عشية انهزامات كثيرة... وسقوط الجدار العربي الداخلي الشفيف... كانت الحرب على العراق عدوانا صلبا ومؤلما وكاسرا لتاتي بعده نكسات المنطقة ونمرر خطوة الادارة الاميركية وندخل معها الى قمة البحر الأحمر... وبانتهاء القمة على الشكل الذي انتهت اليه والتي ليس من المغامرة القول انها فتحت كوة مهمة في جدار الصراع الدموي والصلب، قبل الجدار الواهن أصلا، يمكن القول ان الأنظار متجهة الآن الى مرحلة التنفيذ.
هل أمتنا بحاجة الى الطموح والأمل والخضوع كي نتجاوز العنف والاحتلال ونصل الى اليوم الذي تكون فيه دولتان تعيشان معا جنبا الى جنب في سلام وأمن... المطلوب اذا في الرؤية الملكية ان نترجم هذا الطموح الى حقائق على ارض الواقع من خلال «خريطة الطريق» التي تخاطب احتياجات الفلسطينيين والاسرائيليين على حد سواء. وباتت الطريق سالكة فعلا كي تستوعب الخريطة العتيدة... ولعل البداية تكون في محاولة تلخيص الموقف الفلسطيني إذ لا يمكن لمنصف تجاهل حقيقة ان الجانب الفلسطيني اعطى اقصى بل كل ما لديه سواء فيما يتعلق بالغاء المظاهر العسكرية للانتفاضة ام بانتهاج السبل السلمية لمقاومة الاحتلال كما وصف ذلك لـ «الوسط» المحلل السياسي الاردني محمد خروب فيما بدا خطاب شارون أكثر غموضا واقتضابا في صياغة لغوية وقانونية معقدة ومفتوحة على تأويلات وقراءات لا نحسب انها عفوية بل هي مقصودة لذاتها سواء فيما تعلق بالدولة الفلسطينية او بالالتزام الكامل بازالة المستوطنات. واذ لاحظ الجانب الاميركي المدى الذي ذهب اليه شارون في خطابه والموجه فيما بين سطوره الى المستوطنين والائتلاف أكثر مما هو الى ثقافة السلام وإعادة الاعتبار للمفاوضات والالتزام بالآليات والجداول الزمنية لخريطة الطريق فقد سعى الرئيس الاميركي الى «سد ثغرات» خطاب شارون عبر تأكيد ضرورة احترام الحقوق الفلسطينية واحترام حقهم في الحرية واقامة الدولة المستقلة. ولعل اعلان الرئيس الاميركي بوش ارسال فريق مراقبين لمساعدة الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني على تطبيق خريطة الطريق يشكل بداية مقبولة لابقاء الزخم النسبي الذي احدثته القمة. وبات من الضروري ألا يتوقف نمو «الحاضنة» التي وفرتها قمة العقبة لعملية السلام بانتظار التطبيق العملي والمباشر الملتزم بالاجندات والآليات لخريطة الطريق بعد ان وصل الجميع وربما الى قناعة بان لا حل عسكريا للصراع.
أما الاردن فكان اكثر من مضيف لقمة بمثل هذه الاهمية في مثل هذا الوقت وما تشكله الفرصة المتاحة لاحداث انطلاقة جادة وحاسمة على طريق السلام، فهو بلد غير محايد بل منحاز اولا الى السلام ثقافة ومعنى وسيرورة.. وهو منحاز الى قضايا امته العادلة سواء في فلسطين ام في غيرها من المواقع وبؤر التوتر، وهو في الوقت ذاته يتمتع بعلاقات دولية واسعة ومتشعبة وايجابية ما مكنه من استثمارها جميعا سواء مع الولايات المتحدة ام الاتحاد الاوروبي ام الامم المتحدة وحتى مع «اسرائيل» نفسها لخدمة قضية السلام ودفعها للعب دور اكثر ايجابية واكثر سرعة لاهتبال الفرصة المتاحة وتجنيب المنطقة المزيد من سفك الدماء وعدم الاستقرار والعنف والكراهية التي باتت تميز المشهد الراهن في الشرق الاوسط بأسره.
ثمة حاجة الى التذكير بان الثوابت الاردنية «وربما العربية» في سياقها الوطني والقومي تصب في دعم الاخوة في فلسطين والاخوة في العراق متواصلة وبزخم اكبر وبتفاؤل اشد بعد ان اثبتت الدبلوماسية الاردنية بعد نظرها وقدرتها على استشراف المستقبل وقراءة المتغيرات في الوقت نفسه الذي لا يسعى الى لعب اي دور نيابة عن احد او يطمح بلعب اي دور من هذا القبيل.
ولكن، مرة أخرى هل شهدت قمة البحر الأحمر او العقبة او اللقاء الثلاثي بحق تجاوز عقبات ما كان لها ان تتزحزح لولا جهود جلالة الملك الذي سعى منذ زمن الى ايجاد مخرج لهذا الصراع الدامي الذي استنزف البشر والاقتصاد وخنق الحلم بالحياة الكريمة لابناء المنطقة.
إن المواطن العربي خصوصا بعد سقوط بغداد وانهيار النظام العراقي بات يرى الواقع كئيبا... فهل نستطيع القول: لا طريق للاستقرار الا بالسلام. ولا سلام من دون مفاوضات، ولا مكاسب من دون تنازلات. وما جمع اطراف قمة العقبة إلا الحلم نفسه بالسلام والازدهار والتعايش والمصالح. لكن، كما قال جلالته الاحلام وحدها لا تحقق الآمال، ما لم تتحول الى انجازات على أرض الواقع.
والعقبات كثيرة فالسلام في المنطقة كان يتم اغتياله في كثير من المحطات لتعود الاطراف من طاولات المفاوضات الى ظهور الدبابات والمتاريس وتملأ الدماء الطرقات.
وكأي محلل او متابع سياسي ارى ان البديل للسلام مزيد من الضحايا والدماء والخوف وفقدان الامل. ما يؤدي الى انصياعنا لدعوة الفلسطينيين والاسرائيليين إلى العمل معا لحل القضايا المعلقة الكثيرة التي تباعد بينهم وعلى اعتبار ما يعتبره البعض «تنازلات مؤلمة» هبات للسلام، ستوفر بالمقابل الأمل والأمن والحرية لابناء المنطقة.
جاءت قمة العقبة عشية هزيمة 1967 اي بعد 36 عاما على لون مغاير من الهزيمة التاريخية بالمعنى الايجابي للكلمة اذا ما خلصت النوايا وتم الالتزام بالتعهدات. وكان اعلان الرئيس الاميركي بوجوب وجود دولة فلسطينية اقوى التزام اميركي حتى الآن في هذا الشأن. ولابد من التوقف عند قوله: «يسعدني ان اكون هنا اليوم مع رئيس الوزراء عباس (ابومازن) الذي يمثل قضية الحرية وقضية الدولة للشعب الفلسطيني وانني اؤيد بقوة هذه القضية».
الى ذلك.. كيف يمكن لنا ان نصف تعهد الفلسطينيين و«اسرائيل» أمام الرئيس الاميركي جورج بوش في ختام قمة العقبة بتطبيق خطة السلام الهادفة الى وضع حد لـ 23 شهرا من العنف وقيام دولة فلسطينية. او قول الرئيس بوش لصحافيين رافقوه في الطائرة الرئاسية التي اقلته من العقبة، ان القمة التي جمعته مع رئيسي مجلس الوزراء الفلسطيني والاسرائيلي جاءت على مستوى التطلعات المنتظرة منها.
واضاف خلال انتقاله الى قطر، المحطة التالية في جولته في الشرق الاوسط او جواز المرور بعد سقوط بغداد: «لقد انجزنا ما كنت آمل بانجازه، وتم التجاوب مع التطلعات»، ولعل ما في الافق من مسار ينهي ارتجاج ذبالة الشمعة وسط رياح عاتية: ريح «المستوطنات» وريح «الدولة اليهودية» وتغيب اكثر من 20 في المئة من عرب 1948 ممن يحملون الهوية الاسرائيلية وريح الدولة الفلسطينية التي ستصطدم خريطة طريقها بالفكر التوراتي العقيم وسط علمانية عمياء في الادارة الاميركية
العدد 274 - الجمعة 06 يونيو 2003م الموافق 05 ربيع الثاني 1424هـ