هل تكفي زيارة واحدة من رئيس أميركي إلى منطقة «الشرق الأوسط» لحل مشكلات عالقة منذ أكثر من نصف قرن؟.
الرئيس جورج بوش الذي ذهب الى منتجع شرم الشيخ وميناء العقبة وقاعدة السيلية في قطر وطار محلقا فوق بغداد جاء في جولة تفقدية هي أقرب الى الاستعراض منها الى محاولة البحث في حل ميداني لقضايا موقوفة منذ عقود من السنين. فالمسألة ليست بسيطة الى هذا الحد. ومجموع مشكلات المنطقة التي من أسبابها الرئيسية مواقف الولايات المتحدة وانحيازها الثابت للسياسات الاسرائيلية لا تحل بحركات استعراضية ولقاءات مجاملة.
اما الوعود التي قيل ان الرئيس الأميركي حملها معه إلى «الشرق الأوسط» فهي في مجموعها مجرد خطب انشائية تفتقد الى البرنامج العملي الذي يحدد آلية سياسية لتطبيقها تبدأ من فرض الالتزام على «اسرائيل» بقبول القرارات الدولية... وهذا أمر لم يحصل. فخطة الطريق التي تنص في بند من بنودها على احترام قرارات مجلس الأمن والعمل في ضوء فقراتها تتجه نحو طرق التفافية يقال إنها تبدأ بوقف الانتفاضة وتنتهي بدولة فلسطينية لا لون لها ولا رائحة. هذه الخطة تحتاج بعد فترة الى خطة تفسيرية توضح معالم الطريق الذي يجب أن تسلكه الأطراف حتى توضع موضع التنفيذ... وهذا أيضا يحتاج الى وقت للتفكير ووقت اضافي للتنفيذ.
يقال ان الرئيس بوش هو الرئيس الأميركي الأول الذي يشير الى «دولة فلسطينية» وأن رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون وعد بذلك ولكنه نسي أن يذكر الوعد في خطابه. فشارون مهتم بوقف الانتفاضة وليس بالدولة، وشارون يميل إلى اعادة الاحتلال لا الانسحاب من الضفة والقطاع، وكذلك يشجع الاستيطان أكثر مما هو جاد في تفكيك مستوطنات قال عنها انها «عشوائية». وأهم من كل ذلك أن شارون مهتم بانتزاع اعتراف بيهودية «الدولة الاسرائيلية» أكثر من انشغال باله بقصة الدولة الفلسطينية.
موضوع «اسرائيل» دولة لليهود هو الجديد في القضايا المطروحة في خطة «خريطة الطريق» وهو الأمر الذي كان شارون يريد انتزاعه من الولايات المتحدة ومختلف الأطراف شرطا للتطبيع والاعتراف المتبادل وقبل أن يبدأ التفكير في العمل على بدء تطبيق «خريطة الطريق».
الجديد إذن هو اصرار شارون على يهودية الدولة وان «اسرائيل» هي دولة لليهود. والسؤال متى لم تكن «اسرائيل» غير ذلك؟ والسؤال الأهم لماذا الاصرار والآن تحديدا على مسألة كانت بديهية حتى لو لم تذكر رسميا في مسودات الدستور ووثائق الأمم المتحدة؟
هناك احتمالات كثيرة للرد على السؤال منها احتمال طرحه أمين عام حزب الله حسن نصر الله حين ذكر مجموعة مخاوف من الفكرة منها ترحيل الفلسطينيين من أراضي 1948 أوسحب جنسياتهم وحقوقهم المدنية كشعب صاحب الأرض.
الطرد والترحيل وسحب الحقوق نقاط مهمة في مسألة اصرار شارون على اعادة التذكير بيهودية «اسرائيل»فهذه «الدولة» لم تكن علمانية في يوم من أيامها ولو أدعت ذلك أمام الرأي العالمي. كذلك قامت فكرتها أساسا على التمييز بين اليهودي واللا يهودي وتعاملت مع العربي كفئة من الدرجة الثانية، وتصرفت قانونيا وفق مبدأ عدم مساواة الفلسطيني (صاحب الأرض) بالمهجر القادم الى أرض غيره من مناطق مجهولة. فالطابع الديني للدولة كان أساسا لقيامها، والنص (الوعد) الذي تدعيه تقول انها أخذته من نص توراتي فسر حديثا في القرن التاسع عشر ليتناسب مع نمو النزعة القومية التي شهدتها أوروبا آنذاك.
يهودية الدولة مسألة قديمة... والجديد في الأمر هو إعادة تأكيد الموضوع رسميا ومحاولة تثبيته دوليا بانتزاع اعتراف الدول الكبرى بهذه المسألة التي لم تكن مطروحة سابقا للنقاش.
والسؤال لماذا الاصرار على هذه المسألة الآن، واعتبار موضوع «اسرائيل» دولة لليهود أو دولة يهودية نقطة مهمة تساوي اعتراف شارون بدولة للفلسطينيين أو دولة فلسطينية؟
المسألة تتعدى فكرة المقايضة (هذه بتلك) بل هي تهدف في أساسها الى اعادة الصراع الى جوهره الديني ونقله بعيدا عن السياسة. فـ «اسرائيل» دولة لليهود (أو دولة يهودية) تعني سلسلة نقاط مترابطة:
أولا، الغاء التعارض بين الجنسية الاسرائيلية والهوية الدينية، فالاسرائيلي هو حصرا يهودي ولا يحق لغير اليهودي أن يحمل الجنسية الاسرائيلية.
ثانيا، الغاء تهمة الفصل العنصري أو التمييز بين ديانات الدولة الواحدة... وبالتالي تصبح معاملة اليهودي معاملة خاصة مسألة شرعية ينص عليها الدستور ومتوافق عليها دوليا.
ثالثا، تثبيت يهودية الدولة هو الوجه الآخر للتطبيع العربي واعتراف الدول العربية بـ «اسرائيل» يعني ضمنا اعترافا بأنها دولة لليهود أو يهودية وليست دولة علمانية يعيش فيها الجميع على قدم المساواة.
شارون في اصراره على موضوع يهودية «اسرائيل» يحتاط لكل الاحتمالات والفرضيات التي تقول ان معدل الولادات العربية (الفلسطينية) في الأراضي المحتلة هي الأعلى وبالتالي فان طابع «الدولة» سيتغير مع الزمن (بعد 50 سنة مثلا) وتصبح امكان تولي مسئول فلسطيني رئاسة الدولة أو رئاسة الحكومة فكرة واردة. وشارون حتى يقطع كل الاحتمالات يريد من الآن أخذ موافقة فلسطينية - عربية - دولية على هوية الدولة وأزلية يهوديتها مهما حمل المستقبل من تحولات ديموغرافية (سكانية).
مقابل هذا الاعتراف الواضح وعد شارون بدولة للفلسطينيين أو فلسطينية لا تعرف مساحتها أو حدودها أو قابليتها للحياة... ولكن عنوانها موجود الى جوار دولة يهودية. والجوار في هذا المعنى الاسرائيلي يرجح أن تكون دولة فلسطين هي المجال الحيوي لدولة شارون فمنها يأخذ الأيادي العاملة الرخيصة وإلى أرضها يطرد الفلسطينيين اذا احتاج الأمر الى ذلك.
زار بوش المنطقة في جولة استعراضية وعاد الى واشنطن، والسؤال: هل تكفي زيارة واحدة لقراءة المشكلات وحلها؟ الجواب رهن التطورات
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 274 - الجمعة 06 يونيو 2003م الموافق 05 ربيع الثاني 1424هـ