العدد 272 - الأربعاء 04 يونيو 2003م الموافق 03 ربيع الثاني 1424هـ

الثقافة والعولمة

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

فيما الثقافة «هناك» في الطليعة من الترتيب من حيث تأثيرها على بقية الحقول، تظل الثقافة «هنا» في المساحات الرطبة والمظلمة وفي المؤخرة المهملة والمهمشة، شأنها شأن بقية الحقول الأخرى.

هل يكشف ذلك عن حقيقة اضطراب مجمل الحقول عندنا، في ظل اضطراب التعاطي مع الثقافة؟ فيما الحقول «هناك» مستوية وتعمد الى مزيد من الكشف والإضافة في ظل استواء الثقافة وكشوفاتها واضافاتها؟.

***

كلما تراجع الاهتمام بالثقافات الشعبية وما يتصل بها، كلما تراجع الأداء على مستوى الأجناس الأدبية، من حيث متاخمتها وتوغلها في حدود ومساحات جديدة وبكر.

كلما حدث وتكرس التعالي أمام تلك الثقافة، كلما تكرست حال من الاجترار وإعادة إنتاج ما سبق ... انتاجه وبصورة سمجة تؤكد أن ما يتم إعادة إنتاجه ما هو إلا وثيقة إدانة واعتراف تخطهما تلك الأجناس لحال التراجع المستفحل، دونما أمل في الإلتفات إلى المساحات الخصبة التي يمكن توظيفها وحقن أوردة الأجناس الأدبية بها كيما تسترد عافيتها وحضورها اللائق.

***

مقومات تحقيق المجتمع الإنساني الواحد يعتمد بشكل كبير على العنصر الإنساني المعنوي وليس العنصر المادي الأدواتي، لذلك تصطدم العولمة أول ماتصطدم مع الصعوبة المتأتية من محاولة اندماج أسواق العالم وانتقال رؤوس الأموال - عبر الآلية المتجاوزة للأخلاق - تصطدم مع حال الإندماج الثقافي، ويمكن تلمس صور ذلك الإصطدام في عدم قدرةعدد من الشركات على مواجهة التحديات واستغلال الفرص ضمن ثقافة قائمة، وبالتالي يتم ابتلاعها تحت أكثرمن عنوان أو يافطة. منطلقات كتلك لتحقيق أهداف العولمة تدفع بثقافة القطر الواحد إلى مزيد من الإنزواء وأحيانا التأهب لشحذ آخر أسلحتها، وفي حال تأهب كهذا لا يمكن لتلك العولمة إلا أن تكون قاصرة ومنحازة إلى المادي / الأدواتي بتهميشها واقتلاعها للمعنوي.

ازاء كل ذلك، هل نحن أمام ثقافة اقتلاع هي في الصميم من أهداف العولمة، فيما هي تراوغ وتناور بورقة الإندماج والإنفتاح وتقبل الآخر وتحت مظلة ثقافية كونية حارسها الأول صلف الآلة وتغييب الإنسان وسيادة مواقف الإبتلاع، وليست الثقافة بمنأى عن ذلك شأنها شأن الشركات الصغيرة ورؤوس الأموال الهزيلة.

***

تفكك الدولة القومية واحد من أهداف العولمة ... ومن آثار ذلك التفكك تقزيم حجم الدولة وتسريح الآلاف من الموظفين، مع الاتجاه الغالب لتخفيض الإنفاق.

ضمن واقع كهذا يتراجع دور الثقافة القومية، إن لم يضمحل، وفي ظل التراجع والإضمحلال وقيام أنماط من العنف الجديد بين أبناء الجماعة الواحدة، وسيادة القوة لحسم نتيجة ذلك العنف لصالح طرف دون آخر، ستولد بالضرورة ثقافة جديدة قائمة على الاحتكام إلى القوة ضمن إمكاناتها الأدواتية، ما يعني ترك الثقافة المستهجنة المجال أمام الثقافة القائمة على حسابات القوة والاحتواء.

***

الثورة المعلوماتية لم تتأت من بنية ثقافية هزيلة او وجود مستكين، بل تأتت من مستويات تجريبية خاضتها الثقافة عبر أجناس وأساليب تعبيرية حفزت الذهن والمخيلة الإنسانية على بلوغ عوالم وافتراض أدوات تحقق جزء كبير منها لتظل الثورة المعلوماتية الشاهد الأكبر على ثمرة ذلك التجريب والإفتراض.

ألم نقل ان الثقافة «هناك» هي في الطليعة من الترتيب من حيث تأثيرها على بقية الحقول؟. وباعتبارنا تابعين ومتفرجين ومستهلكين لمعطيات تلك الثورة، يظل توظيف التجريب والافتراض في ثقافتنا شبه غائب أو منعدم، ما يعني تغييبا شبه كلي للذهن والمخيلة، على رغم مركزية «الغيبي» في ثقافتنا!!!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 272 - الأربعاء 04 يونيو 2003م الموافق 03 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً