مازلت أتذكر ما قاله جلالة الملك في بداية تولي جلالته مقاليد الحكم من: اننا يجب أن نبني تجربتنا الديمقراطية الجديدة على أسس متينة وواضحة، فالسلطة التشريعية عليها أن تكون نتاج وعي ديمقراطي بالحقوق والواجبات وبالمبادئ الديمقراطية، والسلطة القضائية يجب أن تتمتع بالاستقلال التام والكفاءة والنزاهة وسيادة القانون.
أما السلطة التنفيذية فعليها أن تكون قادرة على استيعاب التحوّل الديمقراطي، وعلى التعاطي مع المفاهيم والأعراف والأساليب الديمقراطية، وانه من أجل ذلك فانني سأحرص على ألا يمكث الوزير في وزارته أكثر من أربع سنوات، وقد يبقى البعض وفي حالات استثنائية اربع سنوات اخرى كحد أقصى، فالوزير الذي يبقى مدة طويلة في وزارة معينة يصبح او يشعر انه امبراطور يتصرف فيها كما يشاء، كما اننا - والكلام لجلالة الملك - سننظم للوزراء ما يشبه الدورات الديمقراطية، تماما كما يفعل الكونغرس الاميركي للأعضاء الجدد الذين ينتخبون وينضمون اليه، إذ يتدرب عضو الكونغرس - او الوزير عندنا - على السلوكيات وأساليب التعاطي الديمقراطي، فالديمقراطية لها أصول ولغة تفاهم، والشخص الذي اعتاد على الحديث من طرف واحد، او اعطاء الأوامر، يحتاج إلى التعود على الاستماع إلى الرأي الآخر، وإلى ان يقتنع بأن هناك رأيا ورأيا آخر، وانه لا يغضب من الرأي الآخر مهما كان نقده قاسيا، بل يعطيه المجال حتى يتم حديثه ثم يرد عليه مقارعا الحجة بالحجة والمعلومة بالمعلومة، ومن دون تشنج.
وأنا عندما أتذكر هذه الكلمات القيّمة التي قالها جلالة الملك وهو يطرح مشروعه الاصلاحي في اوائل العام 2000، فانني أود من هذا تأكيد اننا مازلنا بحاجة إلى مثل هذا التدريب الذي طرحه جلالة الملك، فهناك اشخاص مسئولون سواء كانوا وزراء او غير وزراء عايشوا وتولوا مسئوليات مختلفة في مرحلة ما قبل الاصلاح السياسي والديمقراطي، وإنهم واصلوا تولي هذه المسئوليات أو غيرها بعد ذلك، اي بعد بدء مرحلة التحوّل الديمقراطي، وبالتالي مازالوا يحملون كل مفاهيم وسلوكيات المرحلة الماضية، مثل الحديث من طرف واحد، وعدم تقبّل النقد وسماع الرأي الآخر، ومقابلة الانتقاد والاعتراض بالتهديد والوعيد.
واستمرار هذا الوضع من دون تغيير هو إعاقة للتحول الديمقراطي، بل واجهاض للديمقراطية
العدد 278 - الثلثاء 10 يونيو 2003م الموافق 09 ربيع الثاني 1424هـ