نظام «الجودة»، أو ما يعرف باسم «أيزو» ربما يوفر بديلا جيدا لقانون الأحوال الشخصية فيما لو تم اعتماده في المحاكم الشرعية. ففي الفترة الأخيرة حصلت بعض المؤسسات الرسمية على شهادة نظام الجودة الكلية «الايزو»، وهناك دعوة من جمعية الجودة البحرينية الى اعتماد النظام في بقية المؤسسات الصناعية والخدمية والرسمية.
«نظام الجودة» هو مجموعة من الضوابط الاجرائية الموثقة التي تضمن سير العمل بصورة ما بحيث يعرف من يتعامل مع هذه الإجراءات ما هو المطلوب ومتى يكون مطلوبا وكيف يتم تمرير المعاملة أو انتاج السلعة أو توفير الخدمة، ومن المسئول عن هذه الإجراءات، ومن الذي يبدأها ومن يواصلها وبأية خطوات ومن الذي يقرر في النهاية ان السلعة أو الخدمة تتصف بمواصفات جيدة مقبولة من الزبون أو المواطن.
«نظام الجودة» قد يكون غريبا على المحكمة الشرعية لان القضاة تعودوا على النمط الشخصي، بمعنى ان كل قاضٍ يحكم ضميره في حضوره أو عدم حضوره، في طريقة تعامله مع هذه القضية أو تلك، وفي نوعية الإجراءات التي يتبعها تجاه القضايا المختلفة. وهذا النظام الشخصي لا بأس به لو كان القاضي هو الرسول (ص) أو من اختصه الله بصفات رفيعة بحيث يستطيع استذكار كل الأمور وذكر الله في كل شيء، وبحيث تكون لدى هذا الشخص طاقة جبارة بحيث يتذكر كل شيء قام به خلال السنوات الماضية وبحيث لا يمرض مرضا يتعبه نفسيا أو يؤذيه وبالتالي ينسيه واجباته.
وفي زماننا الحالي فإن الأمور معقدة كثيرا وبالتالي فإن الانسانية اتجهت الى النظام المؤسساتي الذي يقلل من الحالة الفردية في العمل. وقد اثبتت كل الحواث والوقائع أن الحالة الفردية غير مفيدة وان كانت جيدة. وهناك امبراطوريات كبرى ودول ومؤسسات اختفت بمجرد اختفاء ذلك الشخص الفريد من نوعه. فشخص مثل «تيمورلنك» مثلا حكم امبراطورية كبرى، وهو الذي اسسها، ولكنها انتهت بسرعة مع موته، لان كل شيء كان يعتمد عليه كشخص.
«نظام الجودة» يحاول إبعاد الحالة الفردية عن المؤسسة ويحاول إبعاد العشوائية في الإجراءات، ويحاول التقليل من الاخطاء ويحاول تثبيت المسئولية، بحيث تتم معرفة أين حدث الخلل فيما لو لم يتم تقديم الخدمة أو السلعة بحسب المواصفات المطلوبة أو المقبولة من الزبائن أو المواطنين. كما النظام يرجع الى بنود المهنة التي اعدها القائمون عليها.
واستحداث نظام الجودة أمر ذاتي وطوعي ولا دخل لقانون وضعي فيه، وبالتالي يمكن حل الاشكالية الحالية التي يطرحها علماء الدين المعارضون لقانون الأحوال الشخصية. فنظام الجودة يعتمد على أهل المهنة، وهؤلاء يقومون بكتابة الاسس والإجراءات والضوابط والصلاحيات التي يعتمدونها وهم يمررون العمليات والمعاملات والخدمات من خلالها. وبعد ذلك يختبرون هذه الإجراءات لفحصها والتأكد من انها تعطي النتيجة المرجوة من أهل المهنة والاختصاص وان الذي يحصل على المنتج أو الخدمة راضٍ بصورة معقولة عما يتم تقديمه أو انتاجه.
والقضاة المخلصون يمكنهم حضور دورة تدريبية عن مفهوم نظام الجودة وكيفية إعداد هذا النظام بأنفسهم من دون تدخل من البرلمان، وبالتالي فإن المشرع الوضعي ليست له علاقة بدماء الناس واعراضهم. وكما هو مطلوب من أي نظام جودة، فإن المؤسسة التي تعتمد هذا النظام بحاجة الى طرف ثالث يوقع النظام، ويقول انه يفي بشروط انظمة «الايزو» إذ إن هناك شركات متخصصة تقوم بهذا العمل. وفي حال القضاء فان بإمكان القضاة اعتماد قضاة آخرين، من داخل أو خارج البحرين للموافقة على النظام المعتمد، وربما يحتاجون ايضا الى هيئة متخصصة لتوقيع الانظمة والإجراءات لتقول لهم ان هذه الانظمة يمكن الاعتراف بها على انها موافقة لشروط «الايزو».
شروط «الايزو» ليست لها علاقة بالتشريع وكل ما يهمها هي الطريقة التي يتم تمرير العمل من خلالها. وهذا النظام العالمي هو انتاج بشري توصل اليه اليابانيون والأروبيون والأميركيون وغيرهم ووجدوا ان كل معاملة وكل عملية انتاج بحاجة الى ضوابط للتأكد من انه تم تمريرها أو انتاجها بوجود ضوابط تبعث على الاطمئنان بأن ما يحصل عليه الزبون أو المواطن ليس «أي شيء» وانما يحصل على شيء محترم ويمكن تقديره عند مقارنته بما يحصل عليه المرء من مصادر أخرى على أسس معترف بها.
وبما أن القضاة يودون وحدهم حل الاشكالات الحالية، فانهم مدعوون للنظر فيما هو متوافر من تسهيلات عصرية لذلك، وهذا يعزز خدمتهم لدينهم وشعبهم
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 274 - الجمعة 06 يونيو 2003م الموافق 05 ربيع الثاني 1424هـ