العدد 278 - الثلثاء 10 يونيو 2003م الموافق 09 ربيع الثاني 1424هـ

رسالة إعلامية أم أداة سياسية؟

الأخبار العربية...

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

تختلف القراءات التحليلية في أي مجال من المجالات العلمية، إذ ان كل علم من العلوم الانسانية له أبعاده ورواده ولرواده مذاهب وتوجهات متوافقة ومتجانسة تارة أو متناحرة ومتضادة تارة أخرى في أقل تقدير، فقلما تجد القراءة التحليلية المعتمدة والمرتكزة على النقد المحايد من دون التأثر بأحد الأسس التي يبنى عليها هذا العلم أساسا، أما وإذا كانت قراءتنا متخصصة في مجال من مجالات الاعلام العربي النابع والمعتمد على الأدب العربي فإننا بالتأكيد لن نكون قادرين على الاحاطة الشاملة بجوانب البحث ولن نصل لتحقيق تكامل في القراءة النقدية في هذا الموضوع لكثرة المدارس الادبية والسياسية وتعدد الآراء بشكل عام.

الإعلام العربي وتحديدا (الأخبار العربية) بمفهوم شامل عندما نستعرضه متكاملا وشاملا فإننا نلقي الضوء على هذه الفعالية الإعلامية العربية مستنيرين بآراء الخبراء والنقاد من الجانبين العربي والغربي، نسعى بذلك لأن نكون كالمراقب من الخارج ولسنا بالذات تحت البحث.

من خلال هذه القراءة البسيطة نسعى إلى ان نصل إلى حقيقة نتوقعها ولن نجعلها نتيجة نتوصل اليها رياضيا أو عقليا من خلال صفحات البحث، فالحقيقة في الإعلام ضبابية إذ ترتبط وجوه الكشف عنها بمجالات أدبية مفعمة بسمات الأدب العربي ذي الخيال الواسع الطيف، والذي يتميز بالبعد عن التحديد، ذلك التحديد الذي تتقنه الدراسات الادبية الغربية في طرحها سواء على الصعيد التحريري للأخبار أو حتى الصعيد القصصي والشعري، للقارئ هنا حق استلهام الحقيقة واكتشافها بين طيات البحث من بين المعطيات والنتائج التي نسردها في دراستنا.

إن التحليل أو استعراض ما هو واقع أسهل بكثير من تحليل ما هو مستتر أو متوقع، الأخبار العربية هي امتداد لرسالة الاعلاميين العرب، نستطيع ان نجعل من الأخبار العربية مصطلحا ومضمونا وخصوصا ان بداية الخدمات الاعلامية العربية كانت مقتصرة على الجانب الاخباري انها هي (الرسالة الاعلامية العربية) ككل، ونظرا إلى نظرية الالتصاق التي اشرنا اليها بين الرسالة الاعلامية العربية والاخبار العربية وبالمثل للالتصاق الحاصل بين الرسالة الاعلامية العربية وبين المثل والاهداف والاطر السياسية العربية فإننا ملزمون بأن نستعرض ونبحث الأخبار العربية وكأننا نبحث ونستعرض (الرسالة الاعلامية السياسية العربية) نضيف مسمى السياسية هنا لتحديد المفاهيم بوضوح اكثر للقارئ، فالشواذ التي كانت موجودة في الإعلام المصري الحر أو بعض بلاد الشام او المغرب العربي وخصوصا الجماهيرية الليبية وإن كانت حاضرة يسجلها التاريخ فهي حالات تغنينا عن التعامل المنطقي مع الأمور وتجعلنا ندور في دائرة لا نهاية لها.

إن التفرقة بين الاخبار العربية والرسالة الاعلامية العربية مضيعة للوقت وخوض جدلي لا نتيجة منه ولسنا باعتمادنا المذكور خارجين عن القراءة المحايدة بالتأكيد.

يرى ارسطو في رسالته الثالثة في الخطابة أن على المرء حين يتكلم ان يراعي وسائل الاقناع المؤثرة في المستمع وان يهتم بالاسلوب واللغة في العرض وان يرتب حديثه وأفكاره ومعلوماته وفقا لمقتضيات اللغة التي يكتب بها ايا كانت اللغة التي يتحدث بها، ويحدد ارسطو هذه الاطر في مقولته المشهورة (لا يكفي ان يعرف المرء ما ينبغي ان يقال، بل يجب ان يقوله كما ينبغي).

يقول ما كدوغال كورتيس في كتابه (مبادئ تحرير الأخبار): «مهما كانت المتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي ستحدث في المستقبل فإن ما لا يمكن تصوره مجيء وقت لا يوجد فيه أولئك الذين يكرسون وقتهم لمعرفة ما يحدث لنقل المعلومات إلى الآخرين مع شرح مناسب لمعنى ومغزى هذه المعلومات». ومن واقع هذه النظرية ومن واقع ما سطره ماكدوغال في كتابة ككل من اساسيات وقوانين للصياغة الاخبارية المناسبة والمتطورة نرى مجاراة وسائل الاعلام العربية لهذه الطفرة وان كانت تلك المجاراة متأخرة السبق وقليلة الانتاج والتفرد الحقيقي في لغة الاعلام العصرية.

إن الرغبة الاشباعية المعلوماتية فطرة انسانية قبل ان تكون طفرة انسانية اجتماعية في تاريخ التمدن والحضارة الانسانية، كان هذا التأخر نتيجة طبيعية لوقوع عالمنا العربي تحت براثن الاستعمار العسكري أولا ومن ثم الاستعمار الثقافي ثانيا، ومن الظلم ان نرى الرسالة الاعلامية العربية أو ان نصفها بالعجز أو الخمول، فالغرب كانت له مواقفه الاستعمارية التي حجمت السياسة العربية والرسالة الاعلامية بالتواتر مرة بالقوة العسكرية ومرة بالدبلوماسية السياسية.

الاخبار العربية كمضمون تميزت بالكثير من السياسات لها أطرها ومبادئها الخاصة وليست بالضرورة انها السبب فيما تمر به الأمة العربية من واقع سياسي واعلامي مر، فقد كان التركيز على بعض القضايا المهمة من المنظور العربي طبيعيا، كالاهتمام بالقضية الفلسطينية والتصعيد العربي الاسرائيلي والحرب العراقية الايرانية وكان الاهتمام بالقضايا المصرية على وجه الخصوص امرا طبيعيا لما تمثله مصر كرمز سياسي يمثل قلب الامة العربية النابض، وليس هذا الاتجاه في حد ذاته يعتبر تشويها للرسالة الاعلامية فالاخبار بمفهوم اعلامي تولي اهتماما خاصا للواقع السياسي الاقليمي، كذلك ومن اطر الطرح والترتيب في البرامج الاخبارية الاهتمام بالبعد الجغرافي والاطر الدينية الثقافية، فليس التوجه الذي اتخذته الانظمة العربية موضع نقد أو اعتراض.

وفي جهة اخرى يعتبر المستمع العربي المتلقي للمادة الاخبارية جزءا من عملية الرسالة الاعلامية وتحديدا في التحرير الاعلامي ومع ان المستمع لا يشعر بذلك، فإن الحديث اولا واخيرا موجه له وهو مضطر إلى المساهمة الخلاقة في نوع من انواع الاتصال غير الشخصي. ومن هنا يصنف (ماتلوهان) البشرية إلى اجناس اعلامية مستقبلية للخبر وعلينا ان نعرف طبيعة كل جنس حتى نتمكن من السيطرة عليه واستخدامه بفاعليته لانتاج خطة الاعلام الموضوعة والتي تهدف المؤسسة أو الكيان الاعلامي إلى تحقيقها، ومن هذه النقطة نضع المستمع العربي في قائمة المسئولين عما قدمته وسائل الاعلام العربية فهو شريك اعلامي وليس مستقبلا وحسب، وخصوصا ذلك الرعيل من المثقفين المصريين والشاميين الذين اتوا من بلاد الغرب (خصوصا فرنسا) فقد كان نشاطهم الاعلامي منصبا على الصحافة المكتوبة التي كانت تهتز بين فترة واخرى لعدة اسباب حكومية تارة ومالية تارة أخرى ولربما كان الصاق التهمة بالمستمع العربي فيه بعض التهوين من التجريح والقدح الذي يملى على الحكومات العربية والانظمة الاعلامية العاملة بها.

مما سبق نود تحديد بعض النقاط المهمة حتى يتسنى لنا التركيز على نقاط محورية، من الأسئلة المطروحة. هل الإعلام العربي والرسالة الإعلامية العربية اخباريا عبر شتى الوسائل الإعلامية العربية تمثيل لتطور اجتماعي وتقني فتكون الأخبار العربية اشكالا اعلامية تمثيلا لرسالة إعلامية نزيهة أم هي كانت ومازالت وسيلة بيد الانظمة العربية فتكون انتحت جانبا عن الهدف الاعلامي الحر وأصبحت أداة سياسية تنقل ما تشاء الأنظمة وليس ما يفترض ان تنقل؟

من الصعب ان نحكم في سياق هذا على ان الرسالة الاعلامية كانت أداة سياسية وحسب، فالقرار السياسي طبعا يؤثر إن لم يكن اساس المنهج الاعلامي في كل بلد من البلدان في العالم، وليس نقيصة بالجهاز الاعلامي حين نصفه بالأداة السياسية بل لربما كانت احدى وظائفه الرئيسية التي انشئ لأجلها.

الاعلام العربي اخباريا كان يخدم السياسات الإعلامية عموما وهي وظيفة طبيعية، ولن تكون المبالغ المرصودة في مجال الاعلام العربي سببا وذريعة لتصديق نظرية المؤامرة السياسية لتضليل الشارع العربي عبر وسائل الإعلام فالمخصصات التي خصصتها الدول العربية لهذا المجال محدودة، ومن جهة اخرى لم تكن اهتمامات الإعلام العربي مستنكرة لدى الشارع العربي، فالقضية الفلسطينية والشأن العربي الاسرائيلي كانا ومازالا محور الاهتمام الاول لدى الشارع العربي حتى مع ظهور الاجهزة الإعلامية الجديدة والمثيرة للجدل كالجزيرة والمستقلة وقناة اي ان ان. فقد كانت المادة المطروحة إعلاميا واخباريا ثابتة ويجزم البعض بأن محور التدخل ولو حواريا في السياسات الداخلية للدول واستقبال صوت المعارضة في كل مكان ووضع بعض الموضوعات والاسماء السياسية العربية تحت المجهر والرقابة هو جديد القنوات الخاصة وهذا ما لم تتعود عليه الشعوب العربية في استقبالها المواد الاعلامية والاخبارية من الاجهزة الاعلامية المعتادة، حتى صورها النقاد بأنها امتداد لتفاعل المجتمع مع ظهور الانترنت والدعاية للعولمة

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 278 - الثلثاء 10 يونيو 2003م الموافق 09 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً