أختي أوافقك يا سيدتي أن بعض الأزواج وللأسف الشديد يعتقدون أن صبر الزوجة وتحملها أعباء الحياة معهم وقبولها ما تعانيه من القهر والتعسف ناتج عن كونها مخلوقة باردة الإحساس خاملة المشاعر بليدة التفكير منصاعة لأوامرهم من دون نقاش. لذلك فالتعامل معها يجب أن يكون بأسلوب حاد ومزاج عصبي يتناسب وطبيعتها لتخضع أكثر وتستسلم لمعاناتها ويفوت البعض منهم أن المرأة كائن رقيق المشاعر عذب الأحاسيس جياش العاطفة سريع القهر والغضب وكلما تعامل معها الزوج برفق ولين وعناية استمتع بلطفها ودلالها، ورعايتها له وأعطته من عواطفها من دون حساب. إن كلمة رقيقة جميلة تهمس بها يا سيدي في أذنها كفيلة بإخماد نار غضب وثورة تأججت منذ لحظات. وفي الوقت ذاته تستطيع تأجيج عواطفها واستجابتها من دون حاجة إلى الشجار والمهاترات غير المجدية بينكما وعلى مسامع الصغار. وأنت يا سيدي مهما تظاهرت بالقوة والبطش والتجبر، مهما استطعت تحقيقه من النصر والغلبة عليها في جميع المواقف حتى وان كانت طبيعتك تحطم الصخر وحمل الحديد إلا أن في داخلك عاطفة غريزية لطفل صغير يميل إلى اللعب ويهوى المداعبة، أنت أيضا لك أهواء ورغبات وتمتلك الحب والرعاية وبكلمة حلوة متحانية منها ينقلب مزاجك من لهب البركان إلى قمة الجليد. فلماذا لا توفر لها الحب والصدق والأمان لتغدق عليك من حبها وحنانها؟ فأنت تقنع بالقليل فما رأيك؟
ولكنني يا أم يوسف قد أعارضك في سؤالك المتعلق بتحمل أعباء الحياة المادية. نعم يا أم يوسف من حقه عليك مشاركته في هذا الهم ومن حقه مشاركته أعباء الحياة ومشاطرته حلوها ومرها، فإذا تخليت عنه فمن يقف إلى جانبه ويسنده ويساعده على مواصلة الطريق حتى يصل بك وبأولاده إلى بر الأمان؟ ان علاقتكما الزوجية يا أم يوسف يجب أن تستند إلى الحب العميق، وإلى الثقة والمشاركة في مواجهة متاعب الحياة فأنتما تلتقيان عند أمنيات مشتركة وأهداف مقدسة واحدة في تربية أولادكما والمحافظة على حياتكما الأسرية. إن العلاقة الطيبة وفن المعاشرة بينكما يؤديان إلى انسجام هادئ تتبادلان خلاله الاحساس العميق من أجل بناء الأسرة. وما تحملك معه أعباء الحياة المادية إلا ترجمة صادقة على نبل صفاتك وعمق حبك له ولأولادك شريطة أن ينفق ماله عليكم. أما أن يميل الزوج إلى السيطرة والاستبداد بالرأي ويعمد إلى تجريح وإهانة الزوجة إشباعا لغروره وتسلطه فألف لا. أو أن يبني حياته الزوجية على أساس إشباع الرغبة الجنسية فإن هذا سيفقد الزوجة شعورها بالأمن والاستقرار وبالتالي ينعكس على الأبناء، أما الخلافات العابرة المتكررة اليومية والتي يعتبرها البعض ملح الحياة الزوجية فإنما هي وسيلة لتجديد التفاهم ولتبادل الأفكار وتصحيح المسار العاطفي للزوجين وغالبا ما تحدث في بداية الحياة الزوجية.
وأقف قليلا عند كرامة المرأة أو هزيمتها. سيدي الرجل ان المحافظة على كرامة زوجتك وعدم اهانتها دليل قاطع على أنك رجل كريم ترفض الاهانة وتشعر بإنسانيتك. وفي الوقت نفسه، تشعرها بكيانها ويكسبها القوة في شخصيتها والثبات في رأيها واللين في طبعها والعطف في تعاملها وبهذا كله يمكنك تذليل الكثير من الصعاب والقضاء على الخلافات التي تعترض حياتكما... فيا سيدتي أنتما معا تشكلان حجر الزاوية في بناء أسرتكما الصغيرة فإذا تحسنت علاقة كل منكما بالآخر وتجاوز عن هفواته الصغيرة وتسامح وغفر زلاته استطاع الحياة معه من دون ضيم أو هزيمة. ولا أعني بهذا أن ترضخ الزوجة وترضى الهزيمة وهدر الكرامة ولكنني اقترح أن تعمد المرأة إلى أسلوب الحوار الهادئ الرزين وتعبر عن غضبها بكلمات رقيقة مهذبة وهي على يقين بأن سحابة الصيف ستنقشع وعليها أن ألا تكثر الجدال في موضوع لا سبيل للتفاهم عليه ولو لوقت مؤقت وهكذا تسلك طريق الدبلوماسية واللباقة في تجاوز الخلافات. ولا يفتوك يا سيدتي أن انصراف الزوجة لرعاية الأطفال مع اهمالها مشاعر زوجها قد يؤجج نار الغيرة والغضب في نفسه فيتهمها بالإهمال والفتور، ما يؤدي إلى النفور فلا تنسي أن له حقوقا عليك وعلى الأبناء أيضا وإن كان حبك وحنانك لصغارك أمر طبيعي، ولكن له حقه ولن يتنازل عنه. وهو مخطئ إذا حملك أخطاء عدم قدرته على تجاوز محنته المادية وحدك. إلا إذا كنت من المبذرات ولا ذنب لك فيما يتعرض له من متاعب وظيفية إلا إذا كنت سببا في إهماله وعدم تنظيم أموره الوظيفية.
وكلمة أخيرة أقولها للرجال: أحسنوا معاملة زوجاتكم، إنهن رقيقات وادعات حانيات راعيات لكم ولأولادكم، فلا توصدوا في وجوههن أبواب العواطف والمشاعر الدافئة المعبرة عن دواخلكم غير المنظورة، فهذه هي اللغة العالمية المشتركة لكل نساء العالم والتي تترجم لصالحكم
العدد 274 - الجمعة 06 يونيو 2003م الموافق 05 ربيع الثاني 1424هـ