مع احتفالات مملكة البحرين بعيدها الوطني في 16 ديسمبر/ كانون الأول، قامت وزارة شئون البلديات والزراعة بتوقيع اتفاقية إنشاء محطة لمعالجة المخلفات الصلبة مع شركة فرنسية بقيمة 750 مليون دولار أميركي. تعتبر هذه الخطوة مثيرة للجدل وخاصة إنها تتعارض مع آراء العديد من البيئيين المحليين وحتى بعض المنظمات الدولية المعروفة والتي تعترض على اختيار هذه النوعية من المعالجة المعتمدة على الحرق (incineration).
التخلص من كميات هائلة يوميا من المخلفات المنزلية المحلية وبصورة مستدامة هي إحدى الصعوبات التي تواجهنا كمجتمع لذلك فاختيار الطرق المثلى للتعامل مع هذه المخلفات الصلبة مثل اختيار التكنولوجيا المناسبة والاستفادة من تجارب الدول التي سبقتنا في هذا المجال وخاصة في مجال إدارة المخلفات هي سلسلة من الخطوات السليمة التي ينبغي مناقشتها بجدية من قبل المجتمع المدني المحلي والأدوات التنفيذية في الحكومة قبل اتخاذ قرارات بعيدة المدى قد لاتتضح للمعنيين آثارها السلبية.
لكن أولا يجب الاعتراف بحجم وعمق الإشكالية فحسب الإحصاءات الرسمية تقدر كميات المخلفات المنزلية من جميع المناطق السكنية في البحرين بحوالي 3000 طن يوميا أي تقريبا 1.1 مليون طن سنويا. ومن منظور آخر فإنه يمكننا حساب متوسط إنتاج الفرد من المخلفات والذي يبلغ حوالي 3 كيلوجرامات (بحساب أن عدد سكان البحرين مليون نسمة) وهذا الرقم يفوق حتى متوسط إنتاج الفرد في قارة أميركا الشمالية والمعروف بنمطه الاستهلاكي والذي يقدر بحوالي 2.5 كيلوجرامات يوميا أي إن الإنتاج اليومي للمخلفات الصلبة للشخص البحريني يفوق يوميا وبحوالي 20 في المئة نظيره الكندي أو الأميركي. هذه الحسابات تحلل و بصورة مبسطة الأنماط الخاطئة لبعض العادات السيئة في المجتمع كالإسراف والتي تتسبب في تراكم كميات هائلة من النفايات والتي يجب إيجاد حلول آمنة للتعامل معها على أراضي المملكة.
المعروف أنه في الوقت الراهن للبحرين موقع وحيد لدفن القمامة المنزلية يقع في قرية عسكر وحسب المعدل الحالي لعمليات الدفن فإن المدة الافتراضية لديمومته لن تزيد عن 10 سنوات قبل إغلاقه. لكن للأسف فإن الإشكالية السلبية على البيئة وصحة الإنسان والمباني القريبة من المدفن لهذه الطريقة تنبع من عدم معالجة المواد التي تتحلل بيولوجيا إذ ينتج من عمليات تحلل هذه المركبات العضوية غاز الميثان والذي يعتبر أحد الغازات الدفيئة ويقدر علماء المناخ مسئوليته بنسبة 4-9 في المئة عن ظاهرة الاحتباس الحراري. الدول المتقدمة قامت بوضع العديد من القوانين المنظمة لخفض تسرب غاز الميثان إلى الغلاف الجوي عن طريق المدافن عن طريق معالجة المواد التي تتحلل بيولوجيا. لكن بالنسبة للبحرين فمن الواضح أنه لاتوجد خطة لخفض الكميات الضخمة لهذه المواد للسنين العشر الباقية قبل إغلاق مدفن عسكر.
المملكة تعاني من مشكلة شح الأراضي لذلك فإن إيجاد مدافن أخرى لبلد يزداد سكانيا بوتيرة عالية ليس بالحل المثالي وبالتالي إيجاد بدائل أخرى تعتبر فكرة منطقية. البدائل المعروفة حاليا هي: تدوير المخلفات (recycling)، تحويل المخلفات الى أسمدة عضوية صناعية (composting)، وحرق المخلفات مع إنتاج طاقة، وأخيرا حرق المخلفات بدون إنتاج طاقة. المقالات القادمة ستناقش بعض هذه الحلول ومشكلاتها.
إقرأ أيضا لـ "مجيد جاسم"العدد 2311 - الجمعة 02 يناير 2009م الموافق 05 محرم 1430هـ