العدد 277 - الإثنين 09 يونيو 2003م الموافق 08 ربيع الثاني 1424هـ

التحدي الاقتصادي ليس أقل أهمية من التحدي السياسي

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

الضغط السياسي المستمر باتجاهات مختلفة قد يطغى على الهمّ الاقتصادي للبلاد وللمواطن على حد سواء. والتحديات الاقتصادية التي تواجهنا كثيرة وهي بحاجة إلى تركيز الاهتمام لكي نخرج بحلول عملية للمشكلات التي تواجهنا.

وهذا لا يعني أننا نتنازل عن الهمّ السياسي والمطالبة بحق التعبير وتعديل القوانين غير العادلة والمجحفة بحق المواطنين، ولكن المقصود هو الالتفات إلى العوامل بعيدة المدى التي تحدد مدى نجاح الاصلاحات في تحقيق مستوى العيش الكريم للمواطن.

فنحن نبدأ عطلة الصيف، وستلتحق عدة آلاف من البحرينيين اما بسوق العمل أو الجامعة أو البطالة التي قضت على طموح كثيرين كان بالامكان ان يكون لهم مستقبل اكثر إشراقا.

الذين سيتخرجون من الثانوية سيحتارون في أمرهم، وقد يذهب بعضهم إلى الجامعة، وهنا ستكون عليهم صعوبة اختيار التخصص الذي يوفر لهم عملا أو محاولة الحصول على عمل. وقد يحاولون الالتحاق بعمل. ولكن بحثهم عن العمل غير سهل لأنهم ينافسون عمالة اجنبية رخيصة ومطيعة. وكثير من الاعمال الدنيا لا تحتاج حتى إلى الشهادة الثانوية، بدليل ان قرابة مئة الف عامل اجنبي ليست لديهم شهادة تعادل الثانوية بينما خمسون ألفا منهم لا يعرف القراءة أو الكتابة.

واذا علمنا ان قرابة نصف العاطلين البحرينيين (ربما خمسة عشر ألف مواطن) هم من حملة شهادات الثانوية أو اقل من ذلك، فسنعلم ان مستقبل هؤلاء صعب جدا. وهناك من يطرح أن خمسين في المئة من البحرينيين العاطلين عن العمل هم من الذين لا يمكن توظيفهم لأنهم «يتسيبون وينسحبون من العمل». الحديث عن التسيب يصعب تصديقه، ولكن الوقائع تتحدث عن وجود بعض جوانبه لأسباب كثيرة. فلقد التقيت ثلاث مرات مجموعة من صغار السن تتراوح اعمارهم بين عشر سنوات وثماني عشرة سنة في المنامة (أمام فندق الريجنسي) وفي العدلية وبالقرب من السوق المركزي، وكان هؤلاء يستجدون المال من الآخرين. بعضهم يقف عند الاشارات الضوئية وآخرون كانوا يدخلون المطاعم والمقاهي في العدلية ويمرون على الطاولات ويطلبون الطعام والمال. وعند الحديث مع ستة منهم تظهر الصورة جلية. فهذا الصبي ليس له من يعيله وهو لديه ثلاث أخوات وأربعة إخوة وجميعهم ينتظرون صدقة الصندوق الخيري (القليلة بالنسبة إلى ما يحتاجون) ولكنهم لا يستطيعون الاستمرار حتى منتصف الشهر. أحدهم كان يمشي من دون حذاء ورجلاه متورمتان من حرارة الاسفلت الذي يمشي عليه في عز الظهيرة. وعند سؤاله عن السبب في وقوفه تحت أشعة الشمس الحارقة عند اشارات المرور كان جوابه انه يود ان يأكل، ووالده كان صيّاد سمك ومات قبل فترة ولا يوجد من يعيله.

المشكلة كبيرة لأن العوائل أصبحت اعدادها اكبر من قدرتها الاقتصادية، وهناك انفصام في العائلات التي لا تستطيع متابعة الابناء، وولي الامر لا يستطيع (أو غير موجود) للصرف عليهم، وليس لدينا نظام اجتماعي متكامل، وكل ما لدينا هو الصناديق الخيرية الطوعية القائمة على تبرعات الناس وهذه لا تكفي اطلاقا. فعندما حاولت - في إحدى المرات - التدخل لدى صندوق إحدى المناطق بالنسبة إلى إحدى العوائل كان الجواب ان الصندوق لديه الكثير من هذا النوع وهو يوزع بالتساوي بحسب قدرته، واذا زاد قليلا في هذا الجانب فسينقص من الجانب الآخر.

وهكذا تتتابع المشكلات، فمع ازدياد عدد أفراد الاسرة وقلة دخل المعيل أو انعدام الدخل فإن صحة هؤلاء الافراد تتدنى وذكاؤهم (المرتبط بالتغذية السليمة) يتدنى، والاخلاق تتدنى، والقيم تتدنى، وكل ذلك لأن الرعاية الاجتماعية غير موجودة من قبل الحكومة، وما هو متوافر بصورة طوعية لا يكفي شيئا.

ثم تأتي الطامة الكبرى، عندما يتخرج البحريني ويعرض عليه معاش قدره 150 دينارا أو 200 دينار ويود هذا الشاب الحصول على مسكن وزوجة. فهل يتزوج أم يذهب إلى الرذيلة؟ هل ينجب اطفالا وهو لا يملك لهم مالا كافيا؟ هل يرتكب «جريمة» وينجب أطفالا بلا مستقبل؟

صاحب العمل قد يرى أن أمامه مواطنا يكلفه أكثر، ولذلك فإن نمو تجارته تقل مقابل عامل أجنبي رخيص ومطيع ويقوم بالاعمال المطلوبة. وزارة العمل ليست لها القدرة على ضبط الامور، ولا يتوقع منها ذلك، لأن صلاحياتها محدودة وغير واضحة وغير كاملة، وهذه الصلاحيات لا يمكن تطبيقها على الجميع بأي حال من الاحوال.

والحل ليس في رفع كلفة الاجنبي لكي يتجه أصحاب العمل إلى المواطن، لأن هناك عوامل اخرى بحاجة إلى حل ايضا قبل ذلك. وهذه العوامل هي تدريب البحريني على اكتساب المهارات، وتوجيه طاقاته من أجل المزيد من الانتاجية والالتزام بالعمل، فهناك الكثير من العمال الاجانب الذين بدأوا فقراء وأيديهم خالية، أما الآن فأصبحوا هم أصحاب الاعمال. فالذي كان يعمل في كراج تصليح السيارات أصبح هو صاحب العمل، والذي كان يعمل حلاقا أصبح صاحب المحل، ونشأت لدينا طبقة من العمال الاجانب الذين يحصلون على دخل متوسط وعالٍ، بينما البحريني بعيد عن ذلك.

لقد نجح البحرينيون في قطاعات مهمة مثل المصارف والالمنيوم ويمكنهم ان ينقلوا ذلك النجاح ليعم كل القطاعات، وهذا بحاجة إلى تفكيرنا جميعا في الهمّ الاقتصادي، وعدم تغليب الهمّ السياسي على كل شيء

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 277 - الإثنين 09 يونيو 2003م الموافق 08 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً