الندوة التي نظمتها الجمعية البحرينية للجامعيين توضح مدى الانفتاح الذي حدث في أسلوب تعامل المسئولين عن جامعة البحرين مع المجتمع. فعلى رغم ان الجامعة مازالت لا تعترف بضرورة وجود اتحاد طلابي ولم تسمح بانتخاب جميع الهيئات الطلابية (لأسباب فنية كما تقول الجامعة) فإن مشاركة مسئول مهم من الجامعة في اجتماع ينظمه الجامعيون تعتبر انفتاحا حقيقيا لا بد من الاشادة به. هذا الانفتاح لم يتوقعه طلاب البحرين والجامعيون الذين تخرجوا ولكن تهمهم الجامعة ودورها ومستقبل الجامعيين ودورهم في المجتمع والاقتصاد.
ان تخرج 8500 طالب سنويا ودخولهم سوق العمل يمثل ضغطا على الاقتصاد فيما لو نظرنا الى الجامعيين على أنهم مجرد عبء، ويمكن في الوقت نفسه أن نقول - لو أحسنا سياستنا التعليمية والاقتصادية - إن هذا العدد يوفر للبحرين فرصا مهمة للتنمية الاقتصادية. وبداية الطريق هي الاستماع للآخرين، والجامعة بدأت تستمع الى طلابها وللمهتمين بالشأن الجامعي. ورئيسة الجامعة والمسئولون الأساسيون وعمداء الكليات أصبحوا يهتمون بكل ما يكتبه الطلاب أو الصحافيون في الصحافة. ويوم أمس الأول تسلمت مكالمة هاتفية من إبراهيم غلوم يناقش فيها ما كتبه أحد طلاب الجامعة عن دراسات الاعلام، ومجرد استعداد العميد والمسئول الأول عن هذه الدراسات للدخول في نقاش مع طلابه حول ما يقولونه يعتبر مؤشرا آخر على مدى الانفتاح الذي بدأت تسير عليه الجامعة. وأملنا أن تتواصل هذه المؤشرات ويتواصل التعاون مع ممثلي الطلبة ومع مؤسسات المجتمع المدني المعنية بالشأن الجامعي.
ولا توجد نصيحة نقدمها الى أشخاص لديهم باع في الفكر والثقافة، ولكن يمكننا أن نتعلم من بعض بعد أن نفتح قلوبنا وعقولنا على أنفسنا ونتفاهم حول أفضل الطرق لخدمة مستقبل البحرين. فانتقادات الجامعات لا تحصل فقط في البحرين بل انها في كل أنحاء العالم. إذ الجامعات هي المرحلة الانتقالية بين الحاضر والمستقبل، والذين يدرسون في الجامعات من المفترض أنهم «يطبخون» المستقبل الأكثر إشراقا.
جامعاتنا الرسمية والأهلية تحتوي على أكثر من 25 ألف طالب، وهذا عدد كبير جدا بالنسبة إلى بلدنا البحرين، ويعتبر طاقة جبّارة وثروة حقيقية. والجامعة مازالت مثقلة بأساليب تدريس قديمة تناسب الماضي أكثر من المستقبل. وهذا ليس ذنب الجامعة بقدر ما هو تحدّ حقيقي لكل من يعمل في الجامعات. فالجامعات اليوم يفترض أنها تجاوزت الاسلوب البدائي (الكتابة على السبورة وصف الطلاب أمام الأستاذ، وفتح الكتاب أو أوراق المحاضرة ثم إغلاقها)... في عدد من البلدان يتم اشراك شركات التقنية الموجودة في السوق لدخول الجامعة في السنة الأولى بهدف ربط كل ما يقوم به الطالب بتقنية المعلومات، فأساليب التعليم بطريقة التعامل وأدوات الدراسة كلها متطورة وتعتمد على الوسائل الرقمية الحديثة. والشركات التي تشترك في هذا المجال تساعد الجامعات الوطنية وتستفيد هي ذاتها من ذلك مستقبلا، ويمكنها أيضا اكتشاف مواهب لتطوير وسائلها وسلعها وخدماتها.
إن الجامعة يجب عليها دخول عالم المعلوماتية لأن لا فائدة من الجامعة من دون هذه الوسائل الحديثة ومن دون ربط الطالب بعالم المعلومات. فكل طالب ينبغي أن يعشق دخول الجامعة لأن الجامعة توفر له أجواء تربطه بالعالم الخارجي ولأن دروسه كلها أصبحت جزءا من السوق المحلية. فهو يرتبط بأمور لها علاقة بالمجتمع ويمارس عمله بالارتباط مع شركات السوق، ولدى كل طالب وسيلة الكترونية للاتصال بهذا العالم، وهذه الوسائل الالكترونية توفرها الشركات قبل الجامعة، لأن مستقبلنا أصبح مرتبطا (في جميع التخصصات) بقدرتنا على الدخول في عالم المعلوماتية الذي يفتح لنا الآفاق شرقا وغربا وشمالا وجنوبا.
ولنتذكر أن الانترنت بدأ في المؤسسة العسكرية الأميركية في بداية السبعينات ولكنه لم ينتشر في مطلع التسعينات إلا بعد أن تسلمته المؤسسة التعليمية، وبعد ذلك حدث الانتقال الفعلي الى عالم المعلومات الزاخر بكل شيء.
أثناء زيارتي الجامعة قبل عدة أسابيع كانت المناقشات بين الأساتذة تدور حول الحصول على هذا الجهاز الرقمي لتحديد طوبغرافية البحرين، وذلك الجهاز الرقمي لمساعدة المعوقين، الخ. كل شيء يدور حول الأجهزة الرقمية التي من خلالها نستطيع خلق قدرات فاعلة في المجتمع. فالأجهزة الرقمية لا تختص بدراسة الحاسوب، لأنها في كل شيء وهي عامل ثابت ومتحرك في الوقت نفسه، ثابت لأنه مطلوب دائما، ومتحرك لأنه ينقل الطالب من حال الجمود في الأساليب الى التفاعل مع العالم الخارجي وإعداد الذات من أجل مستقبل أكثر اشراقا له عندما يتخرج.
الجامعات في الدول الأخرى ليست لصرف الموازنة المخصصة لها من الدولة أو من الهيئة المالكة لها، وانما لإنتاج المعرفة ولتحصيل نسبة كبيرة من مدخول الجامعة عبر التفاعل المباشر مع السوق. وهذا نجاح تحقق في بلدان كثيرة بما في ذلك بنجلور في الهند وكراتشي في باكستان اللتان أصبحت مؤسساتهما التعليمية من أفضل المؤسسات التعليمية المرتبطة بمحيطهما الاقتصادي وتضمنان للمتخرجين في هذه المعاهد عملا لائقا، بل ومرتفع الأجر
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 278 - الثلثاء 10 يونيو 2003م الموافق 09 ربيع الثاني 1424هـ