العدد 277 - الإثنين 09 يونيو 2003م الموافق 08 ربيع الثاني 1424هـ

صحوة كاريكاتورية في العالم العربي

منافسات ساخنة بين الواعدين والكبار

أبوظبي - فراس النعسان 

تحديث: 12 مايو 2017

إذا صدق القول بأن كل ما في الحياة يصلح لأن يكون موضوعا كاريكاتوريا فان مهمة رسام الكاريكاتير ليست بالمهمة الصعبة على الاطلاق، فلماذا تغيب الرسومات الكاريكاتورية الناضجة عن الساحة العربية التي تكثر فيها المشاهد والحوادث اليومية الصالحة للأفكار الكاريكاتورية المهمة؟

سؤال طرحه الكاريكاتور المصري جورج بهجوري مطلع العام الجاري في نقده لرسامي الكاريكاتير في مصر، مطلقا حكمه الصارم بعدم وجود رسم كاريكاتوري مهم اليوم في دولة كانت من أهم الدول المنتجة للرسوم الكاريكاتورية المعبرة عن الأحوال العربية المتقلبة على سرير الاضطراب والقلق منذ الازل. فمنذ بدايات القرن الماضي وحتى مطلع التسعينات منه لم تكن الساحة الصحافية العربية تعاني من مشكلة في الرسم الكاريكاتوري المعبر عن الشارع وهموم البسطاء من البشر في المجالات الحياتية كافة، ولكن الازمة التي تكشفت للجميع ظهرت في منتصف التسعينات من القرن العشرين بخلو صفحات الصحف اليومية من رسم كاريكاتوري مهم يعزف على لحن البسطاء المقهورين اجتماعيا وسياسيا ومعيشيا، اذ كان الكاريكاتير ينبض بهمومهم ويبث شكواهم ويقدم صورتهم لمن يعجز عن رؤيتهم بعيون سليمة من الحول أو قصر النظر، وبقيت حال رسامي الكاريكاتير العرب موضع تساؤل المتابعين ومحط أنظار رواد الصحف اليومية الذين اعتادوا في السابق على الافكار الكاريكاتورية الناطقة بألسنتهم، الا انها مع الايام الأولى التي سبقت الحرب الأميركية على العراق تحولت بما يشبه التحول الكامل وتخلت عن حال الكسل لتنتج مجموعة من الرسومات الناضجة والمعبرة بالفكرة والرسم عن الشارع والمعاناة البشرية، اضافة الى المفردة الاستشرافية التي غذت الرسم وقربته من المتلقي في صورة الرسالة التي حرص عليها الراحل ناجي العلي في تجربته الكاريكاتورية وترك أثرها باق للعيان حتى اليوم.

ظهرت الرسومات الكاريكاتورية ساخرة من حال العربي وما آل اليه في الوقت الراهن من هزال وقلة حيلة، فهو القابع أمام شاشات التلفاز ينتظر القنابل المتساقطة على رأسه بعد حين، ويبدو ان رسومات كثيرة اشتركت في التعبير عن هذه الحال أو ذلك المشهد في سخرية لم يقصد منها الجرح أو الذم بقدر ما قصد في اسلوبها التحريك ولفت الانتباه الى ظاهرة غدت سمة الشارع العربي اينما كان، وهو الهدف الرئيسي من الرسم الكاريكاتوري الذي وجد اساسا للتنبيه والتفعيل وشد البصر الى الظواهر والحالات السياسية والاجتماعية في مزج فريد لا يقدر على الاتيان بمثله أديب أو تشكيلي عادي. بهذه الاسلوبية الملتزمة بروح الكاريكاتور الاصيل بدأت رسومات الفنانين الشباب تدق ابواب العقول والقلوب وأصبح بمقدور المهتمين متابعة مجموعة من الرسومات عبر الصحف اليومية والمواقع الإلكترونية المختصة بالرسم الكاريكاتوري والسخرية، مثل موقع «arabcartoon.com» وموقع الساخرون العرب «alsakher.net» وغيرها من المواقع التي قامت بارسال الرسائل الالكترونية الى عدد كبير من الناس على الشبكة والمتضمنة رسومات رائعة معنية بالحدث ومرتبطة باللون الساخر الذي يحبه الناس ويتلقونه بسلاسة ويسر، وكأن تلك المواقع تروج لصحوة كاريكاتورية في العالم العربي، وهو ما شعر به المهتم والمتابع للحركة الكاريكاتورية العربية وقاده هذا الاسلوب في النشر الى الانتباه والعودة الى متابعة صفحات الكاريكاتير عبر المقروء من المطبوعات اليومية والاسبوعية والدورية.

تجارب واعدة

إلى جانب التجارب المعروفة في ساحة الكاريكاتير العربي، والتي نهضت بدورها بدافع الحماس والمنافسة، برزت تجارب شابة كثيرة قدمت لوحات كاريكاتورية وليس مجرد رسوم عادية، اذ يمكن للقارىء الاحتفاظ بها دلالة على الحدث وتأريخا لجوانب متعددة منه لما حملته من أدوات تعبيرية حديثة تفوقت على التقليدي الذي اعتاده المتلقي عبر السنوات الماضية، وكان الخوف من عدم تقبل هذه الأدوات في التنفيذ الكاريكاتوري للفكرة، ومع هذا الخوف برز حرص الفنانين على بذل الجهود المضاعفة في سبيل تحقيق الذات وتكريس التجربة في أذهان الناس، ومن هذه التجارب المهمة تجربة السعودي علي الغامدي الذي منع من الرسم في احدى الصحف السعودية نظرا لقوة رسوماته وجرأته في الطرح فلجأ الفنان الى الفضاء الإلكتروني ليبث رسائله الكاريكاتورية ويحقق انتشارا جيدا بين مجموعة من الشباب في شتى الاقطار العربية.

إلى ذلك برزت تجربة الرسام الاردني عماد حجاج الذي يقدم شخصية «أبومحجوب» المشهورة بطرافتها وقدرتها على السخرية الهادفة بعيدا عن الاسفاف والتعدي، فطرح الفنان عددا من رسوماته عبر صحيفة «الدستور» اليومية في الشأن المحلي والعربي والعالمي ايضا، واستطاع اثبات وجوده بقوة على الساحة العربية من خلال موقعه الإلكتروني الخاص «mahjoob.com» الذي يحمل بعض الرسومات غير المنشورة عبر صفحات الصحف، أو بمعنى ادق التي لا يمكن نشرها عبر الصحف اليومية لما تحمله من أفكار يمقتها الرقيب فلا يستطيع تمريرها عبر قنوات الحرية على الدوام.

ومن بين الذين برزت رسوماتهم في الفترة التي سبقت الحرب أو تخللتها أو أعقبتها على حد سواء، الفنان حمد الغائب الذي أدى دورا مهما في اعادة لفت انظار الناس الى الكاريكاتير العربي في الآونة الأخيرة، فقدم الغائب رسومات تبرهن على حضوره بقوة في الساحة الكاريكاتورية العربية، وتميزت لوحاته بالمباشرة والجرأة العالية وفضل الفنان بثها للناس عبر موقعه الإلكتروني الذي صممه الغائب بأناقة عالية «www.hamadcartoon.com» وحمل الموقع رسومات خليجية ساخرة ككاريكاتير الرجل السمين الذي يستنجد بأميركا من قنبلة تحت قدميه، وهو رسم يحمل مضامين كثيرة، بعضها سياسي وبعضها الآخر اجتماعي ساخر، من حال الانسان فاقد القدرة على حماية نفسه، كما ان هناك عددا كبيرا من الرسومات التي بث فيها حمد الغائب رسائل قوية قدمته الى الناس بتفرد وخصوصية.

وهناك تجربة الفنان هاني شمس بما حملته من تفاوت في القوة التعبيرية، فقد قدم الفنان شمس لغة واحدة في رسوماته كافة عالجت الشأن الدولي في غالبية احوالها، لكنها من ذلك النوع التعبيري الذي يظهر قويا بالمباشرة الصريحة في بعض الرسومات، ويعود الى المتلقي في رسمة اخرى أقل قوة، لكنه ليس بالضعيف على أقل تقدير.

برز الفنان هاني شمس كذلك عبر توظيفه للمفردة الحديثة في التعامل مع الرسم الكاريكاتوري، ولم يلجأ الى الرسم التقليدي الا في رسومات بعدد اصابع اليد الواحدة، فهو خريج المدرسة الحديثة في الرسم الكاريكاتوري ولم تأتِ تجربته على أسس التجريب فقط، بل تعدت لتصل حيز الرسوخ الاكاديمي وهو ما قاد الفنان للنزوع الى الشكل الواحد في اللغة التعبيرية والتسليم الى التقنيات الحديثة التي تبني الشكل ببساطة متناهية بعيدة عن التعقيد الكلاسيكي الذي لجأ اليه عدد كبير من الرسامين الذين ظهروا في أواخر السبعينات من القرن الماضي في مصر تحديدا.

في سياق مختلف قدم الفنان أشرف حمدي رسوماته المتقاطعة مع تجارب الساخرين الكبار في عالم الكاريكاتور العربي، حتى انه لم يتخلَ عن الرسم بالريشة والفحم مبتعدا عن توظيف كل ما هو حديث على صعيد تقنيات الرسم بالكمبيوتر أو حتى التلوين وحافظ على الشكل التقليدي البسيط غير المعقد بالتفاصيل، مفضلا التعبير عن فكرته بطرح الموضوع المباشر كما هو الحال في الرسم الكاريكاتوري الذي يعبر عن نظرة اميركا تجاه العرب على أنهم مجرد نفط، فهي تعصر العربي حتى آخر قطرة نفط بلا رحمة أو شفقة على جسده المتضائل بالعصر. بين هذا الرسم الكاريكاتوري وبقية الرسومات لدى الفنان أشرف حمدي يجد المتلقي ان هناك حركة من التناغم في التعبير، فأميركا القاسية الشريرة لا تبرح رسوماته، والعربي المستسلم لما تطلبه اليد الأقوى في العالم لا يمكن ان يتحرك من مواضع الضعف الا بالصراخ والعويل... هكذا يقدم الفنان اشرف حمدي رؤيته او رسالته محاكيا تجارب الكبار في عالم الرسم الكاريكاتوري العربي، ومتناسيا في الوقت ذاته نظرية التنويع في الطرح، كأنه يرغب بالتركيز على فكرته حتى آخر قارىء للرسالة التي تحتويها.

تنافس مع الكبار

كانت التجارب الكاريكاتورية العربية الشابة تهدد الكبار على الدوام بأفكارها وجرأتها في الطرح والتنويع والعزف على لحن الشارع، ومع التسليم بأن التجارب الفنية عموما لا تشيخ نرى ان المنافسة بين الصاعدين بقوة إلى أعلى السلم باتجاه الشهرة والاعتراف بالتجربة تقود الكبار الى بذل المزيد من الجهد للتفكير بموضوعات جديدة لرسوماتهم، وبذلك تتعزز تجارب الكبار وتتألق بأفكار حديثة، وتسعى التجارب الحديثة الشابة الى المنافسة بقوة حتى بلوغ المراد.

في ضوء هذه الحقيقة خرجت المرحلة السابقة برسومات مميزة لاسماء كبيرة في الوطن العربي كانت قد تعاملت مع الرسم الكاريكاتوري على سبيل المهنة لوقت طويل ولم تقدمه كابداع فني وفكري له اصوله وأحكامه وقدمت عوضا عن ذلك ما مله الناس ووقعت في فخاخ التكرار الى حين نهوض التجارب الجديدة بالافكار الكاريكاتورية الحديثة، فظهرت رسومات اكثر نضجا واحتراما للمتلقي، ومثال قريب على هذه الحال ما قدمه الفنان جلال الرفاعي في «الدستور» الاردنية وما قدمه الفنان حامد نجيب في «الاتحاد» الاماراتية، وكذلك ما ظهر في رسومات الفنان سعد حاجو في «السفير» اللبنانية، ومراد داود في «الاهرام» المصرية، والفنان محرقي في «أخبار الخليج» البحرينية، وعبدالوهاب العوضي في «القبس» الكويتية، وغيرهم ممن ابدعوا أجمل الرسوم الكاريكاتورية في الصحف العربية خلال الربع الاول من العام الحالي 2003 ومازالت رسوماتهم تزين صفحات الصحف والمجلات الصادرة في أقطار مختلفة من الوطن العربي كل بحسب هامش الحرية المتاح له





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً