العدد 279 - الأربعاء 11 يونيو 2003م الموافق 10 ربيع الثاني 1424هـ

العلم الحديث وما بعد الحداثة

العلوم والتخصصات في عصر ما بعد الحداثة كما يعتقد فلاسفة العصر هي ظواهر غير موضوعية بسبب تشابك هذه العلوم والتخصصات في مجتمع «القرن الحادي والعشرين». وافراز عالم تعقد الحالات الاجتماعية أو ما يسمى بانبثاق الظاهرة ما يكون هناك صعوبة بالغة للتميز بين الحقيقة والخيال.

وقد أثبتت فيزياء الكم انه لا يمكن تطبيق قوانين نيوتن على الكميات المتناهية الصغر، لذلك دعت الحاجة إلى ولادة نظرية الكم، في العشرينات من القرن العشرين، لإعطاء تفسيرات للظواهر الفيزيائية التي لا تخضع لنظرية نيوتن. وعلى رغم غموض هذه النظرية وعدم استيعابها من قبل الكثير من العلماء وحتى بعد سبعة عقود من اكتشافها فإنها استطاعت تقديم تفسيرات جديدة وكفؤة لظواهر معقدة. وأظهرت أن العلم أحيانا لا يرتفع إلى الأفكار المثالية في الطرق أو الوسائل العلمية.

والأهم أن القوانين ليست حقائق نهائية أو مغلقة وإنما هي نسبية أي تصلح في مجالات محددة، وظروف خاصة، وقد يكتشف تطورات العلم أن القوانين المدعاة لا أساس لها من الواقع، الأمر الذي يصنفها في خانة النظرية وليس في خانة القانون.

كما أعطت فيزياء الكم معاني أخرى للتقدم العلمي، وأوضحت أن محدودية نظرية الكم في القياسات لا تمكننا، مع كل التقدم العلمي، من إرسال المعلومات بسرعة الضوء، وأن الأنماط أو النماذج الرياضية للعلم الحديث إذا لم تكن صحيحة فهي ليست بالضرورة خطأ. والفرضيات هي ملاحظات لاختبار الأفكار العلمية إذا كانت عملية.

والتطور في فهم نظرية الكم واستخداماتها لأحجام متناهية الصغر في التكنولوجيا الحديثة أعطت أهمية بالغة للنظرية الرياضية Chaos.

وهي نظرية رياضية مهمة ولا تعني الفوضى أو الاضطراب أو «اللاتكون» كما يوحي الاسم بالانجليزية، وإنما نظام حركة قد تبدأ من مكان معين وتنتهي في مكان آخر مختلف نهائيا عن نقطة البداية. وقد تكون بداية صغيرة وتنتهي كبيرة مثل كرة الثلج. وقد تعطي هذه النظرية جوابا معينا لظاهرة ما، لكن الجواب يفسر جزءا من الظاهرة وليس كلها، أو يكون الجواب غير الذي نبحث عنه أو نتوقعه.

وهذا ما جعل العلم وحتى تطبيقاته ظاهرة غير موضوعية. وساهم هذا التطور في انماط التفكير العلمي على صعيد استخدام ادوات جديدة ومنطقية في اغناء حقل التجارب لتقديم تفسيرات علمية كما في وضع النماذج كعناصر جديدة لملائمة أو تقيم النتائج التجريبية واستخدام الكمبيوتر على سبيل المثال لا الحصر كنموذج مخطط لأجل خلق طراز مجسم لتصور البنية الجزئية لفيروس مرض الإيدز أو مرض (سارس Sars) في محاولة إيجاد تركيبة أخرى في إيقاف نمو هذه الفيروسات. ففي السابق كانت التجارب العلمية هي الدافع الأساسي للعلماء لتقصي الحقائق النظرية ومسبباتها وبالتالي تأسيس الجانب النظري للعلوم.

النماذج اليوم أصبحت أدوات تفكير مفيدة بل ضرورية لا يمكن الاستغناء عنها في عالم الكمبيوتر النافذ في تفاصيل العلم الحديث. وربما لا تعطي النماذج الحقيقية كلها عند تفسير شيء ما. وغالبا ما يقدم السؤال الجيد أو العميق في البحث النموذج الصحيح بصفته وسيلة حديثة في تطبيقات العلم الحديث للوصول إلى الجواب الصحيح.

وهذا يعني إسقاط مذهب الحتمية، كما في نظرية الكم أو قوانين Uncertainity لهايزنبرك، يقود إلى معيارية جديدة قائمة على عدم التحديد. وعدم قدرة تحديد الأشياء ربما ضرورية في تكنولوجيا النانو على سبيل المثال، النانو مشتقة من الكلمة الانجليزية (Nano) التي تمثل وحدة قياس صغيرة جدا، وهي جزء من المليار من المتر، بمعنى آخر هو الفهم والسيطرة على خواص المواد في المستوى الذري.

ويرى علماء ما بعد الحداثة ضرورة طرح إطار حاو على أنظمة معتقدات مع نماذج علمية (وآليات علمية) لمحاولة الوصول إلى حقيقة عدم وجود الاختلاف الكبير بين العلم والدين.

وعلى رغم حقيقة تعدد الحالات وتداخلها أو حقيقة دور العلم المركزي في حياة الإنسان المعاصر فان تطورات العلم الحديث تظهر جلية أكثر من السابق عن نسبية العلم واستمرارية سرعة تغيره فضلا عن مرونة تغير وسائله وآلياته





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً