العدد 279 - الأربعاء 11 يونيو 2003م الموافق 10 ربيع الثاني 1424هـ

الخطاب الإعلامي العربي في عصر الفضائيات

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

إن المحور الذي يجذب الباحث للنظر والتمحيص في هذا الموضوع هو ذلك التحول الكبير ولربما كانت صيحة أو طفرة انتابت الاجهزة الاعلامية العربية والمستمع العربي وخصوصا بعد ظهور القنوات والمؤسسات الاعلامية والقنوات الفضائية المستقلة، فقد كثر الحديث ووصل الامر إلى مناوشات وحتى حدود القطيعة السياسية بين بعض الدول العربية، هل يحس المستمع العربي انه كان ألعوبة في يد اجهزة الاعلام العربية التقليدية أم ان المنهج الاعلامي الجديد والخطاب الإعلامي الجديد الذي يصفه العقاد (بالفاضح) لعب دوره في ايهام المستمع العربي بهذه الألعوبة وبتصديقها؟ وما الرسالة الإعلامية الحقيقية التي يتبناها اصحاب تلك المؤسسات والقنوات التلفزيونية الفضائية؟ هل هي كما تحدد إحدى القنوات الفضائية (نسعى لنقل الخبر... بصدق وأمانة)، وماذا عن تلك الفضائح السياسية التي تنتاب تلك القنوات بين حين وآخر.

كان للخطاب الاخباري الجديد الذي تبنته القنوات التلفزيونية الخاصة بالغ الاثر في شد المستمع العربي بشكل واضح، تلك المقدمات العاطفية والقاسية ذات الشكل الفضائحي كانت معول جذب قوي وتلك التحاليل الجريئة في طرحها بغض النظر عن صدقيتها كانت تؤثر في شريحة كبيرة من المستمعين ولربما كانت نسبة المصدقين لها كحقائق ليست قليلة، كان المستمع العربي يفتقد الاثارة وتناول الشأن المحلي في بلاده بطلاقة تحت بعض الانظمة التي لا تعرف الديمقراطية أو حرية الرأي إلا ببعض الصحف المحلية التي تدار ايضا بأيد حكومية بغية الظهور أمام العالم بالدولة الديمقراطية التي تتعدد فيها الآراء، ذلك المستمع كان تصنيفه ورأيه في تلك الفضائيات وخصوصا أنها صوت الديمقراطية والحقيقة القادم لانقاذه وانقاذ حلمه العربي.

في المقابل كان التحول الإعلامي في بعض القنوات العربية الحكومية مقبولا نوعا ما، على سبيل المثال (قناة أبوظبي الاماراتية) التي ظهرت بشكل مقارب لتلك الفضائيات اسلوبا ومنهجا في الطرح وإن كانت أقل جرأة ولربما اصدق قولا. كان هذا التحول في عدة قنوات دلالة ولو بسيطة على أن اسلوب الطرح وعنونة الاخبار كان محورا مهما ارتكز عليه البعض في اتهام القنوات الفضائية الخاصة بأنها قنوات (عناوين فضائح ليس إلا) ما حداهم إلى اتهام تلك الفضائيات بأنها (قنوات رخيصة تسعى للإثارة الشعبية وليست ذات رسالة إعلامية صادقة)، كما ان برامج القنوات التلفزيونية العربية الحكومية زادت من البرامج الحوارية الوطنية والسياسية في الموضوعات ذاتها المطروحة من قبل تلك القنوات وإن كان الهدف هو الرد الاعلامي وليس سياسة إعلامية مخططا لها من قبل فهي ردة فعل اكثر منها فعلا.

الصدقية نقطة التحديد

ما يهم هذا المحور هو هذا السؤال: هل تحمل الفضائيات الخاصة والأجهزة الإعلامية التي تديرها صدقية الرسالة الإعلامية الحق؟

إن كان الصدق وصدقية الخبر أهم اركان الخبر ومميزاته فقد كان نتاج القنوات الفضائية الخاصة ذات بعدين: الاول هو التغطية الاعتيادية التي تملك القناة القدرة على تحويلها إلى اكذوبات اخبارية، وهي في ذلك لا تحوي اي تميز أو صفة خاصة عن القنوات الرسمية الحكومية، والبعد الثاني تلك الاخبار التي تدار وتحرر بأمل السبق الإعلامي والعرض الحقيقي لبعض الامور العربية، وخصوصا التي لا تتحدث عنها الاذاعات او القنوات الحكومية العربية. وفي هذا البعد نجد الحقيقة والكذب متجاورين، فتارة يكون سبقا اعلاميا فاضحا بكل معنى الكلمة وتارة يكون تلفيقا يعيب القناة ويجرؤ عليها ردات الفعل التي تكون قاسية احيانا كمنع إعلانات الشركات والمؤسسات العاملة في نطاق الدولة المعنية في هذه القناة التي اذاعت اخبارا كاذبة لربما كانت تمس الأمن الوطني أو الوحدة الوطنية.

نتائج عامة

لم أود الوصول إلى نتائج محددة، فالموضوع شائك وبه الكثير من العوامل المؤثرة والمتداخلة، والتعميم في استخلاص نتائج ثابتة امر معقد نوعا ما وعندما اقدم بعض النقاط الرئيسية فهي ليست حقائق بل استنتاجات قابلة للرد والتحليل مرة أخرى وقابلة لمزيد من البحث والدراسة حتى تستوفى كاملة:

كانت القنوات والمؤسسات الإعلامية العربية بعيدة عن روح الحدث تفتقد الجرأة نتيجة الضغوط السياسية تارة ونتيجة ضعف الامكانات تارة أخرى.

القنوات الإعلامية العربية (الحكومية) كانت منبع الكوادر الإعلامية ومصدر المعلومات الأول في تطور الإعلام العربي ككل، فالقنوات الفضائية ككوادر ومعدي برامج هي امتداد لها من دون غطاء سياسي.

لم تكن الاجهزة الاعلامية العربية تمثل رسالة الاعلام الحقيقية بالصدقية والتناول الحر للقضايا الاخبارية لكنها لم تكن اداة حكومية مطلقا حتى مع كونها سخرت لهذا التوجه.

لا تمثل القنوات الفضائية الجديدة وأجهزة الاعلام الحديثة الخاصة اخباريا رسالة الاعلام الحقيقية فهناك الكثير من الشبهات في تأسيسها وأهداف رسالتها الإعلامية.

لعبت القنوات الفضائية الخاصة على الصعيد الاخباري دورا مهما وكبيرا في تطوير التحرير والصياغة الاخبارية في العشر السنوات الماضية كما انها خلقت روح التنافس بين القنوات الإعلامية في سبيل الوصول إلى السبق الإعلامي.

الاخبار العربية ليست رسالة إعلامية وليست أداة حكومية.

لم تكن النقاط التي ذكرناها واضحة النتائج، وإن كانت هذه النتائج الغامضة نوعا ما مقصودة الصوغ، فإننا نطمح من خلالها إلى بُعد جديد في طرق البحث العلمي الحديث الذي يعتمد على إعطاء القارئ فرصة سانحة وفورية لاستنتاج الحقائق التي يراها واضحة ومتجلية بين طيات البحث، فالبحث في المجالات الادبية بحث واسع الأفق لا حدود له، سواء كانت حقيقة الاخبار العربية والبرامج الاخبارية والتحليلية نموذجا للرسالة الاعلامية الحق التي كان واجبا على الإعلاميين العرب تبنيها أم كانت وسائل الاعلام العربية وادواتها اداة بيد الحكومات العربية والانظمة السياسية الحاكمة فالنتيجة الواضحة التي اردت الوصول اليها تتجلى في مفهوم واحد أن لا شمولية مطلقة عند اطلاق اي تعبير وصفي على الحركة الاعلامية العربية ككل، فالأمور تخضع للكثير من المتغيرات والتدخلات السياسية والثقافية وحتى التقنية والتكنولوجية، لقد كانت محاولة بسيطة نتمنى لها ان تكون أحاطت ببعض جوانب الموضوع ولو بالشكل المقنع الذي يشفع لها باعتبارها محاولة بحثية للكشف عن واقع اعلامي ادبي غامض زادت من غموضه الصبغة السياسية الممقوتة

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 279 - الأربعاء 11 يونيو 2003م الموافق 10 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً