العدد 278 - الثلثاء 10 يونيو 2003م الموافق 09 ربيع الثاني 1424هـ

الجامعة العربية... وأزمتها

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

فشل الانقلابيون في محاولتهم السيطرة على موريتانيا، وعاد النظام السابق إلى مواقعه سالما بعد معارك يتوقع لها أن تمتد... وربما اتخذت طابعا أهليا ضد فئات سياسية أبدت مرارا تخوفها من حكومة نواكشوط ومبالغتها في اتخاذ خطوات معادية للعرب باسم «التنمية» والعروبة باسم بناء علاقات خاصة مع «إسرائيل» بتشجيع من الولايات المتحدة واحيانا من فرنسا.

إلا أن مشكلة موريتانيا أعمق بكثير من شعارات «التنمية» والعلاقات مع «اسرائيل»... إنها أصلا مشكلة بدأت من سؤال الهوية ودور الدول الطرفية (الهامشية) في المعادلة العربية - العربية. ومشكلة موريتانيا في هذه المساحة ليست خاصة بل عامة وتشمل الكثير من الدول العربية الواقعة على اطراف الأمة وانتسبت حديثا (في الستينات أو السبعينات) إلى جامعة الدول العربية. ففي الفترة المذكورة شهدت مؤسسة الجامعة «القومية» نموا تضخميا في الأعداد المنتسبة إلى درجة كان من الصعب عليها استيعاب حاجات تلك الدول العربية الجديدة وفهم خصوصيات مطالبها.

التراكم العددي شكّل قوة جغرافية - سكانية لمؤسسة الجامعة إلا أنه طرح عليها سلسلة تحديات جديدة لم تقوَ على فهمها واستيعابها. فالميثاق الذي تأسست عليه لم يلحظ في بنوده تلك المستجدات التي تقتضي بعض المرونة في وعي مصالح سلسلة دول تقع على اطراف الأمة وتعاني من مشكلات خاصة تضغط عليها من الحدود وتنعكس سلبا على الداخل. كذلك تكرر الأمر مع دول عربية تقليدية وتحديدا تلك الدول التي تواجه مشكلات داخلية (عرب وغير عرب) أو حساسيات على حدودها الافريقية والآسيوية.

الجزائر مثلا تعاني من تلك المشكلة (عرب وبربر) مضافا اليها توترها الدائم على حدودها الجنوبية واضطراب علاقاتها مع المغرب بسبب الصحراء الغربية (البوليساريو).

ليبيا كذلك تعاني من مشكلات دائمة مع حدودها الجنوبية الأمر الذي ورّط «الجماهيرية العظمى» في سلسلة حروب فاشلة مع تشاد (المسلمة) فضغطت عليها سياسيا ونفسيا. وبسبب من تلك الضغوط السياسية - النفسية على طرابلس الغرب لجأ العقيد معمر القذافي إلى التهديد مرارا بالانسحاب من الجامعة العربية وإعلان ليبيا دولة إفريقية وغير عربية.

العقيد القذافي هو من الامثلة التي يمكن اتخاذها نموذجا للتعبير عن الأزمة العميقة التي تعاني منها الجامعة العربية لانها تطاول مسألة الهوية وموقع الجامعة ودورها في المساعدة على حل المشكلات أو على الأقل وضع آلية جديدة لفهمها واستيعابها. فالقذافي المعروف بتطرفه العروبي ومغالاته وتشدده في هذه المسألة منذ وصوله إلى الحكم بانقلاب الاول من سبتمبر/ أيلول 1969 في أيام جمال عبدالناصر وصل به الامر بعد 35 سنة من وجوده في السلطة إلى إعلان تنصله من العرب وانتسابه إلى الافارقة.

القذافي في هذا المعنى هو معيار ذاك التحول الكوميدي - الدرامي من بطل العروبة و«أمين القومية العربية» وفق التسمية التي أطلقها عليه عبدالناصر قبل رحيله بسنة إلى رئيس «جماهيرية عظمى» يشعر بالعزلة والابتعاد في مشاعره ومصالحه عن جموع الدول العربية المجاورة والبعيدة عنه. فالعقيد عاتبٌ على العروبة والعرب والجامعة العربية. فهو توقع ان الدول العربية ستنتصر له في معركته ضد تهمة اسقاط طائرة «بان اميركان» فوق بلدة لوكربي في اسكتلندا الا انه لم يجد سوى القليل من التفهم .

وتوقع ايضا ان الدول العربية سترفض قرار عزل ليبيا ومنع الاتصال بها أو الطيران اليها بسبب القرارات الدولية إلا انه لاحظ التزام الدول العربية بتنفيذ قرار مجلس الأمن الذي فرض الحصار على «الجماهيرية» لمدة تزيد على عشر سنوات.

حنق القذافي هو مزيج من الاحباط والتوتر الداخلي والاضطراب الحدودي. فالتوقع حين يفوق حده الواقعي يسقط صاحبه في سلسلة ردود فعل تدفعه إلى الوراء واحيانا ضد الفكرة التي كان يوما هو «بطلها» أو «أمينها» كما وصفه عبدالناصر.

مشكلة ليبيا ليست وحيدة في هذا الشأن. فالإحباط السياسي يخلف احيانا سلسلة ردود فعل لا تنسجم احيانا مع شخصية المجتمع وطبيعة الدولة. وهو أمر حصل مرارا مع الصومال، والسودان، والعراق خلال فترة حربه ضد ايران، والكويت خلال أزمتها مع نظام صدام حسين، ولبنان خلال فترات المواجهات الممتدة مع «اسرائيل» منذ العام 1968 إلى تهديدات ارييل شارون المتكررة باعادة اجتياح لبنان وضرب بنيته التحتية كما فعل في العام 1982.

حتى ياسر عرفات فقد أبدى مرارا انزعاجه من إهمال جامعة الدول العربية القضية الفلسطينية ووضعها في المرتبة الثانية من سلسلة قضايا كانت تمر بها الأمة في فترات الحرب مع إيران أو أزمة الكويت.

حتى مصر في أيام الرئيس أنور السادات عانت من مشكلة العزلة حين اختلفت القاهرة مع المجموعة العربية بسبب الموقف من «اسرائيل» وعدوان الأخيرة على العرب والدول العربية. فمصر آنذاك عبرت عن تضايقها ومللها من الدول العربية ومشكلاتها التي لا تنتهي وأدت إلى توريط القاهرة (عبدالناصر) في أزمات متكررة أنهكت الجيش والموازنة وجاءت على حساب التنمية الاجتماعية ورفاهية الشعب المصري.

حتى مصر وصل بها الأمر في فترة محددة إلى التبرم من العرب والعروبة والجامعة العربية فاضطرت دول الجامعة إلى اتخاذ قرار بنقل مؤسسات الجامعة ومركزها من القاهرة إلى تونس.

إذن لم تبق دولة عربية الا وأبدت تذمرها من ثقل الجامعة العربية أو من قلة أهميتها وقت الأزمات وحين تضغط الحاجة اليها. فالازمة عميقة وشاملة وتطاول اكثر من جانب من جوانب مهمات الجامعة، فهناك نقاط تتناول موضوع الانتماء والهوية، وهناك نقاط تتناول الموقع والدور، وهناك نقاط لها صلة بتراتب اهمية الدول بين تلك المركزية والهامشية والكبيرة والصغيرة واخيرا دول المركز (القلب) والاطراف (الحدود).

هذه الأزمات حقيقية وموجودة وبعضها مفتعل الا أن أساسها يطرح سلسلة تحديات أمام جامعة الدول التي اختلفت وظائفها عن تلك التي سادت سنوات الخمسينات والستينات. فالتحديات الجديدة تفرض على ادارة الجامعة وعاصمتها العمل على استيعاب تلك المستجدات والبحث في تحديث اسلوبها وبنيتها وميثاقها لتجديد آليات دورها. الجامعة مؤسسة يجب ان تبقى، والسؤال: كيف؟

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 278 - الثلثاء 10 يونيو 2003م الموافق 09 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً