العدد 272 - الأربعاء 04 يونيو 2003م الموافق 03 ربيع الثاني 1424هـ

الهيمنة الأميركية... والمعطوبيّة في العراق!

قراءة في أوراق قمة إيفيان

إلياس حنا comments [at] alwasatnews.com

كاتب لبناني، عميد ركن متقاعد

تعوّد العالم ان يكون اجتماع الدول الثماني العظمى (ا-8)، مناسبة لرسم الخريطة الاقتصادية والسياسية للعالم. إذ قلما تناولت هذه القمة، الموضوعات الامنية بالعمق، كالارهاب مثلا. وكان كل رئيس من الدول الكبرى التي كانت تجتمع، يخصص رحلة وبرنامجا واحدا لهذا النشاط. أي اجتماع قمّة الثماني، إعلان البيان الختامي والعودة إلى ربوع الوطن وانتهى الامر. ما الجديد في قمة ايفيان؟

الجديد في هذه القمة هو في الامور الآتية:

- تأتي قمة إيفيان والحلفاء مختلفون بالعمق على الامور الاساسيّة لقيادة العالم.

- عدا اللياقات الرسميّة، فإن القلوب ليست صافية، وخصوصا بين بوش وشيراك.

- تأتي قمة ايفيان بعد احتقار اميركا الامم المتحدة وتفردها بالذهاب إلى الحرب على العراق.

- تتزامن القمة الاقتصادية الاكبر والاهم مع دولار اميركي ضعيف، ويورو قوي جدا. يعزز هذا الامر التصدير الاميركي، ويضر بالاوروبي، وخصوصا الدول التي تعتمد اليورو. لا تفعل اميركا اي شيء حيال هذا الامر، وذلك بعد ان كانت تهتم عادة بالاستقرار النقدي والاقتصادي العالمي. فهي التي كانت السبب الرئيسي في إنشاء صندوق النقد والبنك الدوليين.

- تأتي قمة ايفيان واميركا تركز حملتها على ايران في دعمها للقاعدة، وعلى مَن وراء برنامجها النووي، المقصود هنا بالطبع روسيا.

- تتوزع التحالفات في هذه القمة على الشكل الآتي: مع اميركا كل من بريطانيا، ايطاليا، كندا واليابان. في الجهة المقابلة هناك، فرنسا، روسيا والمانيا.

- وأخيرا وليس آخرا، برمج الرئيس بوش مع هذه القمة قمما كثيرة، وزيارات أخرى هي: قمتان، واحدة في شرم الشيخ، وأخرى في الاردن. زيارة لبولندا، وأخرى لقطر.

ماذا تعني هذه المؤشرات؟

ان ما يهم اميركا الآن، لا يمكن ان تحققه من قمة ايفيان. إن الاولويات الاميركية قد تبدّلت جذريا. إن الامن وسلامة الأرض الاميركية يحتلان رأس الاجندة عند الرئيس بوش. وقد تعني هذه الامور ان لقاء الرئيس بوش مع أبومازن، هو اهم من لقائه مع الرئيس شيراك. فإذا ما استطاع الرئيس بوش وقف العنف في فلسطين، ومهّد الطريق لخريطته، فهو قد يستطيع متابعة حربه ضد الارهاب، وذلك بالتعاون مع الانظمة العربية الاسلامية الصديقة. فقد يريحها هذا الامر. من هنا تأتي اهميّة زيارته شخصيا للمنطقة بهدف تسويق خريطة الحل، وخصوصا أنه في نهاية عهده وليس في أوله. وهو في الولاية الاولى، وليس في الولاية الثانية. وقد يعني هذا الامر(أي حضوره شخصيا) انه جاد في فرض الحل، وإلا فإنه قد يدفع الثمن في العام 2004. وقد تكون ضربة 11 سبتمبر/ايلول سبب التبدل في الاولويات الاميركية. من هنا اصبح الشرق الاوسط اهم من اوروبا بالنسبة إلى أميركا.

إن هذه الحركة الاميركية على الصعيد الرئاسي، لا تعني إطلاقا ان الحل العراقي اصبح جاهزا كما خططت له اميركا. لكن نجاح هذه التحركات، قد يكون السبب الرئيسي لتسريع الحل، وإخراج اميركا من ورطتها العراقية.

