لعلّ أكثر الناس حسرة هم الذين يعيشون هذه الأيام ويرون ما حدث لعين عذاري... تلك العين التي سبحوا فيها واستمتعوا بطبيعتها وكانت تروي الزرع، وكان حتى نساء البحرين يذهبن لاستخدام الطين الموجود بمحاذاة العين وروافدها لغسل الثياب وغسل الشعر... تلك العين التي نضبت ويبست نخيلها وتقطعت من حولها عطشا استجابة للاهمال الذي لم يعرف عين عذاري وأصالتها وارتباطها بتاريخ هذا البلد.
العين أصبحت اصطناعية، وحتى هذا لم يفلح في اعادة جمالها، بل انها تشققت منذ اليوم الأول احتجاجا على دثر طبيعتها، وحدثت لنا مأساة وفاة أحد المواطنين ممن لم يكن يعرفها وهي طبيعية وسمع عنها كثيرا فذهب اليها للاستمتاع بمائها الاصطناعي ولكنه لم يهنأ بها كما لم نهنأ بها منذ زمن ليس بالقصير.
عين عذاري ارتبطت بالوجدان البحريني وبأمثاله الشعبية ولعلها كانت كما قال عنها أهلها: «تسقي البعيد وتحرم القريب». ذلك لأن ماءها كان يسقي الروافد التي تذهب الى البعيد عن عذاري، بينما الزرع القريب ينتظر من يغرف الماء ليسقيه.
لا يشك امرئ في أهمية عين عذاري ومحوريتها في تاريخ البحرين، فهي مع عين قصاري وعيون أخرى كانت عنوان الرخاء بالنسبة إلى البحرين، فبسبب تلك العيون كانت البحرين خضراء في مناطقها المأهولة. فقد كانت تدفع الماء آلاف السنين واجتذب ذلك الماء الحضارة للبحرين بدءا من دلمون قبل خمسة آلاف سنة. وقد وصفها أحد الرحالة في العام 1880 بقوله: «العين تروي النخيل على مسافة أميال من خلال قناة يرجع تاريخ انشائها إلى ما قبل الميلاد، ويتدفق ماؤها بقوة، ويبلغ عرض القناة عشرة أقدام بينما يبلغ عمقها قدمين، الماء يفور من العين نفسها التي تبلغ 30 الى 35 قدما، والماء يتصاعد من العين ومن قوته يقذف بالشخص الذي يقترب منه الى الأعلى.
المياه التي نضبت لا يمكن البكاء عليها الآن، ولكن يمكن أن تحيى آثار عذاري، فعذاري والعيون المنتشرة في كل مكان كانت تعطينا الخضرة والزراعة ولكن الآن تزحف علينا المنشآت الاسمنتية من كل مكان من دون وعي لخطورة اقتلاع الزرع.
لقد خصصت الأمم المتحدة يوما لمحاربة التصحر، هو 17 يونيو/حزيران، وبامكاننا أن نحارب التصحر في البحرين من خلال اطلاق مشروعات لتحويل بلادنا الى أرض خضراء مرة أخرى. فمن يذهب الى بعض المناطق التي كانت صحراوية في الخليج يلاحظ حركة في التشجير وتحويل الأراضي القاحلة الى أراض زراعية، ويمكننا أن نقوم أيضا بأعمال مشابهة.
دخلنا العصر الحديث واستنفدنا ماءنا الطبيعي ولكن لو استخدمنا وسائل العصر الحديث فبامكاننا استعادة الخضرة التي انتهت، والوسائل متوافرة وما نحتاج اليه الخطة الوطنية الشاملة للتشجير وتشجيع اعادة زراعة البحرين بوسيلة منتظمة. ولدينا حاليا تجربة شركة الخليج للبتروكيماويات في تكوين محمية بحرية وزراعة الأراضي المحيطة بالمصنع، وهذه التجربة يمكن تعميمها على مختلف مناطق البحرين.
في اليوم العالمي لمكافحة التصحر يمكننا أن نوقف البكاء على عذاري ونفكر كيف نعيد الحياة الى زراعة البحرين ونتبع الخطوات التي نفذت في مناطق كثيرة ونجحت ويمكننا بعد ذلك أن نفتخر ببحرين خضراء تستطيع العائلة أن تحصل على مناطق للنزهة فيها بدلا من حصر أماكن النزهة في المجمعات التجارية فقط، فلا يوجد بديل للهواء الطلق وللمناظر الزراعية الخضراء وللماء المتدفق. وقريبا ستكون لدى شركة ألمنيوم البحرين محطة كهرباء وبجانبها محطة تحلية للمياه، والماء فوق حاجة الشركة ويمكن استخدام كثير منه لتحويل جنوب البحرين من أراض صحراوية الى أراض خضراء بعد أن حولنا شمال البحرين وغربها من أرض خضراء الى منشآت اسمنتية.
مع تشغيل عقولنا قليلا يمكننا أن نفعل ذلك وأكثر، فبلد بارد ويغطي أراضيه الثلج مثل ايسلندا يستطيع الآن تصدير الطماطم الى البلدان الأخرى. وهذا النوع لا يوجد إلا في المناطق الحارة، والايسلنديون حولوا بحيراتهم البركانية الى مصادر للمياه الحارة المجانية وأوصلوها إلى المنازل والمزارع المحمية. بحيث تمكنوا من زراعة ما تزرعه البلاد الحارة... كل ذلك بفضل تشغيل جزء من الطاقة العقلية التي وهبها الله الانسان... فلنبدأ بالتفكير في بحرين خضراء «مستقبلية»
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 280 - الخميس 12 يونيو 2003م الموافق 11 ربيع الثاني 1424هـ