جميع الحكومات الإسرائيلية مارست سياسة الاستيطان والملفت للنظر أن عدد المستوطنات زاد خلال الفترة التي كانت تجرى فيها مفاوضات السلام في نهاية العام 1993. وقد مارست «إسرائيل» هذه السياسة غير المشروعة في عهد رئيس الوزراء السابق إيهود باراك. إن نظرة سريعة لخريطة المنطقة تكشف كيف أن المستوطنات الإسرائيلية مزروعة داخل مناطق الفلسطينيين ففي حين هناك طرق أقامها الإسرائيليون للربط بين هذه المستوطنات، تبدو المناطق الفلسطينية مجزأة مثل الجبنة السويسرية. في غزة على سبيل المثال إذ يعيش أكثر من مليون فلسطيني في فقر مدقع وعلى مساحة ضيقة، يعيش 5700 من المستوطنين اليهود تحت حماية قوات الاحتلال على مساحة واسعة تصل إلى ربع قطاع غزة. وفي الخليل يوفر أكثر من ألف جندي الحماية لأربعمئة مستوطن يعيشون بين 120 ألف فلسطيني.
منذ تسلم شارون السلطة قبل عامين ونصف العام تم بناء مئة مستوطنة جديدة حصلت بوساطة منه على إمدادات المياه والكهرباء كما تم توفير الحماية الأمنية لها. لا أحد في الغرب يعتقد حقيقة أن شارون يريد أو يستطيع أو لديه نوايا صادقة بإزالة المستوطنات. انه ليس مستعدا لإعلان قرار وقف بناء مستوطنات جديدة. فهو كغيره من اليهود المتشددين يعتبر المستوطنات تحقيقا لحلم قيام «إسرائيل» الكبرى بغض النظر عن الحاجة الأمنية لها. ويعتبر الفلسطينيون وجود المستوطنات على طول الخط الأخضر على حدود وقف إطلاق النار العام 1948 عائقا كبيرا في طريق بناء دولتهم المستقلة. إن الخطأ الذي وقع فيه الرئيس بوش، أنه أخذ وعد شارون على محمل الجد حين قال الأخير في العقبة إنه سيعمل على إزالة المستوطنات لكنه لم يتعهد بذلك كما انه ليس هناك من يجبره على إزالة المستوطنات. تسير الأمور في اتجاه لا يدفع إلى التفاؤل بخصوص نجاح خطة السلام: إذ يجري العمل في بناء سور لعزل قلقيلية الفلسطينية عن سائر المناطق الفلسطينية. شارون ليس على عجلة من أمره: يعلم أن الرئيس بوش سينهمك قريبا بالحملة الانتخابية لذلك أمام البلدوزر الكثير من الوقت قبل التفكير بتنفيذ المرحلة الأولى من خطة السلام. في الغضون وافق وزير المستوطنات الإسرائيلي إيفي أيتام التابع للحزب القومي الديني، على بناء أحد عشر ألف وحدة سكنية جديدة في أربع مستوطنات ولا أحد في واشنطن ولندن وباريس وبرلين يحتج على ذلك
العدد 280 - الخميس 12 يونيو 2003م الموافق 11 ربيع الثاني 1424هـ