أين تكمن خطورة أميركا؟

تكمن خطورة اميركا على العالم في بُعدين مهمين هما: الاول، بما تملك اميركا من قوة عسكريّة، لا مثيل لها، وخصوصا في شقّ النوعيّة. اما الثاني، وهو الاخطر، فهو يكمن في نوعيّة البُعد السياسي المُسيطر على هذه القوة العسكريّة. ويقول الكاتب والسياسي الاميركي وليم فولبرايت في كتابه «عجرفة القوّة» في هذا المجال الآتي: «تتماهى القوّة في بعض الاحيان مع الفضيلة. فتعتقد القوى الكبرى، أن هذه القوة هي هبة من الله، أُعطيت لها من اجل تغيير الامم الاخرى، لتجعلها على شاكلتها، أغنى وأكثر حكمة». هكذا هي اميركا الآن بالتحديد. إذ كلما اعتقدت انها الاقوى، كلما اصبحت مُلزمة بإثبات هذا الامر على ارض الواقع، وبواسطة فوهة البندقيّة بالتحديد.

ما هي الاجندة الاميركية؟

1- ايديولوجيا، نشر القيم الاميركية، والمفاهيم الديمقراطيّة في العالم، حتى ولو بالقوة. الانتقال من الليبراليّة المتسامحة، إلى الليبرالية الحاقدة أو المنتقمة، وذلك تيمنا وعملا بما بشّر به ملهم المحافظين الجدد، الكاتب الاميركي ليو شتراوس. يعتبر بول وولفوويتز التلميذ المباشر لشتراوس. واثبتت تجربتي الليبرالية المتسامحة، ومفهوم المجتمع الاميركي المفتوح لمن اراد، فشلهما. شكلت ضربة سبتمبر النموذج الحي لهذا الفشل.

2- على صعيد مأسسة هذه الايديولوجيّة، اطلقت اميركا العقائد والاستراتيجيات العسكرية. كما صنفت العالم بين خير وشر، ومن ليس معها فهو ضدها. كما بدأت اميركا حملاتها العسكريّة الانتقامية، وذلك تنفيذا للاجندة، فشهدنا حتى الآن الآتي:

أ - حروب محدودة ضد دول - أمة، ذات سيادة ومعترف بها في المجتمع الدولي. كانت افغانستان، وتلاها العراق.

ب - حروب صغيرة (ميكرو - حروب)، تخاض في مناطق متعددة، متباعدة من العالم، وذلك ضد الارهاب. تندرج الفلبين واليمن في هذا التصنيف، وقد تزيد اللائحة.

جـ - في الوقت نفسه، محاولات ردع واحتواء للدول المارقة بحسب التصنيف الاميركي. تندرج كل من ايران، كوريا الشمالية وسورية في هذا التصنيف.

د- وأخيرا وليس آخرا، توعّدت اميركا الدول العظمى من التجرؤ على تحديها، لانها لن تتورع عن خوض الحروب الشاملة، وتفضلها على غيرها من الحروب.

ماذا عن أميركا في العراق؟

اصبح الاحتلال الاميركي للعراق واقعا لا يمكن نكرانه. وعلينا هنا، ان نقرر في كيفية التعامل معه. وذلك لان هذا الاحتلال، سيرس ومن دون شك بثقله على دول المنطقة، سواء فشل ام نجح. فللنجاح ثمن ستدفعه حتما دول المنطقة، كما أن للفشل ايضا ثمنا باهظا، أقلّه بلقنة المنطقة وتقسيمها. لذلك لا يجب علينا هنا الاستخفاف بالوجود الاميركي وخصوصا العسكري، فأميركا اتت لتبقى، وهي سوف لن تخرج غدا. فالخروج الاميركي من المنطقة، قد يأتي فقط عندما تفوق الاثمان المدفوعة، المكاسب المحققة. أي عندما تصبح الوسائل المستعملة لتحقيق الاهداف الموضوعة، اكثر كلفة وقيمة من الاهداف التي سُخّرت هذه الوسائل من اجلها. فهناك النفط، والارهاب، كذلك الامر أمن «إسرائيل». يضاف إلى هذه الامور، الابعاد الايديولوجيّة التي كنا قد تطرقنا إليها في سياق المقال. فالمنطقة العربية متهمة بأنها وكر للارهاب، كذلك الامر، متهمة بأنها تسعى إلى امتلاك اسلحة الدمار الشامل. فهل هناك بعد 11 سبتمبر، وصفة قاتلة لاميركا اكثر من مزاوجة الارهاب وهذه الاسلحة؟ بالطبع كلا، وخصوصا في الذاكرة الجَماعيّة الاميركية. من هنا تأتي اهميّة العراق كمركز ثقل للسيطرة على المنطقة.

لذلك وبهدف فهم التأثيرات لما قد يجري في العراق على المنطقة. وبهدف تحليل فوائد زيارة الرئيس بوش للمنطقة، لابد لنا من تركيب سيناريوهات محتملة لما قد يؤول إليه الوضع الاميركي في العراق:

الستاتيكو: في هذا السيناريو، يبقى الوضع العراقي معلقا كما هو الآن، أي لا نظام شرعيا بعد نظام صدّام حسين. في هذا السيناريو، تبقى اميركا مسيطرة على النفط، غير عابئة بما يجري على الساحة السياسية. ومع الوقت، قد ترتسم الخطوط السياسية والجغرافية بوضوح وثبات بين العناصر الطائفية والاثنية المكوّنة للدولة العراقية. في هذا الوضع، ستستمر اميركا بالضغط على كل من ايران وسورية، وذلك من دون نسيان الحرب على القاعدة. لا يمكن لاميركا ان تسمح في المبدأ لهذا السيناريو بالاستمرار، لأن الانظار العالمية موجهة على ما ستنتجه في العراق من استقرار، وخصوصا انها لم تجد حتى الآن، اي اثر لاسلحة الدمار الشامل.

السيناريو الاسوأ: في هذا السيناريو، تفشل الولايات المتحدة الاميركية في تنفيذ اهدافها في العراق. وتزداد عمليات المقاومة ضد قواتها إلى درجة تصبح الكلفة كبيرة جدا. ومع الوقت والتراكمات الميدانية للفشل، قد يتألف رأي اميركي داخلي يطالب الادارة بالانسحاب من العراق. يبدو هذا السيناريو بعيد التحقيق، وذلك لأن المقاومة العراقية لاتزال في بداياتها، وهي ليست منظمة. كما ليس لديها الراعي، والملاذ كي تستمر. ويعتقد بعض المحللين، ان الانسحاب الاميركي من العراق بهزيمة ما، قد يجعل اميركا دولة عادية كباقي الدول. وسيأخذ الانسحاب من هيبتها ليتحقق ما قاله بن لادن بأنها عملاق يقف على أرجل من جفصين. في هذا السيناريو ستنشط المنظمات الاصولية. كما ستفلت نوعا ما كل من سورية وإيران من التركيز والضغط الاميركيين عليهما، كون لأميركا لا يمكن ان تخوض حروبا بالجملة وعلى مساحات جغرافية كبيرة جدا. وقد يجعل هذا الامر حزب الله اكثر حريّة في اتخاذ قراراته، إن كان على صعيد الجنوب اللبناني، أو على صعيد الحرب ضد القوات الاميركية في العراق.

السيناريو الافضل: في هذا السيناريو تحقّق اميركا اهدافها في العراق، ليصبح بلدا ديمقراطيا. وتحقيق الاهداف قد يعني عزل ايران عن الساحة العراقية، أو إدخالها لقاء ثمن ما. هذا مع العلم ان هناك مباحثات تجري في جنيف بين الاثنين. كما ان تحقيق الاهداف قد يعني ابعاد تأثير سورية عن الساحة العراقية. في هذا السيناريو، سيزداد التركيز الاميركي اكثر على لبنان، وخصوصا فيما يتعلق بالمنظمات التي تصفها اميركا بالارهاب. وقد يذهب الجيش اللبناني إلى الجنوب. لكنه يجب علينا في هذا السيناريو التساؤل عن المقصود بإدخال كل من ايران وسورية في اللعبة الاميركية.

- بالنسبة إلى إيران قد يعني الدخول تحت المظلّة الكثير من الامور منها: رفع العقوبات والاحتواء عنها. تحرير الاموال المجمدة، ورفع اسمها عن لائحة محور الشر. مساعدتها على استكمال مشروعات مد انابيب النفط بالاتجاه الآسيوي. هذا بالطبع عدا عن اعطائها دورا اقليميا مهما في محيطها المباشر بسبب حجمها الاقليمي الكبير. في هذا الوضع، ستبتعد ايران عن الساحة اللبنانية، وبالتالي عن دعم حزب الله.

- بالنسبة إلى سورية، لم نر حتى الآن من اميركا سوى العصا بالاتجاه السوري. تمثل هذا الامر في التهديدات التي اطلقها كل من الرئيس بوش ووزير دفاعه رامسفيلد. لذلك وانطلاقا من مبدأ عدم المجّانيّة في العلاقات الدولية، يمكن

العدد 272 - الأربعاء 04 يونيو 2003م الموافق 03 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً