تعم صفوف المجتمع التجاري البحريني هذه الأيام موجة من الاستياء المشوب بمسحة من التذمر مصدرها عدم الرضا بالواقع الاقتصادي الذي يسود البلاد والذي يعتبره هذا القطاع غير صحي. وغالبا ما تنتهي نقاشات تلك الموجة بسلسلة من التأوهات المتحسرة على «ماض تليد» كانت خلاله البحرين في مقدمة صفوف الدول الخليجية، أو بقائمة طويلة من المقارنات مع الدول المحيطة مثل دبي وقطر اللتين نجحتا في الاستفادة من الفرص التي وفرتها فرص مثل الطفرة النفطية في السبعينات، فتقدمت الصفوف تاركة البحرين وراءها بمسافات يتوقع لها البعض ان تتسع، وتؤول النقاشات إلى إلقاء اللوم على الدولة وسياساتها التي تقف وراء حالات الفشل التي تسود البلاد والتي تعبر عنها الظواهر السلبية التي تناولتها تلك النقاشات.
لن نقف عند مسئولية الدولة ودورها ولن نعفيها من تلك المسئولية تاركين ذلك لمناسبة اخرى. كذلك لن نغوص عميقا في التحليل من أجل تحديد الأسباب بشكل علمي وعلى نحو دقيق على رغم أهمية ذلك وضرورته، وبدلا من ذلك سنكتفي، في هذا الحيز الضيق، بتسليط الضوء على بعض الظواهر، ولفت النظر إلى ممارسات بعض عناصر المجتمع الذي نعتقد انها تتحمل جزءا من مسئولية الموقع الذي وصلنا إليه.
ولعل نقطة بدايتنا - التي نعتقد انها صحيحة - هي غرفة تجارة وصناعة البحرين التي تقع على عاتقها اولى المسئوليات. فهي، ومن منطلق تلك المسئولية مطالبة بأن تسمعنا صوتها جهوريا وصريحا، وترينا موقفها بشكل جلي وواضح بشأن هذا الواقع. حتى الآن على سبيل المثال لا الحصر لم نسمع او نرى شيئا من ذلك القبيل عن برنامج لحكومة أو موازنتها، ولم نعرف حتى الآن كيف ترى الغرفة المشروعات الكبرى في البلاد مثل المرفأ أو درة البحرين أو فورمولا واحد. ولم تتساءل الغرفة عن اسباب توقف مشروعات مثل صيف البحرين. بل إننا نحضر ورشة عمل علمية اقامتها الغرفة كي تواجه القطاع التجاري والصناعي نحو فرص الاستثمار المتاحة امام القطاع الخاص في هذه المجالات سواء على المستوى المحلي الداخلي أو على النطاق الاقليمي الخليجي.
وما لا شك فيه ان الغرفة وهي من اعرق الغرف الخليجية وأقدمها نشأة، تمتلك رصيدا غنيا على الصعيدين الداخلي والاقليمي، وبوسعها متى ما احسنت تسخيره في هذا الاتجاه ان تحقق لنفسها كمؤسسة، وللقطاع الذي تمثله مكاسب لا يستهان بها.
بعدها ننتقل إلى القطاع التجاري والصناعي على المستوى المؤسساتي أو حتى الفردي. فتذمرات مؤسسات وافراد هذا القطاع لا ترافقها مواقف عملية تعبر عن ذلك التذمر. لم نسمع حتى الآن - باستثناء بعض الهمسات التي تدور في غرفة مغلقة، وبين جدران سميكة - عن موقف احتجاجي واضح وصريح بشأن سياسات الدولة ازاء ذلك القطاع او المشروعات التي تخاطبه. كذلك لم يحاول هذا القطاع ان يطرق القنوات التشريعية والقضائية التي تعيد له حقوقه التي صودرت جراء انعدام الشفافية في بعض المشروعات أو حينما لا تتقيد بعض ادارات الدولة بالمقاييس المفترض الالتزام بها عند اجراء او ارساء بعض المناقصات.
والطرق لا يعني بالضرورة الفوز لكنه، بلاشك يكرس سوابق تغرس مفاهيم الالتزام بالانظمة والقوانين ما يعزز من الشفافية وتطبيقاتها. والنتيجة هي تحول السوابق من حالات عرضية متناثرة إلى سلوك حضاري راق.
ومن القطاع التجاري والصناعي ننتقل إلى المؤسسة التشريعية وافرادها فالمطلوب من البرلمان واعضائه، وبدلا من الانغماس في القضايا الثانوية مثل تنقيب سائقات السيارات أن يتناول الملفات الاستراتيجية الساخنة ويوليها الاهتمام الذي تستحقه. ليس من المتوقع من البرلمان ان يتحول إلى مؤسسة مناكفة للدولة أو ان يضع نفسه بديلا لها، لكن من حقنا عليه ان تكون الموضوعات الاقتصادية ذات بعد وطني ومن اولويات جدول اعماله. والامر ذاته ينطبق على اعضاء مجلس الشورى في نطاق صلاحيتها واطرها القانونية والتشريعية.
نحن لا ننكر ان البرلمان لايزال يافعا وبحاجة إلى فترة يكتسب خلالها الخبرة والمكانة اللتين يسعى اليهما كي يشتد عوده ويتمكن من طرح القضايا المصيرية، وليس من العدالة بمكان تحميله ما يفوق طاقته. لكن ذلك لا يمنع من ان تكون الخطوات الاولى مبكرة بعض الشيء حتى وان شابها بعض التعثر. فقطع طريق الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة.
ومن الطبيعي ان نعرج ونحن في طريقنا نحو تشخيص العناصر المسئولة على الجمعيات السياسية، أو تلك التي تنشط في المجال السياسي، إن صح القول، وان نسألها: ما هو ثقلها الاقتصادي؟ أو بالاحرى ما هو الحيز الاقتصادي أو ربما اكثر تحديدا المالي الذي تحتله على الصعيد الوطني؟ اذ لا يمكن لمن يمارس دور المراقب ان ينخرط في صلب الحال التي يريد معالجتها. كما انه من الصعب على قطاع مثل قطاع التجارة والصناعة ان يقبل مواقف جهة خارجية، فما بالك باستعداده للانصات إلى اقتراحاتها أو توجيهاتها.
والمقصود بالانخراط هنا هو دخول هذه المؤسسات السياسية حلبة النشاط الاقتصادي والتجاري إما بشكل مباشر كمؤسسات أو على نحو غير مباشر عبر اعضائها ومناصيرها. هذا الانخراط سينقل هذه المؤسسات من موقع المعوق الذي يعتمد في دخله على المعونات والتبرعات، إلى موقع الفاعلية الديناميكية التي تتحول تلك المؤسسات من خلالها إلى خلية منتجة في جسم الاقتصاد الوطني. لعل مثل هذه الاطروحات تستفز البعض، وليس من المستبعد ان يسيء البعض فهمها، فيرى فيها نوعا من الدفاع عن الدولة، لكن حقيقة الامر ان القصد من وراء اثارتها وعلى النحو الذي اوردناه ليس الدفاع عن الدولة ولا تبرير سياساتها بقدر ما هو الحرص على إلقاء الضوء على بعض الظواهر التي نحاول ان نغض الطرف عنها، أو نتعمد تجاوزها لانها تضع النقاط على الحروف فنحمل المسئولية من يقف وراءها. فمن السهولة بمكان ان نلقي باللوم على الدولة في كل المشكلات التي يواجهها المجتمع، لكن ذلك لن يضع الامور في نصابها، ومن الطبيعي ان يحرف انظارنا عن رؤية الحقائق
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 278 - الثلثاء 10 يونيو 2003م الموافق 09 ربيع الثاني 1424هـ