في أي نقاش يُثار أو جدل عن الأخطار المترتبة على مشاهدة الأطفال التلفزيون تتعالى الأصوات محذرة من مخاطر العنف والقتل والاعتداءات فيما يعرض من أفلام. في الحقيقة اننا نشاهد يوميا الكثير من العروض التي تتعارض وأساليب تربيتنا الإسلامية العربية، فقضية العنف ليست ظاهرة جديدة ولكنها تطورت أكثر واختلفت أساليبها وتعابيرها عن ذي قبل. وقد اعتاد عليها الطفل، فهو يرى العنف حتى في حياته اليومية، إما من خلال الخلافات الزوجية بين والديه وإما فيما يدور من عراك في المدرسة بين الأصدقاء، ولكن الخطر كل الخطر لا يكمن في أفلام العنف والاعتداءات، وإنما في القنوات التي تدس السموم اللاأخلاقية والاستهتار السلوكي المنحرف البعيد عن قيمنا وأخلاقنا. إنها تبث عروضا حيوانية خالية من أي مضمون أدبي أو حضاري أو ثقافي فينشأ الصغار بنفسية مشوهة وأفكار مشوشة لا تعرف العار ولا العيب، إنما هي متعة حسية جسدية.
بالله عليكم، هل يدرك الآباء والأمهات هذه التأثيرات السلوكية على أبنائهم ومدى ما تحدثه من تصدع نفسي وخلط أخلاقي بين الحرية والانحلال؟ وهل بالإمكان منع الطفل عن مشاهدة هذه القنوات وقد توافرت له في البيت وهو يترك لساعات من دون حسيب أو رقيب أبدا؟ إنه سيشاهد الأفلام الرخيصة كلما سنحت له فرصة الاختلاء بنفسه وفي أي وقت من الأوقات حتى بعد منتصف الليل. إن هذا النوع من الانحراف الأخلاقي غير ملحوظ وخطره كبير جدا وخفي للغاية، ولا يمكن اكتشافه إلا بعد فوات الأوان، حين تكون فرصة إصلاح الخطأ قد فاتت.
يعتقد الآباء والأمهات أن طفلهم الصغير لن يكبر ولن يفهم هذه الأمور إلا بعد فترة طويلة، إذن لا مانع من تقوية هذه القنوات السامة باللاقطات الهوائية بغية الاطلاع أكثر على هذا النوع من العروض التافهة المدسوسة لتصرف تفكيرنا عن أمور الحياة الاجتماعية والسياسية والأخلاقية، وعلى الأبناء دفع فاتورة متعة الآباء!
قد يعارض البعض قائلا: إننا على ثقة تامة بأولادنا، فنحن ننظم لهم أوقات مشاهدتهم التلفزيون، وهذه الأفلام تعرض في وقت متأخر من الليل والأطفال نيام. هذا صحيح، ولكن ماذا لو تلصص الأبناء ليلا وتسللوا من دون علم منكم لمشاهدة التلفزيون؟ فتأخير العروض لا يمنع الطفل من أن ينفرد بنفسه ويشاهد ما يريد وعلى مزاجه كلما سنحت له الفرصة، وهو على ثقة تامة بأن والديه لن يكتشفا حقيقته لأنه يبدو هادئا مطيعا للأوامر.
إن قضية العنف والخيال والأرواح لن تحدث الأخطار الجسام المترتبة على مشاهدته هذه الأفلام الإباحية، إنه خطر كبير يكبر مع الطفل ويتطور في نفسيته ويجعله فريسة الكثير من العادات اللاأخلاقية غير المنظورة أهونها ممارسة العادة السرية أو الشذوذ الجنسي. إنه داء يستشري في أوصاله حتى النخاع، وأخص بالذكر البنات فالكثير من الانحرافات الأخلاقية والاستهتار بالقيم والتحلل الإباحي اللامحدود بل وحتى الممارسات الشاذة إنما هي نتيجة مشاهدة هذه العروض المثيرة للغرائز والمقززة للنفس البشرية
العدد 272 - الأربعاء 04 يونيو 2003م الموافق 03 ربيع الثاني 1424هـ