العدد 279 - الأربعاء 11 يونيو 2003م الموافق 10 ربيع الثاني 1424هـ

الجامعة العربية... والعقلانية السياسية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

انهت لجنة «المتابعة والتحرك» العربية المنبثقة عن قمة شرم الشيخ اعمالها في المنامة. تتألف اللجنة من 13 دولة ومهمتها البحث في ثلاثة أمور رئيسية: الملف الفلسطيني، الملف العراقي، وإعادة النظر في هيكلية جامعة الدول العربية.

النقطة الأخيرة هي الأهم في جدول الاعمال لأن النجاح في تطوير الجامعة وتحديث بنيتها وميثاقها يضعان مختلف القضايا والمهمات في دائرة الفعل. بينما الفشل في تطوير الجامعة وتحديثها يجعل امكانات الفعل مجرد مسألة مزاجية تعود إلى ارادة الدولة ومدى استعدادها للتجاوب مع متطلبات مرحلة تتصف بالخطورة.

الملف الفلسطيني هو نقطة مركزية في وجود الفكرة العربية، واضيف إليه بعد قمة شرم الشيخ مباشرة الملف العراقي، وهناك ايضا ملفات ساخنة قيد البحث والتداول يمكن ان تضاف قريبا كالملف السوري اللبناني، والملف السوداني.

الملفات العربية كثيرة الا ان واقع جامعة الدول لا يشجع الدول المنضوية تحت قبتها على اللجوء اليها عند الحاجة بسبب ضعف بنية الجامعة وعدم قدرتها على «المتابعة والتحرك».

اصلاح هيكلية الجامعة مسألة حيوية وهي تتطلب المزيد من الجهود لنقل اطر الجامعة من دائرة استقبال المشكلات (الملفات) إلى دائرة معالجة عناصرها والتكاتف على حلها وفق صيغة تضامنية حديثة لا تكتفي في النظر إلى الموضوعات بل تضع خطط عمل وآليات لها.

وعدم قدرة دول الجامعة على حل المشكلات واستيعاب الملفات ووضع صيغ آليات للتحرك والمتابعة سيؤدي لاحقا إلى تأسيس مشكلة جديدة وهي ملف الجامعة العربية نفسه. فتراكم الازمات وتعددها وعجز «المؤسسة القومية» على استيعابها وحلها سيدفع الدول المنضوية تحت قبة الجامعة إلى البحث عن قبب أخرى تتمتع بالقدرة والفعالية وتملك آليات للمتابعة والتحرك لحل الازمات.

الدول العربية اذا امام مشكلة حقيقية والتأخر في وعيها يساعد على وضع المزيد من الصعوبات امام تحرك الجامعة ونمو دورها المركزي (القومي) في فهم ومعالجة الازمات الموروثة أو الطارئة. وعدم قدرة دول الجامعة على التفاعل مع الازمات وتجاوزها يشجع تلك الدول الصغيرة والطرفية والهامشية على الاستغناء عن «المؤسسة القومية» وإعادة ربط مصالحها وأمنها بسلسلة اتفاقات مع دول كبرى تتمتع بالمواصفات المطلوبة لتأمين الحماية وتشكيل مظلة سياسية - اقتصادية بديلة.

لا شك في ان اصلاح هيكلية جامعة الدول يخضع في النهاية إلى شروط موضوعية تتجاوز في حدودها العامة المتطلبات التنظيمية. فالخلل في اساسه يعود إلى مشكلات بنيوية تعاني منها اصلا «المجتمعات العربية» وانظمتها السياسية.

تضاف إلى هذه المعضلة سلسلة شروط موضوعية أخرى لها صلة بالنظام الدولي ودور الدول الكبرى في تعطيل أية محاولة اقليمية للتنسيق والتقارب ومنع تشكيل اي تكتل سياسي يسعى إلى تكوين قوة اقتصادية مستقلة عن هيمنة الشركات والمصارف والمؤسسات التي تعود ملكيتها لتلك الدول المسيطرة على النقد والتجارة الدولية.

هذه الفضاءات المحيطة بالدول العربية أسهمت منذ نهاية الحرب العالمية الاولى في تفكيك البنى التقليدية للمجتمعات العربية واعادت تشكيل دولها وفق انماط سياسية هي اقرب الى النموذج الاوروبي ولكنها لا تتمتع بمواصفات اجتماعية ثقافية أوروبية. وادى التفاوت بين بنية المجتمع وهيكلية الدولة إلى نمو نزعة السيطرة السياسية في الداخل مقابل التكيف مع الشروط الدولية التي تفرضها الدول الكبرى بحكم هيمنتها الموضوعية على النقد والتجارة.

هذا الأمر أعيد انتاجه بالمزيد من التفكك والتبعية في نهاية الحرب العالمية الثانية. وفي هذا الإطار لا يختلف الوضع العربي عن مجموع الأوضاع التي تعاني منها سلسلة لا تنتهي من «الدول المستقلة» في آسيا وافريقيا وأميركا اللاتينية.

فالمشكلة العربية على هذا المستوى مشكلة عالمية تعيشها معظم دول العالم الثالث وهي لاتزال تعاني منها على مستوى الواقع العربي أحيانا وأسوأ منه أحيانا أخرى.

التشابه لا يعني التطابق بين مشكلات الدول العربية ودول العالم الثالث. فهناك بعض الفروقات السلبية والايجابية. وأبرز النقاط السلبية وجود «إسرائيل» في المحيط العربي - الاسلامي الذي أدى الى افراز سلسلة سلبيات داخلية وكشف عن ضعف بنية النظام العربي وعجزه عن الدفاع عن أمنه. مقابل النقاط السلبية هناك ايجابيات غير ملحوظة في دول العالم الثالث وهي تمتع العالم العربي بمجموعة مواصفات وعناصر مشتركة كالدين واللغة والتاريخ والجغرافيا السياسية اضافة الى ثروات وأسواق ومواد خام لم يستثمر منها حتى الآن سوى النفط والغاز.

هذا الواقع الموضوعي في شروطه الدولية له صلة بالضعف العربي والخلل الدائم في النظام المشترك المتوافق عليه في صيغة «الجامعة» العربية. ولا شك في أن اصلاح الصيغة لا يقتصر فقط على تعديل الهيكلية التنظيمية لعلاقات الدول العربية مع بعضها في الجامعة وانما يحتاج الأمر الى اصلاح الخلل القائم في علاقات الدولة بالمجتمع... وهذا موضوع طويل من الصعب على الجامعة التدخل فيه.

وبسبب صعوبة التدخل في شئون الدول العربية تصبح مهمة اصلاح الخلل في العلاقات العربية - الدولية أكثر صعوبة الأمر الذي يعني ان اعادة النظر في هيكلية الجامعة يعادل مهمات ثورة ثقافية - سياسية كبرى تطاول مساحة جغرافية واسعة ومتنوعة في أنماط انتاجها ومتفاوتة في مستوى نموها الاجتماعي وغير متجانسة في وعي المصالح المشتركة للمنظومة العربية.

اصلاح الجامعة اذا مسألة معقدة فهي تتطلب الارادة الذاتية والوعي المركب الذي يربط الخاص (القطر) بالعام (القوم)... وتتطلب أيضا قراءة دقيقة للشروط الدولية التي تراقب بدقة كل التطورات التي يمكن أن تبادر بها أية مجموعات سياسية لتشكيل تكتلات اقتصادية اقليمية مستقلة عن مظلة هيمنة الدول الكبرى.

إلا أن الظروف الموضوعية وشروطها الدولية ومراقبة الدول الكبرى لأنشطة الدول الصغرى لا يلغي امكان التفكير في البحث عن صيغ تنظيمية أكثر تطورا تلبي حاجات الدول العربية وتأخذ في الاعتبار ظروفها الخاصة التي تمنعها من تنفيذ القرارات المشتركة التي تتخذها دول الجامعة في قممها المتلاحقة. فالرغبة دائما تصطدم بالواقع الموضوعي والقدرات الذاتية اضافة الى الحواجز الدولية (وتدخلات الدول الكبرى) التي تمنع أحيانا وتعطل أحيانا أخرى أي تحرك لا ينسجم مع مصالحها وأهدافها الاستراتيجية الكبرى.

انهت لجنة «المتابعة والتحرك» اجتماعاتها متفقة على مجموعة نقاط منها اعادة هيكلة مؤسسات الجامعة وهي مسألة مهمة وتأتي في وقت باتت الملفات الساخنة تتنوع وتتعقد وتزداد كمية. إلا أن الهيكلة تحتاج الى اتفاق عربي يقوم على قواعد عقلانية في فهم العلاقات الدولية وشروطها وفي قراءة الحاجات العربية المشتركة وعناصر ضعفها

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 279 - الأربعاء 11 يونيو 2003م الموافق 10 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً