العدد 275 - السبت 07 يونيو 2003م الموافق 06 ربيع الثاني 1424هـ

سماسرة القتل

علي محمد جبر المسلم comments [at] alwasatnews.com

ليس شرطا أن تختزل أعمال السمسرة في إبرام عقود بيع أو شراء، أو إجراء تفاهم بين طرفين، ليفوز الوسيط بغض النظر عن نتائج الربح والخسارة لأطراف العقد، بنصيبه من المصلحة المالية، بل إنها تتعدى ذلك وتشعب بين حلال بيّن وحرام ممقوت وظلم وضلال.

السمسرة أنواع، وكلها تعتمد على دبلوماسية الترويج وفن الاقناع، وتدخل باب الحلال البيّن اذا لم يترتب عليها ضرر قسري للغير وانتهى الاتفاق بين طرفي العقد بالرضا، وعندها يكون دفع استحقاقاتها واجبا، واستحصال السمسار لها حلالا، ولولا تعرض هذا النوع من العمل في بعض الاحيان للخسارة حينما يسعى ويفشل السمسار في إتمام إبرام عقد سبق أن صرف على محاولة ترتيبه الكثير من الوقت والمال لشاب هذه العملية شبهة الربا الذي لا يحتمل الخسارة.

السمسرة كما سبق أن ذكرت تعتمد على دبلوماسية الترويج، فهي مزيج من فن ومهارة، وهذا العمل مجاز، ويحل الاتجار من خلاله طالما حقق مصلحة لجميع الاطراف. أما الحرام الممقوت فهو ما ينتهي بظلم وضلال من خلال ممارسة نوع آخر من السمسرة، تهدم القيم وتخلق الفتن وتسبب الفرقة والاقتتال، وبذلك فهي تخالف الدين، فلا يجوز الاقتراب منها.

ولكي نتعرف على أحد أنواع تلك الممارسات الخاطئة من السمسرة، علينا أن نتأمل ما يجري حولنا ونستنتج كيف سخَّر بعض من البشر ما حباه الله من مواهب في أعمال لا تمت لإعمار الارض بشيء. فالفن استخدم في تشويه صورة الآخرين، والمهارة سخرت في إقصاء أو سجن أو نفي أو قتل المنافسين، لنيل مركز أو شهرة أو مال.

وعندما راج هذا النوع من السمسرة الانتفاعية، واستشرت آلياتها، وبدأت دوائرها في الدول العربية الغنية تتسع، من أفراد إلى مجموعات ثم إلى أحزاب ومذاهب، يسعى كل منها إلى إقصاء أو إلغاء الطرف الآخر، عن طريق تزييف المعلومات أو الوشاية أو تخويف طرف من طرف، آخر، بقصد الاضرار والهيمنة على المراكز. وهكذا اختلّت العلاقة بين الافراد وطبقات المجتمع الواحد، ثم تعدته لتحطم العلاقة بين الحاكم والمحكوم حتى فاحت روائحها إلى الفضاء الخارجي فشمها أعداء الأمة واشتموا رائحة ثمن الغنيمة، فاجتذبتهم بشكل منقطع النظير لم نجد لها كما مثله للبلدان الفقيرة، وقد كان ذلك بفضل نوع جديد من السمسرة الدولية، تهدف إلى بيع دول ببشرها ونفطها وكامل ثرواتها مدفوعة التكاليف والاتعاب، مقابل نيل العزة من غير الله في الارض. وعلى إثر هذا المفهوم لدى هؤلاء السماسرة القتلة، ومفهوم «مصائب قوم عند قوم فوائد»، تشكلت شراكة دولية من نوع آخر، أو بالاحرى شراسة استعمارية في ثوب جديد، أطلق عليها «الشراكة الاميركية البريطانية لتصدير الديمقراطية». منطقة عملها الدول الغنية الاسلامية فقط، ومواصفات نشاطها إلهاء الشعوب بحرية التعبير والحركة بالانفتاح على جميع الممارسات الغربية وإغراق السوق بالمواد الغذائية والاعمال الانشائية وتشجيع العلمانية على حساب دين الدولة. وعلى الجانب الآخر، تقوم هذه الشركة بتدمير مراكز العلوم والثقافة وتستولي على خيرات البلد، وفي الوقت نفسه تعمل على إثارة النعرات وزرع الفتن، لحفر مزيد من القبور حتى تنتهي باقتتال السماسرة فيما بينهم، إلى ان يقدموا على الانتحار الجماعي وتنتهي الدولة تلو الاخرى

إقرأ أيضا لـ "علي محمد جبر المسلم"

العدد 275 - السبت 07 يونيو 2003م الموافق 06 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً