العدد 280 - الخميس 12 يونيو 2003م الموافق 11 ربيع الثاني 1424هـ

«إسرائيل» هدّدت... ماذا نفعل؟

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هدّدت الحكومة الاسرائيلية بشن حرب مفتوحة ضد حركة «حماس» لا تستثني فيها الجناح المدني من ضرباتها العسكرية. وردّت «حماس» على تهديدات رئيس الحكومة ارييل شارون بالمثل معتبرة الإنذار الاسرائيلي بمثابة إعلان حرب.

ماذا تستطيع الدول العربية ان تفعل أمام هذا التصعيد، وكيف ستتعاطى معه في حال تحول التهديد إلى فعل حربي يومي؟ والجامعة العربية... ماذا تستطيع أن تعمل، وما هي ادوات الرد التي تملكها لاستيعاب تداعيات معركة ممتدة ربما لن تقتصر مساحتها في إطار حدودي ضيق؟

الشعب الفلسطيني لا خيار امامه سوى الدفاع عن نفسه بعد ان استنفد كل الوسائل السلمية المتاحة امامه لاسترداد حقوقه التي نصت عليها قرارات مجلس الأمن والاتفاقات الموقعة مع حكومات اسرائيلية سابقة.

وعدت «اسرائيل» بالانسحاب الكلي قبل أكثر من عشر سنوات ولم تنسحب. قالت انها تريد تفكيك المستوطنات بعد توقيع «اتفاق اوسلو» فأقدمت على زيادتها. ذكرت انها لن تستخدم اموال «ضمانات القروض» الاميركية في بناء المستوطنات في الضفة وغزة فاستخدمتها. طالبت واشنطن بدفع اموال لتمويل الانسحاب وتحديث الدفاع وأجهزة الأمن فاستغلت المساعدة لتثبيت الانسحاب وتطوير اساليب القتل وتدمير البنى التحتية للسلطة الفلسطينية. اعطت تعهدا بأنها لن تستخدم الاسلحة الاميركية في معاركها ضد المدنيين فنكثت بتعهداتها مستخدمة أحدث المقاتلات الجوية والصواريخ للاغارة على مواقع مدنية فلسطينية في غزة والضفة.

السلسلة طويلة، وكل حلقة أسوأ من السابقة. والولايات المتحدة لا تستطيع ان تفعل شيئا، لأسباب داخلية وخارجية ضد «اسرائيل». هددت واشنطن مرارا بقطع المساعدات المالية في حال وظفتها في بناء المستوطنات في الضفة وغزة ولم تحرك ساكنا حين خالفت تل ابيب تهديداتها. واستنكر البيت الأبيض مرارا استخدام «اسرائيل» الاسلحة الاميركية لقصف المدنيين داعيا تل أبيب إلى عدم تكرارها... وكررتها ولم يفعل سوى المزيد من الدعم المالي والمساعدة العسكرية.

أكثر من مرة اعربت الادارة الاميركية عن عتبها على اقدام تل ابيب على قتل المدنيين واضطهاد الانسان الفلسطيني وسلب حقوقه المدنية وردت «اسرائيل» بتجاهل التصريحات وتصرفت وكأنها موجهة ضد اطراف مجهولة. واكثر من مرة طالبت واشنطن تل ابيب بتنفيذ التزاماتها الدولية ومعاملة المعتقلين وأسرى الحرب كما تنص اتفاقات جنيف، فكان نصيب المطالبات الاهمال والاستهتار.

«اسرائيل» تتصرف مع الولايات المتحدة كالابن المدلل فهي تشاغب وتحرج في تصرفاتها «الأب» ويضطر الاخير إلى السكوت والتظاهر امام العالم بإعجابه بتصرفات ابنه وسلوكه المشين «وثقل دمه».

هذه السياسة موجودة منذ ايام هاري ترومان الذي أصر، مقابل اعترافه بدولة «اسرائيل» في العام 1948 على ان تقوم تل ابيب باعادة المهجرين الفلسطينيين إلى ديارهم، وادعت العصابات الصهيونية موافقتها على الطلب... فاعترف ترومان بالدولة العبرية وحتى الآن لم يعد الفلسطينيون إلى بلادهم بعد اكثر من 55 عاما على الوعد (النكبة).

هذه السياسة المزدوجة موجودة ومعروفة منذ نصف قرن، لكن الموضوع غير المفهوم هو مواقف الدول العربية وجامعتها من هذه السياسة. فحتى الآن تراهن معظم العواصم العربية على «الحلّ الاميركي» على رغم ان الوقائع اكدت وتؤكد ان واشنطن لا تستطيع ان تخرج على أبوتها للطفل المدلل «وثقيل الدم». وحتى الآن لاتزال معظم دول الجامعة العربية تربط المصير العربي بوعود اميركية لا حظّ لها في النجاح ما دامت «اسرائيل» هي الطرف الذي يجب ان يوافق بعد موافقة واشنطن. ومادامت تل أبيب غير موافقة يصعب على الولايات المتحدة الموافقة.

المشكلة ان الولايات المتحدة تدرك أن مصالحها مع الدول العربية ومشاعرها مع «اسرائيل»... إلا أن المشكلة الأكبر هي ان الدول العربية تظن ان الولايات المتحدة لا تدرك ذلك وتتصرف على اساس ان من واجب العواصم العربية توعية واشنطن بمصالحها وتنبيه اداراتها الى مخاطر تأييدها لتل ابيب على مصالحها في المنطقة العربية.

انها حفلة من الاكاذيب. «اسرائيل» تكذب على الولايات المتحدة، واميركا تكذب على الدول العربية، والدول العربية تكذب على نفسها... والانكى انها تصدق كذبتها مدعية ان هناك مشكلة في الاعلام العربي الذي فشل في ايصال قضيته إلى واشنطن في وقت نجحت «اسرائيل» في مهمتها الاعلامية.

قصر المشكلة على المسألة الاعلامية وضعف الاعلام العربي قياسا باللوبي الصهيوني الذي يسيطر على الشاردة والواردة في الولايات المتحدة هو جوهر الخرافات التي تروج لها بعض الانظمة لتبرير ضعفها وعدم قدرتها على مواجهة الحقائق. فاختصار المشكلة في مسألة اعلامية يؤكد وجود أزمة وعي ليس على مستوى ادراك اختلاف العلاقات بين اميركا و«اسرائيل» واميركا والدول العربية، بل على مستوى وعي المشكلة بحد ذاتها، وهي: ان الدول العربية لم تستخدم قوتها وقواها وقدراتها وامكاناتها في المعركة الفلسطينية.

هذا جانب. والجانب الآخر ان الولايات المتحدة لم تشعر بالضغط على مصالحها من الجانب العربي حتى تفكر في تغيير موقفها والانتباه إلى وجود كتل من الدول المجمعة في «جامعة عربية». فالدول العربية حتى الآن وفي معظم فترات تاريخها المعاصر لم تربط المصلحة بالسياسة والاقتصاد بالاصدقاء. بل انها في معظم الحالات كانت تحسن علاقاتها الاقتصادية بالاطراف التي تعاديها سياسيا وتقطع علاقاتها المصلحية بالاصدقاء والفريق الذي يتبنى القضايا العربية ويدافع عنها في المحافل الدولية.

حصل هذا الامر مرارا في ايام الاتحاد السوفياتي ويتكرر الأمر الآن مع فرنسا والمانيا وروسيا والصين وكل «دول الضدّ» التي رفضت الحرب على العراق. فالدولة التي دمرت وحرقت واحتلت يستقبل رئيسها ويعطى وحده مفاتيح «الشرق الأوسط» بينما الدول التي وقفت ضد الحرب تقف الآن تتفرج على المشهد المأسوي في مسرح فلسطين وتمنع عليها المشاركة السياسية وتحرم من الفوائد الاقتصادية.

المشكلة اذا ليست اعلامية وانما هي نتاج بؤس السياسة العربية التي لا تجيد سوى التحدث بلغة العواطف بعيدا عن العقلانية السياسية. فالعقلانية السياسية هي شرط من شروط تحديث مؤسسات الجامعة العربية وتطوير لغة الخطاب العربي ونقله من مستوى التخاطب العاطفي إلى نص موضوعي يقرأ العلاقات وفق صيغة توازن المصالح. هذه العقلانية السياسية اذا وجدت تخفف من الشروط الدولية التي تكبح الاجماع العربي وتعطل فعالية قراراته... واذا لم تتوافر فمعنى ذلك ان أية عملية اصلاح للهيكلية التنظيمية في الدول او الجامعة ستؤدي إلى ما يشبه الانهيار الشامل للعلاقات العربية - العربية كما حصل في الاتحاد السوفياتي حين حاول الرئيس الاخير (ميخائيل غورباتشوف) اصلاح الاتحاد (بريسترويكا) فانتهى به الأمر إلى انهيار المنظومة السوفياتية واختفاء المعسكر الاشتراكي من الخريطة السياسية

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 280 - الخميس 12 يونيو 2003م الموافق 11 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً