العدد 272 - الأربعاء 04 يونيو 2003م الموافق 03 ربيع الثاني 1424هـ

جيل الهزيمة... وحلم العودة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

مضى 36 عاما على هزيمة 5 يونيو/حزيران 1967، وحتى الآن لايزال جيل الهزيمة يدفع ثمن ذلك اليوم الذي غير مجرى حياة أمة كانت تحلم بالعودة فإذا بالحلم يتحول إلى كابوس في مطلع صيف حار وطويل.

حتى الآن لم تتحول الهزيمة الى ذكرى، فهي لاتزال تكرر أيامها ولحظاتها، متنقلة من بلد عربي إلى آخر. وكان آخرها العراق الذي تعرض لغارة أميركية اختطفته أمام مرأى العالم وغيابه في آن.

مضى 36 عاما على هزيمة حلم وحتى الآن لم تتحول الهزيمة الى ذكرى، كذلك الحلم. فالأحلام على قلتها مازالت تعاود الظهور مرة في المنام ومرات في اليقظة. جيل الهزيمة عاش التناقض ولايزال يبحث عن مخرج من أزمته وحتى الآن لا يزال يبحث حائرا بين ماض لم يحضر وحاضر لم يمض. جيل الهزيمة علق في حلقة غامضة يريد الخروج عليها وكلما حاول كان نصيبه المزيد من الغرق في دائرة الحلقة.

آنذاك كان الجيل يعيش أحلام العودة ويتغنى بفلسطين والوحدة والسد العالي والإنجازات الاجتماعية. كانت تنقصه غصة وكان يظن أن تلك الغصة يمكن علاجها بسهولة في حال توافرت الإرادة... والقيادة.

آنذاك كان الجيل يتدثر التيار القومي (الناصري في جوهره) منبسطا على جغرافيا عربية ممتدة من المحيط إلى الخليج يفكر بتلك اللحظة التي حين تأتي لن يكون هناك على مثالها.

وجاءت... جاءت «الزلزلة» التي ضربت البنية الذهنية العربية وشرذمتها وشتتها على بقاع لا تحصى من الأفكار والنظريات. فجأة ومن دون انذار تحول جيل السبعينات الواعد إلى جيل مهزوم تبعثرت أحلامه وتمزقت آماله على أرض الواقع.

وانقسمت «النخبة» الى تيارين: الأول جيل مخضرم عاش نكبة فلسطين (1948) وعرف معناها فحاول أن يتعلم الدرس من هزيمة 1967. والثاني جيل شاب لم يعرف النكبة ويعيش معانيها فثار وتمرد وذهبت به الرياح الى أقاصي المعمورة بحثا عن علاج لمشكلة كان من الصعب التحكم في أعراضها.

اتسم التيار الأول بالنضج السياسي، فحاول إعادة قراءة عناصر النكبة في ضوء الهزيمة. وغلب على التيار الثاني حس المغامرة معتبرا أن الأنظمة هي سبب الهزيمة، وأن التغيير يبدأ بالأيديولوجيا لا من الواقع.

مال الجيل المخضرم إلى الواقعية السياسية ومال الجيل الشاب إلى «الطفولة اليسارية» فاتجه نحو خيارات الضد ولجأ إلى أيديولوجيات عالمية محاولا الاستفادة من مناهجها للقول إن المرحلة القومية انتهت والناصرية مهزلة.

وبين الجيلين نهضت تيارات انقسمت بين الحاد يرى في الإسلام عقبة في وجه التطور وبين إيمان يرى أن الإسلام هو الحل. ووسط خضم التمزق كان ضجيج «الطفولة اليسارية» هو الأقوى فصدرت عنه مئات الكتابات من ترجمات ودراسات وأبحاث غطت كل ما يخطر في البال من قضايا فكرية يصعب حصرها في دائرة أيديولوجية واحدة.

التيار اليساري على طفولته وقلة نضجه كان الأقوى نظريا فتصدر واجهة الصدامات والاصطدامات ولم يترك حيلة أو وسيلة إلا واستخدمها لاثبات صحة رأية وسلامة المنهج (المسار) الذي يقود جيله إليه.

آنذاك كانت العالمية تعني الكثير... إلا العولمة الأميركية. فهناك في الشرق كان ماوتسي تونغ والثورة الثقافية في الصين وحرب الشعب الطويلة المدى.

وفي الشرق أيضا كانت فيتنام والفيتكونغ وأفكار هوشي منه وحرب العصابات ضد القوات الأميركية. وفي الغرب كانت كوبا وثورة فيدل كاسترو على مقربة من شواطئ فلوريدا، كذلك كانت «البؤر الثورية» في أميركا اللاتينية والتوباماروس وشهيد الثورة العالمية الشاب تشي غيفارا.

وبين الشرق والغرب كان الاتحاد السوفياتي ومعسكره المزدهر بالنشاط والحيوية، وكانت دول عدم الانحياز ومنظمة المؤتمر الإفريقي وباتريس لومومبا والمناضل ضد العنصرية والتمييز العرقي نيلسون مانديلا.

كل هذه التجارب أثمرت في بيروت عشرات الفصائل والهيئات والمنظمات من أقصى اليمين الى أقصى اليسار. كانت بيروت هي الملجأ الذي يرحل إليه كل من نشد التغيير أو أنشد قصيدة. تحولت بيروت إلى «بيت قصيد» لكل من قصدها من محيط العالم العربي إلى خليجه. وهناك كانت تنسج الأحلام وتحاك الانقلابات وتنظـم «الحروب» على انواعها من حرب العصابات وحرب الغوار إلى حروب المدن والأرياف... وصولا الى حرب تحرير فلسطين.

وعلى حدود فلسطين - لبنان كانت الحرب الطويلة والطويلة جدا إلى أن سقطت بيروت. سقطت عاصمة التغيير العربية في حروبها الداخلية أولا إلى أن أسقطتها حروبها الأخرى ضد الآخر وتحديدا تلك « الدولة» التي صُنعت من النكبة ثم صنعت له الهزيمة في ذلك اليوم من صيف 1967.

مضى أكثر من 36 عاما على هزيمة 5 يونيو. والجيل الشاب المغامر الذي كسر الحدود واخترق المحرمات وصل إلى نهايته. جيل السبعينات الآن تجاوز نصف قرن من عمره. وما كان حلم المستقبل بات الآن من الحلم بالماضي. إلا أن الهزيمة لم تتحول حتى الآن إلى ذكرى... فهو يجرها وتجره على رغم أن السنوات حملت إليه الكثير من الخبرة والنضج. جيل السبعينات الآن دخل المقلب الآخر من عمره وهو لايزال يحلم... بالعودة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 272 - الأربعاء 04 يونيو 2003م الموافق 03 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً