العدد 276 - الأحد 08 يونيو 2003م الموافق 07 ربيع الثاني 1424هـ

هاري بوتر والعقلية الغربية

ما الذي يجري هنا في الغرب في المسافة الممتدة ما بين الولايات المتحدة وأوروبا عبر المحيط الاطلنطي؟ لماذا هذا التكالب الغريب العجيب على سلسلة خرافية من الخيال والأساطير المفتعلة في معظمها، أطلق عليها مجموعة (هاري بوتر) منذ أن تحولت الى فيلم بجزئيه الأول والثاني مع مطلع الألفية الثالثة. هل حقا ما نسمع ونقرأ ونشاهد؟ لدرجة أن المتاجر الكبرى ودور بيع الكتب في الولايات المتحدة ستفتح أبوابها في منتصف الليل من أجل اتاحة الفرصة أمام المعجبين بسلسلة (هاري بوتر) للحصول على نسخ من الجزء الخامس من تلك السلسلة التي ستطرح في الأسواق نهاية الشهر الجاري.

من أين جاءت تلك الثقة لشركة «سكولاستيك» ناشرة السلسلة، لتطرح دفعة واحدة 8,5 مليون نسخة من الكتاب الخامس في المكتبات مصاحبة بحملة ترويجية ضخمة ومكثفة؟

عفوا... نحن لا نتكلم هنا عن كتاب سياسي ينظّر للعالم تحت قبضة القطب الأوحد «الولايات المتحدة» وهو ليس في قصص الحب الرومانسية الحربية كما «ذهب مع الريح»، وهو ليس كذلك، سلسلة القصص البوليسية لاجاثا كريستي، ولا أحد مؤلفات همنجواي أو فيكتور هوجو، أو تشاركرز ديكين... انه باختصار كتاب صغير الحجم والقيمة الادبية والثقافية، يروج للعقلية الغربية الحديثة... لعالم خاو من الداخل... لا يصدق الا الخرافات ومقاومة الغيلان والوحوش والعنقاء والحيوانات الخرافية من الصين الى أميركا الجنوبية بشكل مبالغ فيه. العقلية الاميركية بالاصح التي ما عادت ترى سوى بناء أو خلق وحوش وأعداء خرافيين ثم توهم الناس بأنهم صاروا خطرا على البشرية، وليس هناك إلا العقلية الغربية لتخلص العالم من تلك الوحوش والأعداء.

تلك أجزاء من تناقضات الحضارة الغربية الحديثة التي لم تعد تعرف كيف تشبع روحانياتها إلا بالخرافات والأساطير لتؤمن بها، بدل أن تتجه إلى الروحانيات الحقيقية التي تنقد الانسان في تلك الحضارة من تناقضاته ومأساته في عالمه المتفسخ من الداخل على رغم عظمة اطاره الخارجي ذلك العالم بدأ يتجه إلى الروحانيات الخرافية ليشبع فقره وجوعه الداخلي الحقيقي.

وإلا كيف نفسر أن يسجل كتاب مثل (هاري بوتر) في جزئه الخامس أعلى رقم جديد في المبيعات لدى شركة كبرى مثل (أمازون)، اذ أعلنت الشركة حديثا أن موقعها على الانترنت تلقى طلبات شراء أكثر من مليون نسخة من الجزء الخامس من هذه السلسلة التي تحمل عنوان (هاري بوتر وجماعة العنقاء) كما هو مبين في الغلاف المرفق.

وهنا في بريطانيا التي بدأت تغزو أسواقها اعلانات الكتاب كما حدث للفيلم في جزئه الثاني خصوصا وأن أبطال الفيلم قد زاروا لندن أيضا. ولذلك فقد طلب البريطانيون وحدهم 250 ألف نسخة عبر الانترنت قبل نشر الكتاب.

وللعلم أن تلك الطلبات لشراء (هاري بوتر الخامس) سجلت حتى الآن أضعاف ما سجله الجزء الرابع الذي نزل في الأسواق العام 2000 ومنذ أن تحولت المجموعة إلى فيلم جذبت معها الشهرة للكتاب في بقية أجزائه. حتى ان المدير الاعلاني لشركة «أمازون» جريج هاري استغرب من هذه القضية وظاهرة هاري بوتر حتى أنه قال «تلقينا ثلاثين ألف طلب خلال أربع وعشرين ساعة! انني لم أرَ شيئا مثل هذا من قبل».

اذن؛ الدنيا قامت في الغرب ولم تقعد بسبب هاري بوتر إذ سيحطم الكتاب كل أرقام المبيعات في الولايات المتحدة عند طرحه في الاسواق. هل حقا ما يحدث أم أنها فرقعات اعلامية دولية كما هي الحرب الاعلامية اثناء الغزو الأميركي البريطاني للعراق حديثا؟ إن الأمر لا يبدو كذلك اذا علمنا ان الاجزاء الأربعة الأولى من هذه السلسلة الخرافية بلغ مجموع مبيعاتها حوالي 200 مليون نسخة ونشرت عبر 55 لغة حتى الآن! إذا كان هذا هو حال الثقافة وبيع الكتب في الغرب، فلماذا نتباكى على حال الثقافة وأسواق الكتب عندنا؟ وما علينا من الآن وصاعدا في ظل ثقافة عولمة (هاري بوتر) سوى الترحم على ألف ليلة وليلة و«علي بابا والأربعين حرامي»





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً